على درب العمالقة.. التونسي معين الشعباني يخطّ مسيرة تدريبية استثنائية

حلم الثلاثية القارية التاريخية.. على بُعد خطوة واحدة.
الأحد 2025/06/01
دخول التاريخ من أوسع أبوابه

توّج المدرب التونسي الشاب معين الشعباني نجاحه في قيادة فريقه نهضة بركان المغربي للفوز بكأس الاتحاد الأفريقي لكرة القدم، ما جعله تحت الأنظار ومحل متابعة كبيرة من عدة فرق عربية وتحديدا خليجية للتعاقد معه، إلا أن آخر المعطيات تؤكد حسم الشعباني موقفه بالاتفاق مع مسؤولي الفريق المغربي على مواصلة المشوار مع الفريق البركاني الذي ينتظره تحد جديد الموسم المقبل من بوابة كأس رابطة الأبطال الأفريقية التي سبق للشعباني التتويج بها كمدرب في مناسبتين مع الترجي.

الرباط - نجح المدير الفني التونسي معين الشعباني (43 عاما)، في كتابة التاريخ وحصد الألقاب في مسيرته التدريبية، بعدما تُوّج، بكأس الكونفدرالية الأفريقية لكرة القدم، مع فريقه الحالي، نهضة بركان المغربي، إثر الفوز على سيمبا التنزاني.

وأصبح نهضة بركان في صدارة الفرق المتوجة بلقب البطولة، بالتساوي مع الصفاقسي التونسي، برصيد 3 ألقاب لكل منهما، بينما يأتي خلفهما برصيد هدفين كل من الزمالك المصري والنجم الساحلي التونسي ومازيمبي الكونغولي والرجاء المغربي. وأضاف النهضة اللقب المغربي رقم 8 في البطولة، بعد ثلاثيته وثنائية الرجاء، بجانب لقب واحد لكل من الفتح الرباطي والجيش الملكي والمغرب الفاسي، ليوسع الفارق مع أندية تونس لتي حققت 5 ألقاب.

وأسهمت عدة عوامل في تتويج الفريق البركاني بلقبه الأفريقي، الثالث في تاريخه، بعد نسختي 2020 و2022 على حساب فريقي بيراميدز المصري وأورلاندو بيراتس الجنوب أفريقي تواليا، ولعل أبرزها روح المجموعة وكفاءة المدرب معين الشعباني وردة الفعل الإيجابية التي أبداها اللاعبون، وخاصة في الشوط الثاني.

وأثبت نهضة بركان قدرة ذهنية غير مسبوقة في نهائي الإياب ضد سيمبا التنزاني، بعدما قلب تأخره بهدف نظيف في الشوط الأول إلى تعادل قاتل في الوقت بدل الضائع أحرزه المالي سومايلا سيديبي. ومما لا شك فيه، أن القوة الذهنية كانت سلاحا حاسما في الحفاظ على التركيز وعدم التسرع في اللحظات الحاسمة.

وظهر لاعبو الفريق البرتقالي أكثر انضباطا تكتيكيا من منافسيهم. فبعد البداية المتعثرة نجح زملاء القائد البوركينابي، يوسوفو دايو، في فرض إيقاع لعبهم من خلال التحكم بوسط الملعب وتحصين الدفاع، مع القيام بالهجمات الخاطفة بين الفينة والأخرى، دون نسيان الدور الكبير الذي لعبه الرباعي، الحارس منير المحمدي والمدافعان لامين كامارا ويوسوفو دايو، ولاعب خط وسط الملعب ياسين لبحيري.

مفاتيح النجاح

◙ واقعية كبيرة
◙ واقعية كبيرة  

ومن بين مفاتيح التتويج باللقب الأفريقي، صرامة المدرب التونسي معين الشعباني وخبرته، وهو الذي ظل يوجّه لاعبيه من مقاعد البدلاء، قبل أن يملي عليهم تعليمات صارمة بين الشوطين، طالبهم فيها بعدم التراجع إلى الوراء والمبادرة نحو الهجوم واللعب بهدوء والتركيز العالي لتفادي تلقي هدف ثان قد يبعثر كل الأوراق، وهو ما انعكس خلال الشوط الثاني الذي ظهر فيه النادي البرتقالي أكثر فعالية ونضجا. أما العامل الرابع، فتجلى في روح المجموعة التي يلعب بها نهضة بركان في جميع مبارياته، إذ خاض نهائي الإياب ضد سيمبا بعقلية الفريق الواحد، ما عزز الانسجام والتناغم داخل كتيبة المدرب التونسي معين الشعباني.

ولعل اللقب الأفريقي الثالث في ظرف خمس سنوات لم يأتِ عبثاً أو بمحض الصدفة، بل نتيجة عمل جاد وإستراتيجية واضحة المعالم واستقرار فني وإداري والتزام تكتيكي، وأيضاً نضج ذهني واضح، من دون إغفال المساندة المطلقة لجماهير نهضة بركان، التي تحرص على مرافقة ناديها المفضل أينما حل وارتحل، فهذا الدعم الهائل كان له الدور الكبير في تتويج نهضة بركان بعدة ألقاب خلال السنوات القليلة الماضية، آخرها لقب الدوري المحلي وكأس الكونفدرالية الأفريقية، في انتظار المنافسة على لقبي كأس العرش والسوبر الأفريقي.

ويعتبر هذا اللقب هو الثاني لمعين الشعباني في الموسم 2024-2025، بعدما حقق قبل شهرَين إنجازه الأول، الذي تمثّل في التتويج بلقب الدوري المغربي الممتاز، للمرّة الأولى في تاريخ نهضة بركان، الذي يملك الفرصة لحصد تتويج محلي آخر، وهو كأس العرش، إذ سيواجه بركان فريق كوكب مراكش، ضمن منافسات الدور ثمن النهائي من المسابقة.

وأصبح الشعباني أحد أبرز المدربين في القارة السمراء، بعد وصوله إلى اللقب الأفريقي الثالث، خلال السنوات السبع الأخيرة، إذ تُوّج مع فريقه السابق، الترجي التونسي، بدوري الأبطال مرتَين متتاليتَين، عامي 2018 و2019، كما أنه خاض حتى الآن أربعة أدوار نهائية أفريقية، فشل في واحدة منها، كانت في الموسم الماضي، عندما خسر نهائي كأس الكونفدرالية أمام الزمالك المصري. وباحتساب الألقاب الثلاثة الأفريقية، والدوري المغربي مع نهضة بركان، فإن المدرب التونسي المتألق وصل إلى التتويج التاسع في مسيرته، بعد الفوز مع الترجي كذلك بخمسة ألقاب محلية سابقة، وهي الدوري التونسي ثلاث مرات، وكأس السوبر في مناسبتَين.

نهضة بركان أصبح في صدارة الفرق المتوجة بلقب البطولة، بالتساوي مع الصفاقسي التونسي، برصيد 3 ألقاب لكل منهما
◙ نهضة بركان أصبح في صدارة الفرق المتوجة بلقب البطولة، بالتساوي مع الصفاقسي التونسي، برصيد 3 ألقاب لكل منهما

ويصنّف الشعباني، صاحب الـ43 عاما، مرشّحا بارزا في بلاده، لتهديد عرش المدير الفني المخضرم فوزي البنزرتي (75 عاما)، الذي يعتبر الأكثر تتويجا في الكرة التونسية، بـ23 لقبا في مسيرته، وهو ما يجعل معين أمام فرصة تاريخية لمعادلة هذه الأرقام، في السنوات المقبلة، أو ربّما تحطيم إنجازات “شيخ المدربين التونسيين”، الذي سبق للشعباني أن عمل إلى جانبه مدرباً مساعداً في نادي الترجي، ليرسّخ قاعدة المنافسة بين التلميذ والأستاذ.

نهضة بركان المغربي يتحرّك لحسم مستقبل مدربه الشعباني. وبذلك، أكّد النجم السابق للترجي أنّه المدرب الأفضل بين أبناء جيله في الوقت الحالي، وهو ما يفسّر رغبة الاتحاد التونسي لكرة القدم في التعاقد معه لقيادة منتخب “نسور قرطاج”، مطلع العام الحالي، لكن الشعباني اعتذر عن عدم قبول العرض، احتراما لعقده مع نهضة بركان، ليكسب الرهان في نهاية الأمر، بكتابة اسمه بأحرف من ذهب، في سجلات النادي المغربي.

يخطّ معين الشعباني، المدرب التونسي الطموح، وهو في سن لا يتجاوز 43 سنة، مسيرة استثنائية في عالم التدريب على المستوى القاري، مكتسحا الألقاب ومُرعبا خصومه بخططه التكتيكية الذكية وروحه القتالية التي تنعكس على أداء فرقته في كل مواجهة مصيرية. بعد أن قاد الترجي الرياضي التونسي للتتويج بلقب دوري أبطال أفريقيا مرتين متتاليتين، الأولى سنة 2018 على حساب الأهلي المصري والثانية سنة 2019 أمام الوداد البيضاوي المغربي، واصل الشعباني إثبات علوّ كعبه كمدرب من طراز خاص.

إنجازات تجعله على بُعد لقب السوبر الأفريقي فقط من إكمال المثلث الأفريقي النادر (دوري الأبطال – الكونفدرالية – السوبر)، وهو ما لم يحققه أي مدرب أفريقي في مثل سنه. سيكون أصغر من بلغ هذا المجد إن تحقق، في سابقة من شأنها أن تُخلّد اسمه في سجلات كرة القدم الأفريقية. من تابع مباراة الذهاب في نهائي كأس الكونفدرالية هذا العام، يدرك تماما مدى دقة القراءة التكتيكية التي يتحلّى بها الشعباني.

التحوّل الكبير بين الشوط الأول والثاني لم يكن صدفة، بل خطة مدروسة. اختار أن يدخل بقوة، بنسق عال، ليُحسم اللقاء مُبكرا إن أمكن، تاركا الشوط الثاني لتثبيت السيطرة أو إدارة ما تبقى من المباراة. ولا أدلّ على ذكائه الفني من كونه لم يُكرر أي سيناريو في النهائيات التي خاضها، دائما يُفاجئ، يُبدع، ويُغيّر، باستثناء نهائي الزمالك الذي التزم فيه بخطة تكتيكية محددة فرضتها ظروف المباراة.

ما يُميّز معين الشعباني حقًا، ليس فقط الألقاب، بل الاجتهاد اليومي، العمل المتواصل، والقدرة على التطوير المستمر. كل من واكب مسيرته يعرف تمامًا أنه لا يتعامل مع كرة القدم على أنها لعبة فقط، بل مشروع، رؤية، وهدف بعيد المدى. في قارة تعجّ بالمواهب والضغوطات، أن يبرز مدرب بهذا الشكل، ويصنع الفارق في كل محطة، فذلك يتطلب أكثر من مجرد موهبة… يتطلب رؤية، انضباط، وذكاء نادر. في انتظار مباراة السوبر الأفريقي، يظلّ معين الشعباني نموذجا يُحتذى به، ومدربا يحمل راية الطموح والإبداع في كرة القدم الأفريقية الحديثة.

باكورة التتويجات

◙ انسجام واضح
◙ انسجام واضح

ويقيم إنجاز المدرب السابق للترجي مع نهضة بركان الدليل على قدرة المدرب التونسي على رفع التحديات والمراهنة على الألقاب، والشعباني ليس الفني التونسي الأول الذي ينجح في قيادة فريق مغربي الى منصة التتويج فقد سبقه إلى ذلك كل من فوزي البنزرتي ولسعد الشابي جردة. يمكن القول إن باكورة التتويجات المغربية بإطار فني تونسي كانت بتوقيع فوزي البنزرتي مع الوداد البيضاوي بعدما بدأت العلاقة التعاقدية مع الطرفين في جانفي 2018، إذ تمكن من قيادة الفريق للتتويج بقلب الدوري المغربي في موسمي 2018-2019 و2020-2021.

وقبل ذلك أحرز كأس السوبر الأفريقي مع نفس الفريق في 2018.كما لا يمكن أن ننسى قيادته الرجاء المغربي إلى نهائي كأس العالم للأندية نسخة 2013 مع بيارن ميونخ. تسلم لسعد الشابي جردة المقاليد الفنية للرجاء المغربي في أبريل 2021 وفي ظرف عدة أشهر قاد الفريق للظفر بكأس الكونفدرالية الأفريقية لموسم 2020-2021 فضلا عن التتويج بلقب البطولة العربية.

◙ الشعباني أصبح أحد أبرز المدربين في القارة السمراء، بعد وصوله إلى اللقب الأفريقي الثالث، خلال السنوات السبع الأخيرة
◙ الشعباني أصبح أحد أبرز المدربين في القارة السمراء، بعد وصوله إلى اللقب الأفريقي الثالث، خلال السنوات السبع الأخيرة

في فيفري 2024 أعلن أهل القرار في نهضة بركان المغربي تعيين معين الشعباني مدربا جديدا للفريق ورغم أن المدرب التونسي البالغ من العمر 43 سنة تسلم القطار وهو يسير فقد نجح في قيادة الفريق إلى نهائي كأس الكونفدرالية في موسم 2023-2024 قبل أن يراهن هذا الموسم على لعب الأدوار الأولى محليا ويتمكن من التتويج بلقب الدوري المغربي قبل 5 جولات من خط النهاية. كما ضمن المشاركة في دوري أبطال أفريقيا في الموسم القادم.

ويبقى الشعباني من أبرز المدربين التونسيين الذين نجحوا في ترك بصمتهم في السنوات الأخيرة، لاسيما بعدما قاد الترجي الرياضي إلى الفوز بلقب دوري أبطال أفريقيا للمرة الثالثة في تاريخه، على حساب الأهلي المصري، والوصول بالفريق التونسي إلى كأس العالم للأندية في الإمارات العربية سنة 2018 للمرة الثانية، واحتلاله المركز الخامس في البطولة، قبل أن يعود للتتويج مع الترجي بدوري أبطال أفريقيا للمرة الرابعة في تاريخه في 2019. أكد تقرير نشره مرصد كرة القدم في 2020 أن أبرز جنسيات المدربين الذين يعملون خارج بلدانهم احتلال الكفاءات التدريبية المركز الأول عربيا و21 عالميا.

وقال الشعباني في تصريحات صحفية عقب التتويج باللقب “قدمنا مستوى جيد طوال مشوار البطولة، كنا الأفضل في جل المباريات، لذلك أقول إن التتويج كان مستحقا، لم ننهزم سوى في مباراة واحدة، وحافظنا على سجلنا خال من الهزيمة على أرضنا.” وأضاف المتحدث نفسه “طيلة البطولة نجحنا في فرض أسلوب لعبنا، سواء في ميداننا ببركان أو في ملاعب الخصوم، وكنا نعلم صعوبة المباراة التي لم تكن سهلة، لقد حضّرنا لها كما ينبغي وحققنا المبتغى.”

واختتم “عندما استقبلنا الهدف الأول في وقت مبكر، طلبت من اللاعبين التحلي بالهدوء والحفاظ على التركيز، واللعب بثقة كما نفعل في جميع المباريات، وقد تمكنا من تعديل النتيجة في النهاية."  يذكر أن الفريق البرتقالي نجح في تقديم موسم استثنائي عقب التتويج بلقب البطولة الاحترافية مبكرا، ثم الظفر بكأس الاتحاد الأفريقي، علما أنه لا يزال منافسا على لقب كأس العرش حيث بلغ دور ربع النهائي.

 

16