عن قبيلة "بني كلبون"
سأروي لكم أمورا تخصّ الثقافة المغربية العريقة. وإذا كانت المناسبة شرطا كما يقال، فإنّ الشّرط مناسب هذه المرّة. قديما كان عدد من أجدادنا الذين ينوون الذهاب إلى المشاعر المقدّسة، يختار طريق الجنوب، يشق عباب الصحراء الكبرى عبر موريتانيا ومالي والنيجر وشمال التشاد وجنوب ليبيا ثم السودان شمالا أو مصر جنوبا.
كثيرون من كان طريقهم ينتهي في تلك القفار بلا رجعة ولا أثر يُذكر، فيحسبهم الأهل شهداء عند الله يرقدون قرب قبر النبي.
كان “بنو كلبون” يضعون على وجوههم أقنعة لا يزيلونها إلا في حالات الغيض والغضب. وكانوا معروفين بحسن الاستقبال وكرم الضيافة، يكرمون الحجيج كرما كبيرا، ويضعون أمام الضيف صحونا متنوعة من مختلف أنواع اللحوم الحمراء. لكنهم كانوا متحسسين من أي قول قد يقال عن طوطمهم.
وهنا الفخ. إن هو نطق بكلمة، الكلاب، يعتبرون تلك الإجابة المباشرة شتيمة وسبّة وقذفا في حق طوطمهم الأكبر، وبعدها ينزعون الأقنعة عن وجوههم فتظهر ملامحهم الكلبية، ثم يتكالبون ويكشرون وينقضون على ضيفهم ناهشين لحمه بالمخالب والأنياب.
ولأنّ العظام تلتهمها الكلاب فعلا، مما لا يخفى على أحد، فقد كان بعض الحجاج يخفق في تجنّب استفزاز مشاعر “بني كلبون”. لذلك كان الحجاج يتواصون بالتمرّن ليس فقط لأجل تفادي الزواحف والسباع وقطاع الطرق، وإنما التمرن أيضا لأجل عدم استفزاز المشاعر الطوطمية المرهفة لقبيلة “بني كلبون”.
وكان هذا هو التمرين الأصعب، إذ كان على الحجاج أن يسحبوا من قاموس تداولهم كلمة “كلب”، حتى حين تكون الكلمة تحصيل حاصل، أو اسما على مسمى.