رقابة مصرية على الطلاب السوريين خشية تسلل متطرفين

في ظل تصاعد التوترات الإقليمية ومخاوف القاهرة من تسلل عناصر متطرفة، شددت السلطات المصرية إجراءات دخول السوريين، ما تسبب في أزمة طلابية بعد فصل عدد من الطلاب من الجامعات، وسط توازن دقيق بين المتطلبات الأمنية والالتزامات التعليمية.
القاهرة - كشفت شكاوى بعث بها عدد من الطلاب السوريين إلى حكومتهم في دمشق بعد قرارات فصلهم من جامعات مصرية التحقوا بها، عن اتخاذ القاهرة إجراءات احترازية مضاعفة، بهدف تضييق الخناق على محاولات إحياء حضور تنظيمات إرهابية على الأراضي المصرية، بعد أن نجحت أجهزة الأمن في إنهاء هذا الخطر.
وزادت المخاوف المصرية مع تصاعد حدة التوتر الأمني في ليبيا مؤخرا، والتي كانت معبرا سابقا لوصول متطرفين إلى داخل حدود مصر وتنفيذ عمليات إرهابية. ووجهت الشكاوى التي نشرها طلاب على مواقع التواصل الاجتماعي إلى الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيباني، عقب فصل نحو 60 طالبا رغم قبولهم في جامعات مصرية وقيامهم بدفع مصروفات مالية، ما يعني امتلاكهم أوراق قبول رسمية، وطالبوا دمشق بالتدخل قبل أن يخسر الطلاب مستقبلهم.
وقال مصدر بوزارة التعليم العالي المصرية لـ”العرب” إن الآلاف من الطلاب السوريين يدرسون في الجامعات دون أن يتعرضوا للفصل، والمشكلة التي يتحدث عنها بعض الطلاب تتعلق بمنح تصاريح إقامة لمقيمين خارج مصر ممّن عادوا إلى سوريا، وأن الاشتراطات الأمنية تحظر دخولهم مرة أخرى إلا بعد الحصول على الموافقة الأمنية.
وأوضح المصدر ذاته إن إدارات الجامعات في مصر لا يمكن أن ترفض دخول أيّ طالب لأداء الامتحان بعد قبوله، والإجراءات دائما ما تكون في بداية العام الدراسي وليس في نهايته، والمشكلة الحالية تتعلق بـ100 طالب لم يستكملوا أوراق دخول الأراضي المصرية المطلوبة وتم فصلهم لعدم انتظامهم في الحضور الدراسي، ويقيمون خارج البلاد ولديهم رغبة في العودة إلى مصر لخوض الامتحانات.
وحظرت السلطات المصرية مطلع العام الحالي دخول سوريين قادمين من دول مختلفة إلى أراضيها، عدا حاملي الإقامة المؤقتة لغير السياحة، قبل أن يعلن القائم بأعمال السفارة المصرية في دمشق أسامة خضر، إعادة فتح باب منح التأشيرات لفئات محددة من السوريين، تشمل الطلبة المقيدين في مختلف المراحل التعليمية، إلى جانب المستثمرين وأسرهم، وأزواج وزوجات المواطنين المصريين.
وترتبط الإجراءات المصرية بتحسب من إحياء تجنيد الإرهابيين، في ظل تصاعد الأوضاع في قطاع غزة وتزايد المخاطر على الحدود الشمالية الشرقية في شمال سيناء، واشتداد التوتر في غرب ليبيا، ومخاوف من انتقاله إلى شرقها المتاخم للحدود المصرية، مع توافر معلومات حول نقل عناصر متطرفة من سوريا إلى ليبيا مؤخرا.
وكشف عضو مجلس النواب المصري والإعلامي مصطفى بكري في برنامجه “حقائق وأسرار” على فضائية “صدى البلد” عن وجود معلومات بشأن نقل أفراد وأسلحة من السودان وتشاد عبر الحدود المشتركة إلى ليبيا وانتشارهم في منطقة فزان (جنوب غرب ليبيا)، وهو ما جرى رصده في شرق ليبيا من خلال تهريب أسلحة ومواد نفطية وبضائع، لتمويل أنشطة إرهابية واستقطاب عناصر متشددة من سوريا.
وأكد مساعد وزير الداخلية الأسبق في مصر اللواء أشرف أمين أن الإجراءات الأمنية المرتبطة بدخول المواطنين من دول الصراعات متغيرة، باختلاف الظروف المحيطة والمعلومات المتوفرة لدى الأجهزة الأمنية، وتتجه أجهزة الدولة للتحرك بآليات محددة تسبق أيّ أخطار بخطوة أو عدة خطوات، وسط أوضاع قاتمة بالقرب من الحدود، وقد تأثرت مصر بانتشار الإرهاب في دول بعيدة، مثل ألبانيا وأفغانستان.
وأشار لـ”العرب” إلى أن الأجهزة الأمنية اخترقت الكثير من الجماعات والتنظيمات المسلحة، وتملك معرفة دقيقة بتحركاتها وتضع الإجراءات الاحترازية المناسبة للتعامل معها، ومن ضمنها متابعة دخول بعض الجنسيات العربية والأجنبية إلى داخل البلاد، فقد تتسرب عناصر إرهابية من خلالها.
ولفت إلى أن المتابعات لا تتوقف على ضبط الحدود والتعامل مع دخول لاجئين ومهاجرين، وقد يطال الأمر الاستنفار في أماكن تجمّع الجنسيات الأجنبية وبعض المناطق التي تشكل بؤرا خطرة، وهناك معلومات مرتبطة بتوظيف السوريين، وتشدد الأجهزة الأمنية إجراءاتها في المناسبات والأعياد، استباقا لأيّ خطر أو تهديد. ووفق المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، فإن عدد السوريين المسجلين في مصر ارتفع من 128 ألفا بنهاية عام 2012 إلى أكثر من 153 ألف شخص مع نهاية 2023، وقدرت المنظمة الدولية للهجرة عددهم في مصر بنحو مليون ونصف مليون شخص.
وبدا واضحا أن المخاطر الأمنية التي تحيط بالدولة المصرية تجعلها تضع أولوية التعامل المسبق مع تسلل عناصر ربما تشكل خطرا، على حساب خطتها لدعم السياحة التعليمية، بعد أن دشنت منذ عامين مبادرة “أدرس في مصر” التي تستقبل من خلالها طلبات الوافدين للدراسة بالجامعات، ما قاد إلى استقبال 130 ألف طالب بالجامعات المصرية، في حين أن الرقم لم يكن يتجاوز 20 ألف طالب منذ خمس سنوات.
وقال الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية سامح عيد إن عدم استقرار الأوضاع السياسية في سوريا يجعل القاهرة أكثر تشددا في استقبال مواطنيها، ولدى القاهرة رغبة لتواجد أصحاب الإقامة “البيزنس” وهم فئة رجال الأعمال الذين لهم مشاريع تجارية بمصر، وهي إقامة تتطلب شروطا صعبة.
وأوضح لـ”العرب” أن الوضع العام في المنطقة يخيم عليه ارتباك كبير، في ظل تعقيدات الحرب في غزة، ما يجعل هناك بيئة مواتية لتجنيد أعداد من الشباب العربي، كما أن الارتباك المماثل في سوريا ووجود ميليشيات تقود الجيش الوطني في دمشق يجعل القاهرة أكثر يقظة لمسألة التجنيد لقطاع واسع من الشباب، وبحث بعض التنظيمات الإرهابية عن موطئ قدم للوصول إلى السلطة بعد تحقيق أهدافها في سوريا.
وذكر أن ما يضاعف المخاوف المصرية يرتبط بالاضطرابات الراهنة في ليبيا، وفي جزء منه على علاقة بنفوذ تيارات متطرفة، ما يسهل التجنيد وسط أوضاع اقتصادية صعبة، وقدرة على تقديم خطاب قائم على المظلومية. ولفت عيد إلى أن القاهرة سرّعت من خطواتها الفترة الماضية للمزيد من التنسيق مع الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، استباقا لأيّ أخطار قد تصل مصر.
وكشف المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري في فبراير الماضي أسماء قادة من المرتزقة السوريين أرسلتهم تركيا إلى ليبيا للقتال في صفوف ميليشيات طرابلس، وأن جنسيات من نقلوا إلى ليبيا، سورية وعراقية وليبية، متهما أنقرة بنقل ألفي مسلح من هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا) إلى ليبيا عبر مطار معيتيقة.