صفقة قذرة
قراءة أولى:
- الأمن العام اللبناني يوقف الفنانة أصالة نصري في مطار بيروت الدولي. خبر رجّع صداه فورا الكثيرون على صفحات التواصل الاجتماعي، نقلا عن تلفزيون الجديد اللبناني ومصادر إعلامية أخرى.
قال الخبر إن توقيف الفنانة أصالة (ومصادرة جواز سفرها) جاء بناء على مذكرة صادرة عن الانتربول، ليتبين لاحقا أن هذا التوقيف جاء بناء على دعوى رفعها النظام السوري بحق الفنانة بسبب معارضتها المعلنة له وتأييدها الصريح للثورة.
- الجيش اللبناني يداهم مخيمات النازحين السوريين في عرسال وينكل بهم ويحرق المخيم.
تناقلت وسائل الإعلام الإلكترونية على الفور صور النازحين السوريين في حال من الرعب والإذلال حيث قُيد الرجال وألقوا على وجوههم على الأرض في جوار شاحنات الجيش اللبناني وجمع الأطفال والنساء في أمكنة محددة ثم أضرمت النيران في المخيم.
وكان وزير التربية والتعليم العالي في الحكومة اللبنانية إلياس أبو صعب قد عمّم على مدراء المدارس قرارا يحرم الأطفال والطلاب السوريين من ارتياد المدارس الرسمية تحت طائلة العقوبات التأديبية!
وبعد أن كان وصول المصابين السوريين عبر الحدود إلى مستشفيات البقاع أمرا معتادا منع دخول أي سوري مهما كانت حالته، ومن يعبر الحدود يُلقَى القبض عليه ويزج به في المعتقلات. ما الذي يجري؟
بعض القضايا التي تبدو منفصلة يمكن أن تجيب عن هذا السؤال:
يركز الإعلام على ضرورة عقد جلسة تشريعية لبحث وإقرار سلسلة الرتب والرواتب، في حين أن تمديد ولاية مجلس النواب هو الموضوع الأساسي الذي يراد له أن يُمرر، ويكون تمرير السلسلة غطاء لهذا التمديد.
شغور منصب الرئاسة وعدم وجود مرشحين فعليين لهذا المنصب سوى قائد الجيش.
الخسائر التي تعرض لها حزب الله في الأشهر الأخيرة في سوريا، وارتباكه حيال التحالف الدولي وضرباته هناك، وحيال موقف نظام بشار الأسد الذي أعلن ترحيبه.
قراءة ثانية:
استفاد حزب الله من الفراغ الحكومي والارتباك المؤسساتي على مدى عشرة أشهر بعد استقالة حكومة نجيب ميقاتي في 21 مارس 2013 فأكد خرقه لبيان بعبدا وتمادى في زج قواته وآلاف من الشباب اللبناني في حرب النظام الأسدي على الشعب السوري، تحت شعارات مقاوماتية- طائفية بداية، ثم طائفية بحتة لاحقا، عززها توافد الآلاف من رجال المليشيات الشيعية من العراق. وما أن شارفت ولاية الرئيس ميشال سليمان على النهاية حتى سهل حزب الله وحلفاؤه تشكيل حكومة تمام سلام، ليدخل البلاد بعدها في فراغ رئاسي غير مسبوق بانتظار جلاء صورة الوضع الإقليمي الذي يزداد تعقيدا.
غير أن خسائر فادحة أصابت قوات حزب الله في سوريا، فكان زج الجيش اللبناني في معارك مع بعض المجموعات السورية المسلحة في عرسال مدخلا لابتزاز العماد جان قهوجي واستدراجه كـ”مرشح وسطي” لرئاسة الجمهورية. وجاء اختطاف العسكريين وقتل اثنين منهم من قبل تلك المجموعات المخترقة، شماعة إضافية لإطلاق حملة تحريض عنصرية واسعة استُغِل فيها الحليف المسيحي لحزب الله الموعود بالرئاسة.
النتيجة: ترتفع وتيرة التحريض العنصري ضد السوريين لتحل محل التحريض المذهبي، فيكون الجيش اللبناني، “المؤسسة التي توحد جميع اللبنانيين” أداة في جذب اللبنانيين إلى حملة كراهية تتيح تمرير الكثير من الجرائم ضد السوريين، ليس أقلها حرمان أطفالهم النازحين من عامهم الدراسي.
وهكذا تتمكن أصابع حزب الله من التسلل إلى مختلف أجهزة الدولة السيادية والعسكرية والأمنية والتربوية مستغلة التيار العوني وعنصريته من جهة، وقائد الجيش وشهوته للسلطة من جهة ثانية، ومصالح مافيات السلطة وأطماعها من جهة ثالثة.
تظهر الأحداث أن ائتلاف مافيات السلطة سلم الملف السوري كاملا لحزب الله يوظفه لمصالحه ومصالح مركز الهيمنة التابع له في طهران، على أمل تلبية حاجة هذا الائتلاف إلى إعادة إنتاج نظام سيطرته بالتمديد لمجلسه النيابي، في صفقة قذرة تتم على حساب المؤسسة العسكرية وأمن اللبنانيين ووحدتهم وكرامة اللاجئين السوريين. فهل تكون هذه الخطوة مقدمة لاستفراد حزب الله وحلفائه سياسيا بالساحة اللبنانية؟ ومتى يقرر حزب الله تكرار تجربة الحوثيين في لبنان؟
كاتب لبناني