الاستدراج إلى الفخ

الخميس 2014/12/18

ذات مساء مقمر كان الحمار سائحا في البراري، هائما على وجهه، تائها بين الأدغال، فجأة انتصب أمامه أسد الغابة مكشرا عن أنيابه ينوي افتراسه.

جزع الحمار، وارتعدت فرائصه، وتسمّرت حوافره فزعا، ثم نظر يمينا ويسارا فلم يجد وليا ولا نصيرا، فاستسلم لقدره المحتوم وأجله المبروم، وأرخى جفنيه ينتظر ساعة الصفر، حين تنغرس المخالب في الظهر، وتمزق الأنياب أوصال العمر.

مرّت هنيهة على هذه الحال، والأسد واقف في مكانه يتأمل فريسته، والحمار متسمر ينتظر افتراسه. عندما عاود الحمار فتح عينيه شاهد الأسد متراجعا إلى الخلف كأنّه عازم على الفرار.

ذهل الحمار وظل يرمق الأسد متعجبا، والأسد يواصل تراجعه مطأطأ الرّأس منحنياً كأنّه صار جروا خائفا. تمالك الحمار نفسه، وما أن تقدم خطوة حتى ركض الأسد هاربا مبتعدا.

فرح الحمار بنجاته من الهلاك، لكنّه سرعان ما اغترّ فقرر أن يلاحق الأسد حتّى يثأر لنفسه من سنوات الخوف والرّعب التي عاشها كلما سمع صوت زئير الأسد.

ظل الأسد يركض، والحمار خلفه يطارده ويملأ الدنيا نهيقا حتى تشاهد الحيوانات عزمه وإقدامه. أخيرا، وصل الأسد إلى مغارة مقفرة، فدخلها وغاب فيها.

تردّد الحمار أوّل الأمر، لكنه قرّر مواصلة التحدي لعلّه يقهر الأسد، ويذل كبرياءه. وما أن لحق الحمار بالأسد إلى داخل المغارة المقفرة حتى كانت المفاجأة: جماعة من السباع تقيم حفلة سمر.

فوقف الأسد الهارب وسط السباع وقال لهم: يا بني جلدتي! كنت قد راهنتكم على أن لا أعود إليكم قبل أن أحضر لكم حمارا حيا دون أن أضطر إلى خدشه أو خبشه أو عضه أو ضربه، وها أنا أكسب الرهان، الحمار بينكم، انهضوا وافحصوه.. سهرتكم ممتعة.

24