الحكم الذاتي لحل النزاع حول الصحراء المغربية يكتسب دعما متزايدا

خطى نفاذ الحكم الذاتي إلى السياسة الدولية تتسارع كحلّ للنزاع حول الصحراء المغربية وتكتسب دعما نوعيا متزايدا كونه مقترحا ملكيا لقائد تاريخي يدافع عن مصالح بلاده ويعمل من أجل السلام.
الجمعة 2025/05/30
لا وقت للحرب.. مشاريع من أجل السلام

بعد أقل من سنتين، في عام 2027، سيبلغ عمر “مقترح الحكم الذاتي”، لحل النزاع حول مغربية الصحراء، عقدين. المقترح لم يصمد فقط خلال هذه السنوات أمام محاولات التآمر ضد الحق الوطني الوحدوي المغربي، بل ترسخ في مرجعية التعاطي الدولي مع النزاع، ليكتسب قوة كونه المقترح الوحيد والسديد للحل.

المقترح، تاريخيا، محفورٌ على المرمَر لصاحبه الملك محمد السادس، وهو اليوم جاهز ليكون أرضية لمفاوضات تستكشف تفاصيله، تزيد فيها أو تنقص، لمن يسعى جديا إلى السلام، وينطلق أولا من احترام السيادة المغربية على أقاليمها الصحراوية. المقترح ليس للعرض على صفحات الجرائد وبرامج التلفزيون، وليس مغلقا، بل هو أساس التعاطي الدبلوماسي المنطلق من رغبة أكيدة في حل سلمي ينهي هذا النزاع الذي طال نصف قرن.

كان النزاع في حالة جمود، ومساره في ركود، وأعلنت الأمم المتحدة عن استحالة إجراء استفتاء تقرير المصير بعد سنواتٍ من النقاش حول تحديد هوية اللوائح الاستفتائية الصحراوية، وما شهدته من محاولات عرقلة من جانب بوليساريو. المقترح فكّ الانسداد في النزاع، وفتح مسارا جديا، سياسيا وواقعيا للحل عام 2007.

◄ في حين تواصل الجزائر تدخلاتها في الشؤون الداخلية لجيرانها، أوقعها موقفها المتعنت بشأن المغرب في عزلة سياسية، في ظل توسع الاعتراف الدولي بمقترح الحكم الذاتي

الملك محمد السادس، الذي بلور للمغرب مشروع انتقال إستراتيجي قائم على مرتكزات سياسية، مجتمعية، اقتصادية وثقافية تشمل كل المغرب، وضمنه أقاليمه الصحراوية المحررة، شحن مقترح الحكم الذاتي بروح ديمقراطية، وصدر عنه بنزوع أصيل نحو السلام، ليُخمد مواقد التوتر في الجوار المغاربي. توقف مسار الاستفتاء، وولد مقترح تقسيم الصحراء بين المغرب وبوليساريو ميْتا.

وبدا أن الوضع يسير نحو استئناف الحرب وتوسيعها، وهو الأمر الذي كان يُرضي جنرالات الجزائر، إذ كان يُعزز نفوذهم السياسي ويبرره، كما كان يروق للرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، الذي كان مهووسا بمشاكساته للمغرب ومؤملا إضعافه.

استنفر الملك محمد السادس شجاعة القائد التاريخي، فدمج صرامة الموقف الوطني المغربي بمرونة الاعتبار الديمقراطي، ليغتني المغربُ بحساسيات وطاقات جميع جهاته وأبنائه، معززا السيادة الوطنية بالالتفاف الشعبي ومناعة الوحدة الوطنية، وليكسب المغرب أيضا فرصة صون كرامة الجزائر ومغادرتها النزاع بهدوء، بما يتيح لها دخول مسار التعاون المغاربي بلا جراح، وبطاقات التفاعل والتضامن اللازمة للنهوض بتحديات البناء المجتمعي الداخلي والتعاون الخارجي.

استغرقت العملية سنوات من العمل الدبلوماسي المغربي الجاد والمجتهد، حتى تفحص المجتمع الدولي مقترح الحكم الذاتي في مضمونه وسياقاته ومدى انسجامه مع التحولات الجيوستراتيجية في المنطقة، وفي أفريقيا وحوض المتوسط. وترافق ذلك مع إثمار المغرب لعهد جديد يتميز بالحيوية الاقتصادية والاجتماعية، والرؤية السياسية الواضحة، ما وضعه في موقع الدولة النافعة لنفسها والمفيدة في كل علاقاتها الدولية، سواء في أفريقيا، المحيط العربي والمتوسطي، أوروبا، أميركا الشمالية والجنوبية، روسيا، أو الصين.

عزز المغرب ريادته الأفريقية بعودته إلى الاتحاد الأفريقي، وتجديد علاقاته مع دول القارة عبر أكثر من خمسين زيارة ملكية، إضافة إلى إطلاق الملك محمد السادس رؤية “على أفريقيا أن تخدم أفريقيا” بمبدأ رابح – رابح. وامتدادا لهذه “العقيدة”، جاءت المبادرة الملكية الأطلسية، التي تقوم على قاعدة ميناء الداخلة في الصحراء المغربية، كمنصة اقتصادية إستراتيجية تجذب الاستثمارات وتعزز التعاون الأفريقي مع دول الخليج العربي وأوروبا. لذلك، أصبح الحكم الذاتي مقترحا يقنع المجتمع الدولي، كونه يعزز استقرار المغرب، ويؤمّن سيادته، بما يعود بالنفع عليه وعلى محيطه الإقليمي والدولي.

◄ الملك محمد السادس، الذي بلور للمغرب مشروع انتقال إستراتيجي قائم على مرتكزات سياسية، مجتمعية، اقتصادية وثقافية تشمل كل المغرب، وضمنه أقاليمه الصحراوية المحررة، شحن مقترح الحكم الذاتي بروح ديمقراطية

للأسف، لا تزال الجزائر تصرّ على معاندة التحولات الجارفة في المنطقة نحو مستقبل مختلف، وهي اليوم مضطرة، كما صرّح رئيس أركان الجيش سعيد شنقريحة، إلى “الحفاظ على حالة التأهب الدائمة أمام تطورات التهديدات الإقليمية،” وهو ما يتناقض مع تصريحه في وقت سابق بأن “بلادنا وفية لمبادئها الثابتة في سياستها الخارجية، من الاحترام المتبادل، حسن الجوار، والرفض القاطع لكل تدخل في الشؤون الداخلية للبلدان، مع احترام سيادتها.”

وفي حين تواصل الجزائر تدخلاتها في الشؤون الداخلية لجيرانها، أوقعها موقفها المتعنت بشأن المغرب في عزلة سياسية، في ظل توسع الاعتراف الدولي بمقترح الحكم الذاتي. وقد انعكس ذلك بوضوح في اجتماع اللجنة الرابعة للأمم المتحدة في تيمور الشرقية الأسبوع الماضي، حيث أعلن السفير المغربي لدى الأمم المتحدة عمر هلال أن 116 دولة في العالم “أعربت عن دعمها الصريح لمبادرة الحكم الذاتي،” في مقابل الدول التي كررت الادعاءات الجزائرية، والتي لم تتجاوز ثماني دول فقط، تنتمي لعهد دولي بائد، مثل جنوب أفريقيا، موزمبيق، وفنزويلا، وهي الدول التي ذكرتها الصحافة الجزائرية بالاسم.

في المقابل، بدأ مفعول الحكم الذاتي يتسلل إلى داخل بوليساريو نفسها، من خلال تيار “صحراويون من أجل السلام”، الذي يضم قياديين وأعضاء سابقين في الجبهة، ويعتبر الحكم الذاتي مقترحا فعليا وجديا لحل النزاع. وقد تمكن هذا التيار من اكتساب عضوية الأممية الاشتراكية خلال مؤتمر إسطنبول، ما أثار غضب قيادة تندوف، لأنه بدد ادعاءها المتكرر بأنها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الصحراوي.

وبهذا، تتسارع خطى نفاذ الحكم الذاتي إلى السياسة الدولية كحل للنزاع حول الصحراء المغربية، وتكتسب دعما نوعيا متزايدا، كونه مقترحا ملكيا لقائد تاريخي يدافع عن مصالح بلاده، ويعمل من أجل السلام، وينتهج سياسة تقوم على التفاعل الإيجابي مع محيطه الجغرافي، بروح من الواقعية والرغبة الصادقة في التعايش والتضامن.

8