بين حرب إيران وإسرائيل.. المخابرات الجزائرية تشن حملتها الخاصة على المغرب

هجوم إسرائيل على إيران، وما أنتجه من حرب عنيفة، ومفتوحة على التوسع وعلى تداعيات جيوستراتيجية تقلق العالم، حرب هي اليوم مشغلة مخابرات الدول لتتبع مجرياتها والكشف عن أسرارها وقراءة مآلها، إلا مخابرات الجزائر، لها اشتغال مركزي لا تحيد عنه، حتى والعالم محموم بحرب إسرائيل ضد إيران.. مخابرات الجزائر لا يشغلها أمر عن إظهار عداوتها للمغرب.
شعبة الدعاية في المخابرات الجزائرية خلال الأيام القليلة الماضية أطلقت في إعلامها وعبر ذبابها الإليكتروني حملة ضد المغرب لإقحامه في الحرب رغما عنه وربطه بإسرائيل فيها، عبر ترويج زعم، لا حقيقة له، بأن “المغرب يعلن استعداده لتقديم مساعدات إنسانية لإسرائيل”، كما عنونت جريدة “النهار” الجزائرية، في موقعها يوم الاثنين 16 يونيو – حزيران الجاري.. والعنوان إياه رددته جرائد ومواقع أخرى.
في تفصيل ذلك العنوان أن نائبا أوروبيا سابقا، “علم بذلك الاستعداد ويشكر المغرب عليه”. العنوان قاطع في تأكيده، وفي التفصيل تنسيب لذلك الإدلاء إلى شخصية ذات صفة سابقة ومن حسابها الإلكتروني الشخصي. ويبقى الأهم أن ذلك الزعم لا صدى له خارج أدوات الدعاية الجزائرية. ولا يهمنا أن نعرف صحة التصريح من عدمها، البين لنا أنه، في جميع الحالات، هو تغليف لوشاية استخباراتية مجردة من الحقيقة ولا سياق لها، ومتأصلة في الحقد على المغرب، حتى وأنفاس العالم مشدودة إلى حرب، يفترض أن تشغل مخابرات الجزائر باحتمال تداعياتها على الجزائر نفسها.
المخابرات الجزائرية، أعماها تسرعها عن اختلاق جهة مغربية، سياسية أو إعلامية، أو مصدر إسرائيلي لذلك الزعم. والحال أن إسرائيل لم تعلن للعالم بأنها في حاجة إلى “دعم إنساني”. وهي أصلا لن تحتاج إلى المغرب في أي شكل من الدعم، لأنها مدعومة، في أصلها وفي حالها، اليوم، من دول الغرب وأولها الولايات المتحدة.
في أصل العداء وعلى مدى نصف قرن تزييف للحقائق التاريخية لافتعال نزعة انفصالية في الأقاليم الصحراوية المغربية.. وها قد تبخرت تلك الأباطيل وأضحت واقعية الحق الوطني المغربي مكشوفة للقناعة الدولية
بينما المغرب يخص بدعمه الشعب الفلسطيني ويكاد يكون ذلك يوميا، سياسيا وإنسانيا، كما تشهد على ذلك المبادرات، على طول السنة، لبيت مال القدس، التابع للجنة القدس الإسلامية التي يرأسها وباقتدار الملك محمد السادس عاهل المملكة المغربية. وتوضح ذلك أيضا، دفعات الدعم بالأدوية وبالمواد الغذائية إلى ضحايا حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة، وحرب التجويع التي تشنها سلطات الاحتلال الإسرائيلي على المدنيين الفلسطينيين في القطاع.
الوجهة الأولى “لنشاط” المخابرات الجزائرية هي المغرب، وتراه حيثما صوبت نظرتها. ويزداد تركيزها على المغرب مع الاتساع النوعي والكمي لدول العالم التي تدعم مقترح المغرب للحل السلمي والدائم للنزاع حول الصحراء المغربية. مقترح الحكم الذاتي في الأقاليم الصحراوية المغربية موضوع النزاع، باركته وتتبناه أكثر من 120 دولة، وضمنها ثلاثة دول صاحبة الفيتو في مجلس الأمن الأممي، فضلا عن إسبانيا الدولة المستعمرة السابقة لتلك الأقاليم، وأكثر من عشرين دولة أوروبية ومثل ذلك العدد في أفريقيا والعديد من الدول في أميركا الجنوبية، مع احتساب شبه الإجماع العربي حول الحق الوطني المغربي.
لا تملك الجزائر الحقيقة لكي تهاجم المغرب بها. في أصل العداء، وعلى مدى نصف قرن، تزييف للحقائق التاريخية لافتعال نزعة انفصالية في الأقاليم الصحراوية المغربية.. وها قد تبخرت تلك الأباطيل، وأضحت واقعية الحق الوطني المغربي مكشوفة للقناعة الدولية، لتفقد الجزائر كل مسوغات العداء، وليكتسب المغرب ليس وحسب مصداقية دفاعه عن حقه الوطني، بل وأيضا جاذبيته وفعاليته في التحولات الجيوستراتيجية التي تسري في العالم وفي المناطق العربية، الأفريقية والمتوسطية خاصة. وتواصل القيادة الجزائرية محاولة تمديد الأشواط الإضافية في الوهم الذي سكنها لعقود بتحجيم المغرب وعزله عن امتداده الأفريقي الإنساني والجغرافي.
الإشاعة التي أطلقتها ونفخت فيها دائرة الدعاية في المخابرات الجزائرية حول “احتمال” دعم مغربي لإسرائيل، ولدت بلا حرارة ولم تتجاوز بعض الإعلام الجزائري. ولم تنتج ما كانت تتوخاه من ضجيج في الإعلام العربي المستنكر للعدوانية الإسرائيلية، ولا في الإعلام الغربي الداعم لإسرائيل.. لأنها إشاعة واضحة الفبركة ومكشوفة الاختلاق، ويجوز أن تكون جهة ما، هنا أو هناك، قد توقفت عند تلك الإشاعة، بحسن نية ودافع السؤال وحسب، وبتسرع في ابتلاعها يعسر معه هضمها.
جدية المغرب في التعامل، أسقطت تلك الإشاعة كما أبطلت ما سبقها وتنسف ما سيلحقها.. وما يلحقها يتوقع منه الكثير، مع اشتداد العداء الجزائري المقابل لانتصارات المغرب المتعاظمة.