من قلب الصحراء المغربية.. شكسبير يؤجج على بوليساريو سؤال الوجود

الواقعية السياسية والتي تُعزِّزها الديناميكية الاقتصادية، كما نهَجتها المملكة المغربية، وما أنتجته من زَخَم دولي داعم لها، ما كان لبريطانيا إلا أن تُلاحظه، بل وتسعى للانْخراط فيه.
الأربعاء 2025/06/04
هل تدرك قيادة بوليساريو الفرصَة التاريخية المتاحة أمامَها

عمر هلال، سفير المغرب لدى الأمم المتحدة، قال في بورما يوم 22 مايو الماضي إن 116 دولة تعترف بمقترح الحكم الذاتي حلاًّ وحيدًا، جدِّيا وذا مصداقية لحل نزاع الصحراء المغربية.. ولم يقل السفير، حتى اليوم، خلال الأيام القليلة التي تفصلنا عن ذلك التَّصريح، عدد الدول الداعِمَة لمُقترح الحكم الذاتي زاد كمًّا، والأهم نوعا.

سوريا انحازت للحق المغربي في الحفاظ على وحدة ترابه الوطني، وتدعم مقترح الحكم الذاتي، وهي التي تَجهز لكي يكون لها مَوقع فاعل في الشرق الأوسط، إنها الرقم 117.

رئيسُ وزراءِ ووزيرُ خارجية كينيا حلَّ بالمغرب، الأسبوعَ الماضي، ليقول وبالصورة والصوت إنه مع المغرب جُملةً وتفصيلاً، وإن كينيا ترى في الحكم الذاتي المقترحَ الوحيدَ، الجدِّي والواقعي والمُمكن لحلِّ نزاع الصحراء. وأعقب ذلك افتتاحُ سفارةَ كينيا في الرباط، يوم 26 مايو. كينيا ليست مجرّد الرقم 118 في لائحة الدول التي تدَعم مقترح الحكم الذاتي، هي رقم أفريقي وازن سياسيا واقتصاديا، وانحيازها للحق الوطني المغربي يُفقد الجزائر داعِما أساسيا لسياستها ضد المغرب، ويغني المدَّ السياسي الواقعي الأفريقي، المفيد لأفريقيا والساعي لتقدمها.

◄ الاعتراف البريطاني بالمقترح المغربي لحل نزاع الصحراء المغربية يغذي المدَّ الدولي العارم والداعم لمقترح الحكم الذاتي بفاعلية نوعية أخرى تسرع ديناميكيته وتؤجج في بوليساريو سؤالَ الوُجود

الانحياز للحق الوطني المغربي يتسارع ويتعاظم نوعيا، في ما يشبه سُرعة الأمتار الأخيرة في السِّباقات، والحال أن نزاع الصحراء المغربية في مرحلته الأخيرة. في فاتح يونيو الجاري سيُدوِّي في الفضاء الدبلوماسي الدولي الاعتراف البريطاني بأنه “الأساس الأكثر مصداقية، وقابلية للتطبيق وبراغماتية لتسوية النزاع.” ويُضيف البيان الصادر عن زيارة وزير الدولة البريطاني في الخارجية إلى الرباط، ديفيد لامي، بأن بريطانيا “ستواصل العمَل على الصعيدَيْن الإقليمي والدَّولي، وِفقا لهذا الموقف، من أجل دعم تسوية النزاع.”

بالطبع ليست بريطانيا، مجرد الرقم 119 من لائحة الدول الداعمة لمقترح الحكم الذاتي، موقفها هو مُفاعل “نووي” آخر، سِلمي يكتسبه المقترح المغربي، وبه يسري ويشع في التعاطي الدولي مع نزاع الصحراء. وليس فقط في مجلس الأمن بالأمم المتحدة، ولكن في دائرة الإشعاع الدبلوماسي البريطاني، وهي واسعة، في أفريقيا وفي آسيا.

بريطانيا، عبر وزيرها في الخارجية، أرفقت انحيازها السياسي للمغرب بتطوير علاقاتها الاقتصادية معه، وخاصة في أقاليمه الصحراوية، مع وعدٍ باستثمار أكثر من خمسة مليارات جنيه إسترليني في المشاريع التنموية التي تقع في المنطقة.

كتبتُ، في مقالات سابقة منشورة في “العرب”، وتوقّعت أن تُفصح بريطانيا عن انحيازها للمغرب إسنادًا للحق الوطني، وأن الأمر لا يعدو أن يكون مسألة وقت. الواقعية السياسية والتي تُعزِّزها الديناميكية الاقتصادية، كما نهَجتها المملكة المغربية، وما أنتجته من زَخَم دولي داعم لها، ما كان لبريطانيا إلا أن تُلاحظه، بل وتسعى للانْخراط فيه. وهو ما حدا بها إلى أن تَلحق بالولايات المتحدة وفرنسا زميلتيْ بريطانيا في مجلس الأمن. ولعل الوضوح البريطاني يسرِّع من الاستعداد الصيني للتعبير عن انحيازه الصريح للمسعى الوحدوي المغربي، وللصين جاهزية لذلك من ثراء علاقاتها مع المغرب، وأصالة حرصهما على الوحدة الوطنية، وحاجة الصين إلى كسب رهاناتها الجيوستراتيجية في أفريقيا، تقريبا أكثر وأكثر مع المغرب.

ولن يبقى من أعضاء الفيتو في مجلس الأمن سوى روسيا، وهي التي لم توقِف القرارات السابقة لمجلس الأمن المكتوبة من مِحبَرَة الحكم الذاتي. ويُقرّبها مع المغرب الاحترام المتبادل وتُعمِّقه المصالح التجارية المتراكمة، بينما تبايُن المصالح الإستراتيجية، في ليبيا وفي الساحل، يباعدها مع الجزائر، فضلا عن محدودية وَزن الجزائر في التحوُّلات الجيوستراتيجية الجارية.. وحِدَّة حرب روسيا مع الحلف الأطلسي في أوكرانيا، تقودها إلى تفضيل الإسهام في إخماد توتُّر نزاع الصحراء. والمغرب فتح لذلك مسارا ملكيا بمقترح الحكم الذاتي. ولن تتأخر روسيا عن الانضمام لمدِّ العقل والصواب والممكن في شمال أفريقيا.

◄ رئيسُ وزراءِ ووزيرُ خارجية كينيا حلَّ بالمغرب، الأسبوعَ الماضي، ليقول وبالصورة والصوت إنه مع المغرب جُملةً وتفصيلاً، وإن كينيا ترى في الحكم الذاتي المقترحَ الوحيدَ، الجدِّي والواقعي والمُمكن لحلِّ نزاع الصحراء

وزارة الخارجية الجزائرية سارعت إلى التعبير عن “أسفها” من الموقف البريطاني، كما فعلت سابقا مع التصريح الأميركي بمغربية الصحراء، وعلى خلاف حدة غضبها من إسبانيا ومن فرنسا لنفس السبب.. مع بريطانيا لا تملك غير “الأسف”. ليس لها مَعها نفس الاشتباكات في العلاقات التي لها مع إسبانيا ومع فرنسا.

بيان الخارجية الجزائرية سعي للتقليل من وضوح الاعتراف البريطاني، وهو تخفيفٌ لتحمُّل رجَّة الموقف البريطاني لها… قيادة الجزائر تعرف بأن دَعم مُقترح الحكم الذاتي هو اعترافٌ بالسيادة المغربية على أقاليمه الصحراوية، وتقول في بيان الخارجية غير ذلك. ونفس القيادة تعلم بأن بريطانيا “ذاهبة إلى الصحراء المغربية للاستثمار فيها والانخراط في عرضها التنموي الشامل والواعد،” وتقول في بيان الخارجية غير ذلك. كما أن الجزائر تعرف بأن الحكم الذاتي أحد الأجوبة الواقعية على “تقرير المصير”، ومعمولٌ به وناجحٌ في عدّة بلدان عبر العالم، وتتجاهل ذلك، كما أن المغربَ في الأصل ودائما كرّر بأن مُقترح الحكم الذاتي هو أرضية للتفاوُض، له ملامح وعناوين، وبالمفاوضات على قاعدة السيادة المغربية، يتشكل ويتوضّح بالتفصيل. وذلك ما أقنَع هذا العالَم وهذه الدول التي تراه اليوم صائبا وسديدًا ومشروعًا جديا وحيدا. إنما هل تملك الجزائر غير المناورة في قضية هي من افتعلتها أصلاً ونفخت فيها على مدى نصف قرن.. وفقد النفس اليوم حرارته، وانقشعت أمام العالم الغمامة.

الاعتراف البريطاني بالمقترح المغربي لحل نزاع الصحراء المغربية يغذي المدَّ الدولي العارم والداعم لمقترح الحكم الذاتي بفاعلية نوعية أخرى، تسرع ديناميكيته وتؤجج في بوليساريو وحواليْها سؤالَ الوُجود. المجتمع الدولي يُصرح بنهاية الوهم الانفصالي الذي أنتجته الجزائر لحساب وهم تحجيم المغرب.. وبوليساريو التي وُظِّفَت في هذا الوهم أمامها اليومَ أن تلج إلى الكيْنونَة المغربية، فاعلة في تضاريسها السياسية والاجتماعية، ومُتفاعلةً داخل الحراك الديمقراطي المَغربي، تغتني به وتُغنيه…

قيادة الجزائر ستواصل موقفها، لحساباتها الخاصة، وهو عنادٌ لن يَطول، وهي خاسرةٌ فيه. وستكون بوليساريو في اختبار قدرة قيادتها على إدراك الفرصَة التاريخية التي أمامَها، أن تتجاوب مع نداء التاريخ وتتحوَّل من أجير لدى الجزائر إلى فاعلٍ، كريمٍ، في وطن مَغربي، رحْب، مُفعم بالحيوية ومشدود إلى المستقبل.

 

اقرأ أيضا:

       • المغرب يرفض تحريفا سياسيا في تقرير للأمم المتحدة بخصوص الصحراء

9