إيران تحارب لأجل مصالحها، لا لأجلكم

فرص إيران في كسب هذه المواجهة المباشرة مع إسرائيل ضئيلة لا لأن ميزان القوة يميل بالضرورة لصالح تل أبيب بل لأن واشنطن لم تخف نيتها في الالتحاق بالركب.
السبت 2025/06/21
ضحايا تصفية الحسابات

المواجهة التي نشهدها اليوم بين إيران وإسرائيل ليست حدثا مفاجئا، بل هي مسار حتمي في مشهد تتراكم فيه الحسابات، وتضيق فيه هوامش المناورة. بعد السابع من أكتوبر، حين تردّد صوت غزة في كل العواصم، قرأت طهران الرسالة جيدًا، لكنها لم تتسرّع في الرد، لأنها أدركت مبكرا أن المواجهة المباشرة مع إسرائيل تعني ضمنا مواجهة غير مرغوبة مع الولايات المتحدة. لكن لم يعد ممكنا تلافي هذه المواجهة بعد أن عاد ترامب إلى البيت الأبيض، وأصبحت محاولات كسب الوقت في الملف النووي أمرا غير مجد.

في الداخل الإيراني، لا تبدو الحرب اليوم موضوعا للانقسام؛ فالشعور بالعدوان الخارجي أعاد تمتين الجبهة الشعبية، ولو بشكل مؤقّت، وغطّى على موجة السخط الشعبي تجاه الأزمة الاقتصادية المتفاقمة. لكن السؤال الأهم لا يتعلّق بما يحدث الآن، بل بما سيأتي لاحقا: هل ستخرج طهران أقوى أم أكثر عزلة؟ وهل سيكون الاقتصاد الإيراني قادرا على امتصاص التبعات، أم أن الشعب سيدفع الفاتورة وحده؟

المواجهة بين إسرائيل وإيران أصبحت علنية ومباشرة بعد سنوات من تجربة الحرب بالوكالة؛ سنوات من الدعم المالي والعسكري في جنوب لبنان وغزة واليمن، مكّنت إيران من توظيف محورها المقاوم بأقل الأضرار بالنسبة لها، لتتلقى حماس والجهاد الإسلامي أقسى الضربات، في حين كانت طهران منهمكة بالمفاوضات الدبلوماسية في فيينا ومسقط، أو بالأحرى منشغلة بهندسة حرب خارج حدود أراضيها، وموظفة القضية الفلسطينية كوقود لصراعها الأيديولوجي ضد إسرائيل. أما تأثيرها في المشهد اللبناني واليمني والعراقي، فقد كان يُوظف بالدرجة الأولى ضد دول الخليج.

حتى وإن منحت المواجهة الإيرانية – الإسرائيلية حماس شيئا من الوقت لإعادة ترتيب أوراقها، إلا أن ذلك لا يُعدّ نصرًا بحد ذاته، ما دامت هذه المواجهة قد فُرضت في الأصل على إيران

المتغيّر الجديد في هذه المواجهة هو أنها تحمل في طياتها ملامح تحوّل في موازين القوى في الشرق الأوسط برمّته؛ فنجاح إيران في فرض معادلة ردع سيعيد رسم خارطة النفوذ، ويمنح أذرعها في لبنان وفلسطين دفعة معنوية تُعوّض بها بعض الخسائر، إلى أن تتمكن من إعادة بناء نفسها مجددا. لكن فشلها سيكلّف المحور خسارة الرأس، ولن تجد حماس والجهاد الإسلامي من يُنقذ مشروعهما إذا سقط ظهره الإيراني، وسيستحيل على حزب الله أيضا القدرة على التعافي، أو استرجاع زمام الأمور في لبنان.

لكن في الحقيقة، تبدو فرص إيران في كسب هذه المواجهة المباشرة مع إسرائيل ضئيلة، لا لأن ميزان القوة يميل بالضرورة لصالح تل أبيب، بل لأن واشنطن لم تُخفِ نيتها في الالتحاق بالركب، متى ما استشعرت أن “المعركة المصيرية” التي تلوّح بها طهران قد تتجاوز حدود الاستعراض، إلى اشتباك فعلي يهدد أمن الحليف الإسرائيلي.

صحيح أن دخول إيران المباشر في المواجهة يشكّل جبهة تشتيت تضغط على تل أبيب، وهو ما سينعكس بطبيعة الحال على أرض المعركة في قطاع غزة، ويمنح حماس بعضًا من الوقت والقوة، لكن إن توصّل المسار التفاوضي غير المباشر بين إيران وإسرائيل إلى تفاهمات تنهي جولة التصعيد دون أن تشمل هذه التفاهمات ملف حرب غزة، فهنا ستُعيد كل من حركتي حماس والجهاد الإسلامي النظر في رهانهما الكلّي على محورٍ يدير معاركه وفق مصالح لا تتطابق بالضرورة مع أولويات المشهد الفلسطيني.

حتى وإن منحت المواجهة الإيرانية – الإسرائيلية حماس شيئا من الوقت لإعادة ترتيب أوراقها، إلا أن ذلك لا يُعدّ نصرًا بحد ذاته، ما دامت هذه المواجهة قد فُرضت في الأصل على إيران، ولم تندلع من أجل وقف العدوان على القطاع. وما دامت إيران قد وجّهت صواريخها نحو تل أبيب وحيفا، لا من باب الإسناد لغزة، بل عندما تعرّض مشروعها النووي لخطر التدمير، فإن من الضروري أن تجري الفصائل الفلسطينية مراجعة عميقة لتجربتها مع المحور الإيراني، وأن تمتلك جرأة الاعتراف بأنها لم تكن سوى أداة ضمن مشروع لا يرى في فلسطين سوى ساحة لتصفية الحسابات، ووسيلة لتحسين شروط التموضع الإقليمي لطهران في صراعاتها المفتوحة.

8