نقابة الصيادلة تدق ناقوس الخطر من السوق السوداء

انتهت المهلة التي حددتها هيئة الدواء المصرية لسحب الأدوية منتهية الصلاحية دون تحقيق النتائج المرجوة، بسبب عوائق تقنية وضعف الرقابة، ما دفع نقابة الصيادلة إلى المطالبة بتمديد المهلة لثلاثة أشهر إضافية، في محاولة لتفادي تسرب هذه الأدوية إلى السوق السوداء، وهو ما يشكل خطرًا مباشرًا على صحة المواطنين ويزيد من احتمالات انتشار الأدوية المغشوشة.
القاهرة - انتهت المهلة التي حددتها هيئة الدواء المصرية (حكومية) للتخلص من الأدوية منتهية الصلاحية في الصيدليات بنهاية مايو دون أن يتحقق الهدف، وتشير الأرقام إلى أن ربع حجم الأدوية التي كان من المفترض إعدامها تم تسليمه لشركات التوزيع والإنتاج بسبب مشكلات تقنية وعدم وجود أدوات رقابية تضمن تسلم الأدوية، ما يؤرق مصريين يخشون من انتشار تجارة بيع الدواء خارج الصيدليات، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى أرصفة الشوارع في بعض المناطق الشعبية.
وطالبت شعبة الصيدليات باتحاد الغرف التجارية ونقابة الصيادلة في القاهرة مد فترة سحب الأدوية منتهية الصلاحية ثلاثة أشهر إضافية، تبدأ من يونيو، لمنح الصيدليات وموزعي الأدوية فترة سماح لاستكمال الإجراءات وملء البيانات المطلوبة بما يساهم في منح فرصة إضافية لتسلم الأدوية ويقود إلى غلق هذا الملف.
ومنذ العام 2017، لم تكن هناك مبادرات حكومية لسحب الأدوية منتهية الصلاحية، وآخر مبادرة لم تنفذ بالشكل المطلوب، وهو ما أكدته نقابة الصيادلة، مما راكم وجود الأدوية التي تتحول إلى مادة سامة، وتهدد سلامة المواطنين.
وتشكل الأدوية منتهية الصلاحية نسبة تتراوح بين 1 إلى 2 في المئة من إجمالي تجارة الأدوية في مصر وتصل قيمتها إلى 300 مليار جنيه (الدولار= 50 جنيها)، ووفقا لأرقام المركز المصري للحق في الدواء، تقدر قيمة هذه الأدوية بـ2 مليار جنيه.
أزمة الصيدليات
تهدف هيئة الدواء المصرية من مبادراتها الأخيرة سحب 3.4 مليون عبوة من الأدوية منتهية الصلاحية، غير أن إحصاءاتها الرسمية حتى نهاية المدة تشير إلى وجود أكثر من مليون ونصف المليون عبوة دواء منتهية الصلاحية في الأسواق، فيما تشير تقديرات مركز الحق في الدواء إلى أن الهيئة لم تستطع سوى سحب 25 في المئة من الأدوية منتهية الصلاحية في الأسواق والتي تقدرها بأكثر من 5 ملايين صنف دواء.
وتعاني مصر من أزمة تتعلق بوضعية الصيدليات التي يبلغ عددها أكثر من 82 ألف صيدلية، إذ أن ما يقرب من 15 ألف صيدلية لا يديرها خريجو كليات الصيدلة، إذ يتجه بعض الخريجين إلى بيع اسمهم للحصول على ترخيص من دون أن تكون لهم علاقة بالإدارة، ما دفع البرلمان المصري مؤخراً إلى إدخال تعديلات على قانون مزاولة مهنة الصيدلة.
واشترطت التعديلات التي أدخلها البرلمان في شهر مايو على من يحصل على ترخيص مزاولة مهنة الصيدلة أن يجتاز طالب الترخيص الاختبار الذي يعقده المجلس الصحي المصري للتأهيل لمزاولة مهنة الصيدلة، ويدير كل مؤسسة/ صيدلية، صيدلي أمضى سنة على الأقل في مزاولة المهنة في مؤسسة صيدلية حكومية أو أهلية بعد إتمامه التدريب الإجباري.
تعقيدات تقنية
قال عضو مجلس نقابة الصيادلة ثروت حجاج إن مبادرة هيئة الدواء واجهت مشكلات أثناء تنفيذها الفترة الماضية، في مقدمتها التعقيدات التقنية، وكان من المفترض أن تقوم الصيدليات بتسجيل الأصناف المنتهية لديها على منصة جرت إتاحتها، لكن مع وجود كميات كبيرة كانت عملية التسجيل صعبة ومرهقة للكثير من الصيدليات، كما أن شركات التوزيع التي من المفترض أن تُرسل مندوبيها لسحب هذه الأدوية رفضت الاعتراف بمسؤوليتها عن سحب بعض الأصناف، وتم تسجيل 30 في المئة من الأدوية وسحب 10 في المئة منها فعليا.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن شركات التوزيع لم تكشف أسباب رفضها للكثير من الأصناف، ودائما ما تكون الحجة عدم وجود فواتير، ولأنه لا يوجد إلزام لها بتسلم الأدوية منتهية الصلاحية ولا تبدي اهتماما بالأمر، ما جعل الصيدليات أمام نفس المشكلة التي تتعلق بوجود كميات كبيرة من الأدوية منتهية الصلاحية لا تعرف كيف تتصرف فيها، ورغم الاستجابة لتسهيل عملية تسجيل الأصناف، ظلت الأزمة في عدم سحبها فعليا.
ولفت إلى أن قرار هيئة الدواء لم يشمل ألبان الأطفال والمكملات الغذائية، وهي منتجات منتشرة وتشكل تقريبا 40 في المئة من سوق الصيدليات، بحجة أن هذه الأصناف تتبع هيئة الغذاء، وباتت هذه الأصناف موجودة في الأسواق رغم انتهاء صلاحيتها، ما يشكل خسارة فادحة للصيدليات، في حين أن التفتيش الصحي يتضمن هذه الأصناف، وقد تقع تحت طائلة العقوبة حال ثبت تداولها عبر الصيدلية.
وذكر أن الأزمة تكمن في المستقبل إذا لم تحقق خطوات سحب الأدوية منتهية الصلاحية نتائجها، ستكون أمام سوق أكبر لتداول الأدوية المغشوشة، وتتراكم الخسائر على صيدليات لديها منتجات دوائية باهظة، وقد يكون مد مهلة سحب الأدوية مطلبا إيجابيا مع ضرورة ضمان سحب جميع الكميات خلال الأشهر المقبلة.
دليل تنظيمي
أطلقت هيئة الدواء في سبتمبر الماضي مبادرة للتخلص من الأدوية منتهية الصلاحية، بالشراكة مع المصنعين والموزعين والصيدليات، لم تدخل حيز التنفيذ إلا في بداية مارس الماضي، عندما أصدرت هيئة الدواء قرارًا نشرته جريدة الوقائع المصرية الرسمية يلزم الشركات العاملة في سوق الدواء أن تقبل من الصيدليات والمخازن والمستودعات، مرتجعات الأدوية منتهية الصلاحية التي أنتجتها أو تلك التي استوردتها وبأصغر وحدات الإنتاج خلال 90 يومًا.
ونشرت هيئة الدواء في الشهر نفسه على موقعها الرسمي الدليل التنظيمي لقرار سحب الأدوية منتهية الصلاحية من السوق، وتتم عملية سحب الأدوية منتهية الصلاحية من خلال منصة إلكترونية مخصصة بالتنسيق مع شركات التوزيع والصيدليات، لضمان تنفيذ المبادرة بكفاءة وشفافية، وتهدف هذه الآلية إلى تحقيق أعلى درجات الحوكمة في القطاع الدوائي وحماية صحة المواطنين.
وأكد رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية في مصر علي عوف أن حجم الأدوية منتهية الصلاحية في السوق المصري كبير للغاية بعد أن ظلت الصيدليات لمدة ثمان سنوات بلا تحرك لسحب ما يتوفر لديها من منتجات ليست صالحة للاستخدام، بالتالي فالمهلة المحددة من هيئة الدواء غير كافية للتعامل مع السوق الكبير، كما أن آلية السحب الرقمية جديدة على غالبية الصيدليات التي تعمل بنظم إدارية قديمة، في حين المتبع سابقا أن يجهز الصيدلي الأدوية المنتهية وتقوم شركات التوزيع بسحبها.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن مصر بها ست شركات توزيع فقط على مستوى جميع المحافظات، وهو رقم ضئيل للغاية، فيما تتولى المخازن الصغيرة عملية توصيل الأدوية وعددها 1500 مخزن وكان يجب أن يكون هؤلاء ضمن المبادرة لتسهيل عملية سرعة السحب، وللأزمة الحالية تأثيرات سلبية على صحة المواطنين إذ أن الأدوية يتم تهريبها وبيعها بأسعار زهيدة إلى مجهولين يقومون ببيعها على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بأسعار مخفضة، ويقبل عليها البعض نتيجة الاحتياج المادي، كما أنها تهدد اقتصاديات الصيدليات.
وشدد على أن التساهل في التعامل مع الأدوية المغشوشة ساهم في إنعاش تجارة الأدوية منتهية الصلاحية، على الأرصفة ومواقع التواصل الاجتماعي، والحل في سحب جميع الأدوية بلا اشتراطات من شركات الإنتاج والتوزيع من الصيدليات، على أن تكون هناك أدوار أكثر إيجابية لجهات حكومية لتعويض الصيدليات.
صعوبة في السيطرة
وأوضحت هيئة الدواء المصرية، في بيان لها، أن مشكلة ضبط تلك الأدوية غير المرخصة تكمن في كثرة الممارسات، وصعوبة السيطرة على جميع المنافذ التي تروج لهذه المنتجات، كما أن ضعف الوعي المجتمعي يساهم في تفاقم الظاهرة.
وتوجد نحو 50 قناة فضائية تبث من أماكن غير رسمية، مثل المنازل والمقاهي، تروج لهذه المنتجات، وتستضيف أطباء يدفعون مقابل ماديا للظهور الإعلامي لخداع المواطنين والترويج لأدوية غير مسجلة، كما أعلنت في 30 يناير الماضي استقبالها 445 بلاغاً عن أدوية مجهولة المصدر أو غير معتمدة.
وأشار قرار هيئة موقف الشركات الممتنعة عن سحب الأدوية منتهية الصلاحية إلى إحالة أمرها على وجه السرعة لرئيس الإدارة المركزية للعمليات، بموجب تقرير مسبب من الموزعين مبينا به أسباب الامتناع ومبررات الشركة حتى يتسنى اتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة.
وقال رئيس المركز المصري للحق في الدواء محمود فؤاد لـ”العرب” إن توقيع العقوبات على الجهات التي تمتنع عن تسليم الأدوية والشركات التي تتلكأ في سحبها أمر ضروري لإنهاء عملية “غسيل السوق” التي تقوم بها هيئة الدواء منذ ثلاثة أشهر، وهناك حاجة ملحة لترخيص آلاف المخازن الصغيرة التي تتعامل مع الصيدليات وتقوم بمهام شركات التوزيع، وهي تشكل الجزء الأكبر من الأزمة مع انتشار ما يعرف بمتعهدي جمع الأدوية منتهية الصلاحية الذين يقومون ببيعها في السوق السوداء ثم تصل مرة أخرى إلى المواطنين عبر إعلانات صفحات بيع الدواء بأسعار مخفضة على مواقع التواصل الاجتماعي.
ويعود توالي إعلان وقوع حالات وفاة عقب تناول عقاقير بعينها إلى أنها مغشوشة أو منتهية الصلاحية، وما يحدث أن المركبات الدوائية تحصل لها عملية تكسير لتتحول إلى تركيبات دوائية أخرى بعد انتهاء صلاحيتها، بما لا تتماشى مع طبيعة الجسم، وثمة قصور في إجراء دراسات على الأدوية للتأكد من أنها آمنة للاستخدام من عدمه.