درس الشهيد زياد أبو عين
قتل زياد أبو عين، الوزير والقيادي الفتحاوي، لأنه خرج عن الصورة النمطية للفلسطيني المطلوب، والتي اجتهدت إسرائيل في هندستها وفرضها، منذ إقامة السلطة الفلسطينية، وفق اتفاق أوسلو (1993).
تم اختزال الوطنية الفلسطينية في دولة في الضفة والقطاع، وحلت السلطة محل حركة التحرر، وهمّشت منظمة التحرير، وتم تحويل كوادر الفصائل إلى موظفين والفدائيين إلى شرطة، في إطار من الهيمنة الإسرائيلية وعلاقات التنسيق الأمني والتبعية الاقتصادية. هكذا باتت السلطة مرتهنة لمكانتها الجديدة، وللعلاقات السلطوية، وباتت ثمة طبقة قيادية معنية بإعادة إنتاج ذاتها، وتأمين الموارد اللازمة لاستمرارها بأي ثمن، وضمنه نسيان الوظيفة الأساسية المفترضة من قيامها، وهي إنجاز التحرر الفلسطيني.
في مرحلة سابقة ساعد وجود زعامة تاريخية من وزن ياسر عرفات على المزاوجة بين خياري التحرر الوطني والسلطة، والمفاوضة والانتفاضة، وهو ما توّج بالانتفاضة الثانية (2000 – 2004). لكن رحيل قائد الثورة الفلسطينية المعاصرة (2004)، أنهى هذه الازدواجية، لاسيما مع وجود قيادة من نمط آخر، تعتقد ألا بديل عن المفاوضات دون أن تهيئ شعبها لأي خيار آخر، رغم أن إسرائيل تملصت من استحقاقاتها المتعلقة بالتسوية، وأطاحت بحل الدولتين عبر الاستيطان وتقطيع أوصال الضفة.
الفكرة أن زياد أبو عين قتل لأنه يقدم نموذجا آخر للقيادي الفتحاوي والوزير، فهو لم يحمل السلاح، ولم يدع إلى المقاومة المسلحة، وإنما قتل لأنه كان يقود مظاهرة شعبية ضد الاستيطان والجدار ومصادرة الأراضي، ولأنه كان يزرع أشجار الزيتون، مقدّما في ذلك النموذج للمقاومة الشعبية. اللافت أن هذا حصل في الذكرى 27 للانتفاضة الشعبية الأولى (1987 – 1993)، التي كانت التجربة الأكثر تناسبا مع إمكانيات الفلسطينيين، والأكثر ملاءمة لظروف كفاحهم الصعبة والمعقدة، والأكثر جدوى، من حيث شموليتها واستنهاضها لأوسع قطاعات من المجتمع الفلسطيني، ومن حيث تأثيرها على الإسرائيليين وعلى الرأي العام الدولي.
قتل أبو عين لأنه خرج عن الصورة النمطية للوزير، الذي يصدر التصريحات من المكتب أو عبر الفضائيات، إذ كان في مقدمة المتظاهرين، وقتل لأنه كان من دعاة استعادة حركته فتح لطابعها كحركة تحرر وطني بعد أن سلبتها السلطة روحها وأهليتها الكفاحية. على الصعيد الفلسطيني يذكّر استشهاد أبو عين بأبجديات ضمنها أن المقاومة هي حالة شعبية، وأنها لا تقتصر على الكفاح المسلح وأن صمود الشعب في الأرض وتقويض الحلم الصهيوني بدولة يهودية هما أساس المقاومة.
استشهاد أبو عين رسالة إلى الفلسطينيين بشأن كيفية إدارة خلافاتهم وترشيد خطاباتهم، وضمن ذلك نبذ لغة التشكيك والتخوين، التي لا تفيد ولا تضيف شيئا، والتي كابد منها الشهيد كثيرا حتى لحظة استشهاده، باعتباره محسوبا على السلطة، وعلى سياساتها، علما أن ما حدث مع أبو عين حدث مثله مع الشهيد ياسر عرفات.
طبعا هذا لا يعني تنزيه اتفاق أوسلو، أو السلطة، أو أي من القيادة الفلسطينية عن النقد، فهذا مشروع وضروري، لكنه يعني أن النقد الأجدى هو الذي يراعي أخلاقيات الحوار والاختلاف، ويأخذ في اعتباره تعقيدات قضية فلسطين، وظروف شعبها وإمكانياته، ويتأسس على دحض الفكرة بالفكرة، ونبذ لغة التشكيك والاتهام والتخوين، التي لا تؤدي إلا إلى الإضرار بالإجماع الوطني الفلسطيني. آن لنا أن نتعلم شيئا من تجاربنا، و من ضمنها الدرس الذي قدمه الشهيد زياد أبو عين..
كاتب سياسي فلسطيني