عصام الشوالي معلّق الصدفة الرياضي والقومي العربي الثائر

السبت 2014/12/13
الشوالي جمع بين مدرستين فأجاد الابتكار

للتعليق الرياضي مدارس مختلفة في العالم، لكن الأكثر شيوعاً في الوطن العربي مدرستان تختلف كلٌ منهما، بصفات تميزها عن الأخرى، ولكل مدرسة إيجابيات وعيوب، فاللاتينية تعتمد على الإثارة والصوت المرتفع والحماس طوال المباراة والتركيز على الكرة الآنية، لا على التاريخ والإحصائيات والتحليل، أما المدرسة الإنكليزية فتعتمد على الهدوء معظم الأحيان والتفاعل مع ما يجب التفاعل معه من أحداث المباراة والابتعاد عن الصوت المرتفع ولكل مدرسة عشاقها ومتابعوها، لكن أن يجمع معلق بين صفات المدرستين فيكسب عشاقهما معاً ذلك ليس سهلاً، إلا أن المعلق التونسي عصام الشوالي فعلها ونجح في إحياء مدرسة جديدة للتعليق الرياضي، اجتمع على حبها عشاق الرياضة من المحيط إلى الخليج.


أفضل معلق عربي


عصام بن نورالدين الشوالي المولود في العاصمة تونس في خريف العام 1970 كان قد درس الأدب الفرنسي في كلية الآداب في بلاده، ورغم أن دخوله للتعليق الرياضي كان صدفة حسب ما يقول الشوالي لـ"العرب"، إلا أن علاقته مع الرياضة كانت قوية منذ الصغر.

لم يتوانَ الشوالي عن التقاط الصور التذكارية مع نجوم الرياضة التونسية في كل المناسبات، ولم يكن يوفر البحث عن المجلات والصحف الرياضية، فحجز مقعده في الملاعب التونسية منذ أن كان في السابعة من عمره، ما يفسر استمرار الشوالي بنفس الحماس في التعليق على المباريات فيدخلها بنفس الرهبة والنفس العميق بعد 18 سنة من التعليق، فهو لا يحب أن يكون الرقم 2 في قائمة المشاهد العربي وعندما يشعر أنه وصل إلى النهاية أو بدأ يتراجع، فالخيار البديل سيكون التحليل الرياضي أو تقديم الأستوديوهات كما يقول.

في العام 1994 أقيمت مسابقة لضم إعلاميين رياضيين لقناة تلفزيونية تونسية واعدة، لكن الشوالي لم يكن يرى في نفسه سوى أستاذ الأدب الفرنسي ولم يكن التعليق الرياضي أو الإعلام يستهويه، قبل أن تقوده خطاه فيتقدم لمسابقة إذاعية في العام التالي بإيعاز من عائلته ويحجز لنفسه مكاناً من بين 5500 شاب وشابة تقدموا إلى المسابقة، اختير منهم حوالي تسعين إعلامياً كان الشوالي من بينهم وتم فرزه إلى إذاعة الشباب والرياضة.


من التونسية إلى الفضائيات


دخل الشوالي أول مرة التلفزيون التونسي ليعلق على مباراة قمة دوري الأبطال يوم 15 سبتمبر عام 1998 بين ناديي ريال مدريد الأسباني وإنتر ميلان الإيطالي، كانت تلك التجربة الأولى التي ظهر فيها الشوالي فضائياً خلال حقبة حقوق البث الرياضية المفتوحة، وكان للمعلقين التونسيين مكانة خاصة في اتحاد إذاعات الدول العربية المالك الرسمي لحقوق بث كبرى المنافسات الرياضية آنذاك بحكم اتخاذ “الآسبو” من تونس مقراً له، فكانت البداية الحقيقة للشوالي عربياً في العام 1999 عندما علّق على تصفيات كوبا أميركا وبعدها تصفيات مونديال كوريا الجنوبية واليابان، لينتقل على خلفية تألقه مع “الآسبو” ويبرز نجمه مع شبكة راديو وتلفزيون العرب التي أطلق عليها آنذاك لقب “إمبراطورية الإعلام الرياضي”، بعدما سيطرت على أبرز الأحداث الرياضية وجمعت في قنواتها أكبر الإعلاميين العرب.

خمس وثلاثون جائزة دولية وستون ألف شتيمة حصدها عصام الشوالي في مشواره الإعلامي

وكانت أول مباراة يعلق فيها الشوالي في العام 2001 بين الترجي التونسي وصان داونز الجنوب إفريقي ضمن دوري أبطال إفريقيا.


وفاء المعلق الرياضي


بعد سنتين من انتقال الشوالي إلى شبكة راديو وتلفزيون العرب، تلقى الشوالي عرضاً مغرياً من قناة الجزيرة الرياضية، التي حصلت على حقوق بث الدوري الأسباني وبدأت بثها التجريبي في العام 2003، لكن الشوالي بقي وفياً لقناته وصرح حينها تصريحه الشهير: “سأبقى وفياً للآرتي حتى لو لم يبقَ معها سوى الدوري البنغالي” رداً على شائعات انتقاله بعد أن بدأت إمبراطورية الإعلام تتهاوى أمام المنافسين، لكن الشوالي بقي مصراً على التمسك بكلمته ووفائه للشبكة التلفزيونية التي جعلت منه نجماً ووجهاً إعلامياً لامعاً، قبل أن يتلقى الشوالي اتصالاً من الشيخ محيي الدين صالح كامل المشرف العام على القنوات الرياضية للشبكة يبلغه فيه بقرار بيع حقوق بث جميع الأحداث الرياضية، ليقرّر بعدها مغادرة القناة.


السياسي الثائر


ربما محبته الواسعة على مستوى الوطن العربي هي ما جعلت منه معلقاً قومياً وربما العكس صحيح، لكن بكل تأكيد عندما تكون تونس طرفاً في المباراة فإنه لن يزايد على المشاهد في محاولة لكسبه، فهو لا يحب أن يكون منافقاً وقالها يوماً إبان المباراة التي جمعت المنتخب التونسي بشقيقه السعودي في مونديال ألمانيا 2006 “لن أكون منافقاً وأشجع الأخضر على الخضرا” في إشارة منه إلى من اتهمه بالتعاطف مع المنتخب السعودي لصالح مالك شبكة راديو وتلفزيون العرب الشيخ صالح كامل، ولعب الشوالي دور المصلح والناصح في الأزمة المصرية الجزائرية عقب المباراة الفاصلة المؤهلة لكأس العالم 2010 وهاجم من وصفهم رموز الفتنة بين الأخوة العرب، ولا يرى الشوالي في الإمبراطورية العثمانية وهيمنتها على الوطن العربي لقرون طويلة سابقاً سوى احتلال آخر، ويخشى على الوطن العربي من تنامي الدور التركي في القضايا العربية وتكرار الماضي لأنه يريد أن يكون للعربي كيان مستقل، لذلك يكره المتعصبين لتشجيع المنتخبات والأندية العالمية، فالتعصب يكون للبيت العربي فقط من محيطه إلى خليجه، الشوالي الثوري الذي أبدى انحيازه لثورة شعبة في تونس منذ اللحظات الأولى لقيام الثورة التونسية، كم تمنى لو أنه شارك فيها على الأرض مع أبناء شعبه، لكن تزامنها مع البطولة الآسيوية خلفت في قلبه حسرة لا ينساها، حين كان جسده في مكان وقلبه في مكان آخر هو تونس، ولا يعني ما سبق من صفات ذكرناها للشوالي أنه يحب الأنانية والترفع، فعرف عن الشوالي طيبة قلبه وإخلاصه، فكان يجلس في حافلة نقل الكوادر الفنية لشبكة الآرتي ويرفض الذهاب في سيارة خاصة.

انحاز الشوالي إلى ثورة شعبه في تونس، ولكنه كان محتجزاً في البطولة الآسبوية وبقيت حسرة قلبه على السفر إلى يلاده والمشاركة مع الشعب المنتفض

وكانت آخر كلماته للشيخ صالح كامل قبل انتهاء حقبة إمبراطورية الإعلام: “نحن أصحاب شهرة لا خوف علينا لكن أوصيك بالموظفين فهم جنود مجهولون”، ويحب الشوالي الاستماع إلى الفنانين الكبار أمثال أم كلثوم وفيروز وعبدالحليم متى سنحت له الفرصة بذلك ويعتبر “الحبيب بورقيبة” الرئيس التونسي السابق، صاحب الفضل في بناء ثقافة أبناء تونس التي أثمرت فيما بعد ثورةً غيرت مسار تونس، في حين كانت دول عربية أخرى تهتم ببناء ترسانتها العسكرية على حساب عقول مواطنيها.


جوائز وشتائم


ليس سهلاً في مهمة التعليق الرياضي أن تحظى بإجماع أو أغلبية أذواق المتابعين، ويقول بعض النقاد إن المعلق الرياضي إذا ما حصل على نسبة تجاوزت الخمسين بالمئة من رضى الجمهور، فعليه أن يعلم أنه يسير بثبات نحو القمة، لكن الشوالي بلبل التعليق العربي ومضى ليكتسح الألقاب الشخصية بأسلوب جديد معتمداً على قدر كبير من المعلومات الرياضية، ونبرة صوته العالية والحماسية، وعباراته الزجلية الملونة، ليصبح الخيار الأول دوماً في المباريات الهامة لسجل يحتوي على أكثر من 125 نهائيا، وكرِّم من 16 بلداً عربياً بخمس وثلاثين جائزة، أبرزها “أفضل معلق تونسي” ثلاث مرات في العام 2000 في استفتاء صحيفة الشعب وفي العام2001 في استفتاء صحيفة الحدث وفي العام 2004 في استفتاء صحيفة الجمهورية، واختير كأفضل معلق في استفتاء موقع جول لعامي 2010 و2011، ونال جائزة زاهد قدسي للتعليق الرياضي إحدى أهم الجوائز العربية، وفاز في عدة استفتاءات لموقع كورة وبرنامج صدى الملاعب، وحظي بتكريم الكثير من الدول والأندية العربية، وكما في كثير من الأحيان تصبح الشعبية ومحبة الناس لعنة تلاحق صاحبها، فذاكرة الشوالي تكاد لا تنسى ذلك الموقف الغريب عندما شتمته جماهير النادي البيضاوي البالغ عددها ستون ألفاً رداً على انحياز الشوالي للفريق التونسي المنافس وآثرت الجماهير المغربية الاستماع إلى القناة الصوتية التي يشغلها الشوالي على المعلق المغربي المخصص للجماهير المغربية، لكن الشتيمة تلك رسمت الابتسامة على شفاه الشوالي الذي اعتبرها آنذاك وساماً على صدر الشوالي حين تختار الجماهير المغربية المعلق التونسي على مواطنها المعلق المغربي.

أثار تعليق الشوالي على مباراة البرتغال وكوريا الشمالية والتي انتهت بسباعية برتغالية، حفيظة الإعلامي المصري مدحت شلبي على الشوالي، عندما جاءت الكاميرا على الجماهير الكورية بعد الهدف الرابع وقال الشوالي حينها: “داروا وجوهكم خجلاً من هذه النتيجة ولو جه الخامس كانوا سيتمنون لو أنهم لو لم يذهبوا للمونديال، ولو جه السادس كانوا سيتمنون أنهم لو لم يتعلموا الكرة أساساً، و لو جه السابع سيتمنون أن تنشق الأرض و تبلعهم”.

امتاز الشوالي بالالتزام مع كل من عمل معه، وكان يقول: سأبقى وفياً للإي آر تي حتى لو لم يبق معها سوى الدوري البنغالي

فجاء على لسان الشلبي في صحيفة الرياضية السعودية قاصداً الشوالي: “لم يسبق لي أن تقابلت مع الشوالي ولا غيره من المعلقين العرب وليس لدي مواقف شخصية مع أحدهم، ولكنني في طبعي أكره (القليطة) أي قلة الذوق واستخدام الألفاظ الخارجة عن حدود اللباقة أثناء التعليق على مباريات كرة القدم من أي معلق مهما كبر أو صغر اسمه سواء الشوالي أو غيره”.

إلا أن الشوالي استخدم حنكته ودبلوماسيته رداً على الشلبي فقال: “لا أجيد لغة الصراعات والمشاكل، فأنا دائماً أحرص على أن أشتغل على نفسي أكثر وأطوّرها، ولا أبحث عن إثارة أو شهرة أو مشاكل، وأعمل بكل مهنية وضمير كما تعلمت ولا أنظر إلى مثل هذا الهجوم والإشكاليات، فكل شخص حر في رأيه شرط أن يكون هذا الرأي يحترم الناس، ولا أعرف مدحت شلبي ولم يسبق لي لقاؤه، لذلك لن أكون في وضع الرد لأنه ليس لديّ أي تفسير أو سبب لهجومه”، ولم تكن الحادثة وليدة صدفتها فالشوالي سبق وأن وصف الشلبي بأحد أبرز أسباب الفتنة لأزمة مصر والجزائر الشهيرة. أهم وأبرز صفات عصام الشوالي، ثقافته الرفيعة، وأخلاقه، مما يمنح لمهنته طابعاً أسمى من مجرّد مواكبة المباريات، بل تكون حزمة من المعلومات والقيم والمتعة وخفة الظل.

15