الصراع الإسرائيلي – الإيراني.. أبعاد سياسية وإستراتيجية

الصراع بين إيران وإسرائيل لا يعد مجرد نزاع ثنائي بل هو أحد تعبيرات الصراع الأكبر على النفوذ في الشرق الأوسط بين قوى تسعى للهيمنة وأخرى تدعي المقاومة.
السبت 2025/06/21
صراع مفتوح على جميع الاحتمالات

يشكّل الصراع بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وإسرائيل أحد أبرز ملامح التوتر في منطقة الشرق الأوسط، لما يحمله من أبعاد أيديولوجية وسياسية وعسكرية وإستراتيجية متشابكة. وهو صراع لا يقتصر على المواجهة المباشرة، بل يتجلّى في حروب بالوكالة، وعمليات استخباراتية، وضربات عسكرية محدودة، وسجال سياسي دائم يمتد تأثيره إلى الإقليم والعالم.

وتعود جذور هذا الصراع إلى ما بعد الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، حيث تبنّت طهران موقفا عدائيا صريحا من إسرائيل، معتبرة إياها كيانا مغتصبا لفلسطين ومهدِّدا للأمن الإسلامي والعربي. في المقابل، ترى إسرائيل في إيران تهديدا وجوديا، لاسيّما بعد توسّع نفوذها الإقليمي عبر حلفائها في المنطقة.

ويتمثل الصراع الدائر في بُعده الأمني والعسكري؛ إذ يتخذ طابعا غير مباشر في معظم الأحيان، حيث توجه إسرائيل ضربات جوية إلى مواقع إيرانية أو تابعة لحلفائها في سوريا، بهدف تقليص نفوذ طهران قرب حدودها. كما تتهم إيران بدعم فصائل المقاومة في غزة، مما يؤدي إلى ردود فعل إسرائيلية عسكرية متكرّرة.

هذا الصراع وا يقتصر على طهران وتل أبيب فحسب، بل يشمل أيضا أطرافا دولية وإقليمية كبرى؛ فالولايات المتحدة تدعم إسرائيل في معظم مواقفها، في حين تقيم طهران علاقات إستراتيجية مع روسيا والصين

وقد شهدت السنوات الماضية تصعيدا في مجال الحرب السيبرانية والاغتيالات؛ إذ تبادلت طهران وتل أبيب الهجمات الإلكترونية على البنى التحتية والمؤسسات الحساسة. كما اتُّهمت إسرائيل باغتيال علماء إيرانيين، لاسيما في المجال النووي، مما فاقم حدّة التوتر.

ويُعتبر برنامج إيران النووي أحد أبرز محاور هذا الصراع، إذ تخشى إسرائيل من أن يؤدي امتلاك إيران لسلاح نووي إلى اختلال التوازن الإستراتيجي في المنطقة. لذلك تضغط تل أبيب بقوة على الدول الغربية لمنع إيران من بلوغ هذه المرحلة، حتى وإن تطلّب الأمر تدخّلا عسكريا، وهو ما حدث فعليا عبر الهجوم الجوي الذي شنّته طائرات إسرائيلية على الجمهورية الإسلامية.

ويخوض الطرفان معركة إعلامية شرسة على المستوى الدولي؛ إذ تسعى إيران إلى تصوير إسرائيل كدولة معتدية ومنتهكة للقانون الدولي، بينما تحاول إسرائيل عزل طهران دبلوماسيا وتشويه صورتها أمام المجتمع الدولي بوصفها راعية للإرهاب.

ولا يقتصر هذا الصراع على طهران وتل أبيب فحسب، بل يشمل أيضا أطرافا دولية وإقليمية كبرى؛ فالولايات المتحدة تدعم إسرائيل في معظم مواقفها، في حين تقيم طهران علاقات إستراتيجية مع روسيا والصين. كما أن أي تصعيد عسكري واسع قد يشعل حربا شاملة تمتد إلى لبنان وسوريا والعراق، وربما إلى الخليج، مما قد يهدّد استقرار أسواق الطاقة ويؤثر في الأمن العالمي.

ومن بين السيناريوهات المستقبلية المحتملة: أن يظلّ احتمال المواجهة الشاملة قائمًا، لكنه يظلّ محدودًا بسبب الكلفة العالية للحرب، في ظل توازن ردع نسبي، خصوصا مع تعاظم القدرات الصاروخية الإيرانية. إلا أن استمرار الضربات المحدودة، وحروب الظل، واستهداف المصالح المتبادلة، سيبقى السمة الغالبة في المرحلة المقبلة، ما لم يحدث تغيّر جوهري في التوازنات الإقليمية أو السياسية.

فالصراع بين إيران وإسرائيل لا يُعدّ مجرّد نزاع ثنائي، بل هو أحد تعبيرات الصراع الأكبر على النفوذ في الشرق الأوسط، بين قوى تسعى للهيمنة وأخرى تدّعي المقاومة. ويبقى مستقبل هذا الصراع مفتوحًا على جميع الاحتمالات، رهنًا بالتطورات في الساحة الإقليمية والدولية، ومدى قدرة الأطراف على تجنّب الانفجار الكبير.

8