حزب الله ونغمة حماية المسيحيين

الجمعة 2014/09/26

من عاش في السبعينات من القرن الماضي، وقدر له أن يكون شاهدا على التحضيرات التي سبقت الحرب اللبنانية، سوف يدرك سريعا التشابه بين تلك المرحلة، وما نشاهده اليوم، أو نقرأه في الجرائد.

فمن تسنى له قراءة الصفحة الأولى، “في العدد رقم 2396 من جريدة الأخبار اللبنانية”، تحت عنوان “مسيحيو لبنان خل السلاح صاحي”، يمكنه ببساطة أن يكوّن صورة دقيقة عن ما تعيشه العاصمة اللبنانية من أحداث مفتوحة على شتى الاحتمالات.

والجريدة التي تعتبر “الناطق الورقي” لحزب الله وتسريباته الإعلامية، تلقفت سريعاَ دعوة قائد الحزب “بالأنفتاح والحوار مع الآخر”، والآخر بالطبع هنا، هم “مسيحيو لبنان”، فقامت كوادره السياسية بزيارات مكثفة لجميع الكنائس المسيحية، وعلى رأسها البطريرك الراعي رأس الكنيسة المارونية وعنوان اعتدالها، مما وصل بالبعض إلى الترويج للقاء محتمل بين “البطريرك الراعي وزعيم حزب الله”.

– مسيحيو البقاع الشمالي: رقبتنا في رقبة حزب الله.

– أبناء قرى البقاع: إلى السلاح در.

– الكسروانيون خائفون: “داعش” تطوقنا.

– في شرق صيدا “زيتوا البواريد”: اتكالنا عـــلى الله و”حزبه”

– “إخواننا الشيعة” يخففون قلق بسكنتا.

عناوين كثيرة، والمطلوب “مسيحيو لبنان”.

لقد عمل حزب الله دائما، ضمن منظومة “النظام السوري” التي تقول بمنطق الترهيب والترغيب، وضمن مفاهيم الفكر الاستعماري في “فرق تسد”، وضمن مفاهيم الإستراتيجية الإسرائيلية التي خدعت المسيحيين ذات يوم وأدت بهم إلى خارج محيطهم وبيئتهم.

نحن أمام اللعبة نفسها التي وضع النظام السوري قواعدها في السبعينات، تحت شعار “حماية المسيحيين” في بداية الحرب اللبنانية، وما تخللها من حروب “فرعية” طالت جميع القوى بمختلف طوائفها، ليستقر النظام السوري على خياره الأخير، بدعم الشيعة وتسليحهم، وتحقيق المكاسب لهم على حساب التوازن مع الطوائف “الشريكة في الوطن”.

وتحت مظلة هذا الشعار استطاع النظام السوري البقاء في لبنان لأكثر من ربع قرن، دمر خلالها بنية الدولة الديمقراطية، لتولد دولة “الممانعة” التي أخلت بميزان التعايش، وكرست حزب الله “سيدا” على رأس الدولة.

ما يقدمه الحزب اليوم من سلاح وعباءات الحماية لرقاب المسيحيين في لبنان، والتشكيك بمستقبل وجودهم، يندرج ضمن “قواعد لعبة النظام السوري” خلال الثورة في علاقته مع الأقليات وافتعال معارك متاخمة لمدنهم وقراهم، كي يبدو النظام وكأنه الحامي لهذه الأقليات.

أمام شعارات الحزب “العلمانية” التي تقتصر فقط على حماية “مسيحيي لبنان”، من خلال طرح السلاح بين أيديهم “مجانا”، وبصورة عشوائية، كيف تنظر القيادات المسيحية إلى هذا الأمر؟.

التيار الوطني الحر يعتقد أن ظهره محمي بتحالفه مع الحزب، وهو يتسلم “السلاح المقدس″ للزينة فقط! لكن في الحقيقة فإن البلديات التي يسيطر عليها التيار الوطني في منطقة جزين وقراها، ترعى التدريب والتسليح من خلال بعض الضباط المتقاعدين في التيار، ومراقبة النازحين السوريين، ورصد تحركاتهم.

أما حزب القوات اللبنانية، فلطالما أعلن قائده سمير جعجع، أنهم ليسوا بحاجة إلى السلاح وأن الجيش اللبناني هو من يحمي مناطقهم. وحول ما يجري في بعض القرى وتسليح شبانها من قبل بعض القوى السياسية بذريعة الدفاع عن أنفسهم وما يشاع عن بداية أمن ذاتي.

قال جعجع لصحيفة القبس الكويتية: “ما يجري في هذه القرى هو مجرد عملية استعراضية داخلية}.

وعزا جعجع “خطوة توزيع السلاح على الشباب المسيحي إلى نيّة الموزعين أن يُستخدم هذا السلاح في أي إشكال بسيط يقع في أية قرية، وبالتالي ما يحصل تحت شعار حماية المسيحيين هو كناية عن لعبة داخلية تؤدي إلى المزيد من الاهتراء ″.

أما قائد الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط فأكد أن “لا سقف يعلو فوق سقف الدولة ولا جيش يحمينا إلا الجيش اللبناني”. وإزاء هذه المواقف، وما يجري على الأرض، هل يمكننا أن نقول إن الوضع في لبنان سيىء؟.

حزب الله تجرع الجزء الأول من الكأس المسيحية المقدسة عبر تحالفه مع ميشال عون، ولكن ما يفيض به الجزء الأخير من الكأس يبدو أكثر صعوبة في أن تهضمه “معدة” الحزب المتخمة بتورطه في الداخل السوري، أما محاولته إنشاء فصائل مسيحية على غرار “سرايا المقاومة”، فستقود لبنان إلى مواجهات بين ناسه، ولن نعرف إلى من ستوجه البنادق في ذلك الوقت.

4