رحل الزبيدي لكن أثره الطيب باق

لم تكن علاقتي به وثيقة بالمعنى التقليدي، ولم تجمعني به لقاءات أو جلسات مطوّلة يمكن أن أسرد من خلالها القصص، كانت علاقتي به أقرب إلى تلك الخيوط الرفيعة التي تنسجها الكلمات المتبادلة عبر البريد الإلكتروني، والتي تحمل بين سطورها أكثر ممّا تقوله مباشرة، ورغم ذلك فقد كان لهيثم الزبيدي في نفسي مقام الأستاذ، وكنت أخاطبه دوما في رسائلي بـ”أستاذي”.
لم يكن خريج مدرسة الإعلام، لكنه حمل الصحافة في روحه وفهمها كمن ولد في بلاطها.. كان ملمّا بخباياها متابعا لدروب السياسة وتشعباتها، وقد لمست ذلك بنفسي في مرات قليلة تبادلنا فيها الرأي حول مقالات كنت أكتبها لـ”العرب” أو بعض المواضيع من المستجدات.
هيثم الزبيدي لم يكن مجرد رئيس تحرير، بل كان رُبّانا ماهرا قاد سفينة “العرب” في بحر عاصف، في زمن تعصف به التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي بالصحف.. كانت الصحيفة تنجو دائما ليس بفعل الحظ، بل بصلابة من يقودها وبمهارة من يعرف كيف يوازن بين الانفتاح على الجديد، والتمسّك بالقيم المهنية والأخلاقية التي تكاد تغيب عن المشهد الإعلامي العربي.
◄ هيثم الزبيدي، لم يكن يعرف أنه كان أستاذا لي، وربما لم أكن أعتقد للحظة أن بضعة إيميلات متبادلة بيني وبينه يمكن أن تخلق هذا الأثر العميق في القلب
لم أكن أعرفه عن قرب لكنني حين بلغني خبر رحيله، شعرت كأن شخصا من العائلة، أو ربما أحسست بفقدان ذلك السند الذي يقدّر محاولاتي المتواضعة ويرشدني إلى أن أكتب بشكل أفضل، ولم تكن رسائله البريدية تقليدية أو مستهلكة، بل كانت تحمل حسّا إنسانيا ومهنيا يدفعك إلى احترامه أكثر فأكثر.
وربما كانت رسالته الأخيرة والتي وصلتني قبل أسابيع من رحيله أصدق تعبير عن روحه التربوية ورغبته الصامتة في أن يرى من حوله في أفضل حال، قال لي فيها دون تكلف أو مبالغة إن كتاباتي شهدت تحولا نوعيا في الأشهر الأخيرة، ولم تكن مجرد مجاملة بقدر ما كانت إشادة نابعة من عين خبيرة وقلب يتمنّى لزملائه أن يتقدموا إلى الإمام.
رحيل هيثم الزبيدي ليس خسارة شخصية لكل من تعلق به من العائلة الصغيرة أو الكبيرة في صحيفة “العرب”، بل هو رحيل لقلم حر تمكن من ترك البصمة الخالدة في سجل الصحافة العربية .
هيثم الزبيدي، لم يكن يعرف أنه كان أستاذا لي، وربما لم أكن أعتقد للحظة أن بضعة إيميلات متبادلة بيني وبينه يمكن أن تخلق هذا الأثر العميق في القلب، لكنني اليوم وبعد رحيله أجد نفسي أمام واجب رد الجميل ولو بمجرد كلمات، وإن كنت لا أملك الكثير ممّا أرويه عنه، لكنني مدفوع برغبة وفاء، وبشعور الفقد.
اقرأ أيضا:
• هيثم الزبيدي.. في وداع مقاتل نبيل