زوكربيرغ يقود جيشا من الخبراء للولوج إلى المجهول

استكشاف الآفاق والحدود في عصر الذكاء الاصطناعي العام.
الجمعة 2025/06/13
تجاوز حدود ما هو ممكن

في ظل التطورات التقنية المتسارعة التي يشهدها الذكاء الاصطناعي، يتجه قادة التكنولوجيا لاستثمار ضخم في آفاق الذكاء الاصطناعي العام الذي يهدف إلى محاكاة القدرات البشرية الشاملة وتجاوزها. ويقود مارك زوكربيرغ هذا التوجه بمشروع تطوير فريق متخصص، مثيرا تساؤلات حول أثر هذه الثورة على الإنسان والمجتمع.

لندن - تشير تقارير حديثة إلى استمرار نشاط شركة ميتا بقيادة مارك زوكربيرغ في دفع عجلة تطوير الذكاء الاصطناعي، إذ يُستمر في تجنيد خبراء ذكاء اصطناعي من الطراز الأول وتعديل هيكلية مكاتب الشركة لتكون مركزية للفريق الجديد المؤلف من 50 خبيرا، لبناء ما يسمى بـ”الذكاء العام الاصطناعي”، أي الآلات التي يمكنها محاكاة القدرات البشرية أو حتى تجاوزها.

وذكرت وكالة بلومبيرغ أن زوكربيرغ اتخذ هذه الخطوة تزامناً مع استثمار معلن عنه بأكثر من 10 مليارات دولار في شركة سكيل إيه آي، وأنه من المتوقع انضمام ألكسندر وانج، مؤسس الشركة، لفريق “الذكاء العام الاصطناعي” بعد إتمام الصفقة.

ويقول مراقبون أن ميتا اتخذت هذه الخطوة إثر حالة الإحباط التي تعرضت لها جراء أداء واستقبال نموذج “إل.إل.إيه.أم.إيه4″، النموذج اللغوي الكبير الذي طورته. وقد أفادت صحيفة وول ستريت جورنال أن الشركة أرجأت الشهر الماضي إصدار نموذج الذكاء الاصطناعي الرائد “بيهيموث” بسبب المخاوف المتعلقة بقدراته. وكانت الشركات المنافسة مثل شركة أوبن إيه.آي تتطلع أيضاً إلى إجراء تغييرات لاستقطاب المزيد من الاستثمارات في محاولة لتطوير الذكاء العام الاصطناعي.

ويتسع النقاش حول مفهوم الذكاء الاصطناعي العام (AGI) مقارنةً بالذكاء الاصطناعي المتخصص أو الضيق (narrow AI) وتسعى الشركات لتحقيق السبق في تطوير الذكاء الاصطناعي العام باعتباره النظام الذي يمتلك القدرة على أداء مجموعة واسعة من المهام، تماماً كما يفعل الإنسان، بل وقد يتجاوزه في بعض الأحيان. وبينما يركّز الذكاء الاصطناعي الضيق على مهام محددة مثل تحليل الصور أو ترجمة النصوص، فإن الذكاء العام يسعى إلى تحقيق فهم وإدراك شمولي، مما يفتح آفاقاً واسعة للتطبيق في مختلف المجالات.

من الآلات إلى الإنسان: نظرة شاملة على الذكاء الاصطناعي العام وتأثيره على الحياة
من الآلات إلى الإنسان: نظرة شاملة على الذكاء الاصطناعي العام وتأثيره على الحياة

من الناحية المجتمعية، يُعد تطوير الذكاء العام خطوة جريئة قد تُحدث تحولاً جذرياً؛ إذ يمكن أن يؤثر على سوق العمل، التعليم، والرعاية الصحية بشكل لم يسبقه إلا التطور التكنولوجي السابق. ففي حين أن الأنظمة المتخصصة قد تساعد في تحسين الكفاءة في مجالات محددة، فإن الذكاء العام قادر على الابتكار وحل المشكلات المعقدة التي تتطلب تفكيراً متعدد الأبعاد. ومع ذلك، تبرز تحديات كبيرة تتعلق بالأخلاقيات، الخصوصية، وتوزيع الفوائد؛ إذ يخشى البعض من أن يؤدي تجاوز قدرات الإنسان في بعض المجالات إلى تفاقم الفوارق الاجتماعية والاقتصادية، كما أنه قد يضع الإنسان في موقف تنافسي يصعب مقاومته إذا لم يتم وضع إطار تنظيمي صارم يضمن بقاء الإنسان في قلب التطور التكنولوجي.

إن فتح النقاش حول الفرق بين الذكاء الاصطناعي العام والذكاء الاصطناعي المتخصص ليس مجرد مسألة تقنية، بل هو نقاش فلسفي واجتماعي عميق. فبينما يحمل الذكاء العام وعوداً بتحقيق تقدم كبير في مختلف المجالات، تبرز الحاجة الملحة لوضع إستراتيجيات تضمن استفادة المجتمعات من هذه التقنيات دون أن تُستبدل قدرات الإنسان المبتكرة والروح الإبداعية، وهما الركيزتان الأساسيتان للحضارة والتقدم.

وفي هذا السياق، يعتبر استثمار زوكربيرغ في الذكاء العام الاصطناعي خطوة هامة نحو تجاوز حدود ما هو ممكن، ولكنها تذكّرنا أيضاً بأن التكنولوجيا يجب أن تخدم الإنسان وتساعده على تحسين جودة حياته، لا أن تُستبدل محطات التفكير والإبداع البشري.

بذلك، يكمن التحدي في كيفية تحقيق التوازن بين الاستفادة من الإمكانيات الهائلة للذكاء الاصطناعي العام والحفاظ على دور الإنسان كصانع للرؤية والقصة والمستقبل. وهذا التوازن هو ما سيساهم في رسم مستقبل يضمن ازدهار المجتمعات البشرية مع تبني التطورات التكنولوجية الحديثة، دون التخلي أبداً عن القيم الإنسانية الجوهرية.

12