هل ينحني ساسة العراق للعاصفة؟

لم يتأخر المشروع الإيراني في إظهار مدى قدرته البراغماتية على الاستثمار في متغيرات المنطقة، وإمكانياته التكتيكية في التراجع عن مواقفه عند اشتداد عواصف المواجهة ضده.
نعترف بأن إيران استفادت من الاحتلال الأميركي للعراق بعد 2003، بعد أن توزعت الفائدة بين أميركا حامي النظام السياسي وإيران حامي شخوصه، في المقابل قدمت إيران أكبر خدمة للوجود الأميركي في المنطقة عبر زرع بيادق على رقعة شطرنج للمراهنة عليهم في ساعة العُسرة.
مباحثات إيران مع الولايات المتحدة كشفت حقيقة أن العراق لم تعد له تلك المكانة التي كانت له قبل سنوات لدى واشنطن، تلك حقيقة يدركها ساسة العراق حين مارسوا النفاق السياسي، فكانوا صباحا يُجالسون الفاعل الأميركي، وبالليل مع من يأمر به السفير الإيراني.
ظلت الجارة الشرقية توحي بأنها المتحكم في القرار العراقي وأنها لازالت تحتفظ بهذا البلد كحديقة خلفية، والأهم أنها تمتلك خيوط اللعبة التي تمكنها من المساومة على مصالحها.
◄ الانتخابات البرلمانية في العراق ستكون المقياس الأدق لمدى نفوذ إيران عند الكتل السياسية، فهل يستمر ذلك النفوذ الذي أصبح من الماضي؟ كل ذلك سينكشف تأثيره بانتخابات العراق القادمة
أصبح العراق في كفة إيران بتفاوضها مع أميركا، حيث سيتقرر مصير الفصائل المسلحة بنزع سلاحها كشرط من شروط الإدارة الأميركية، وقد يتسع الشرط ليشمل الحشد الشعبي كمؤسسة بالرغم من أنه يتبع أوامر القائد العام للقوات المسلحة العراقية، إلا أن المفاوض الأميركي، على ما يبدو، لا يفرق بين الفصائل المسلحة التي حملت السلاح وقصفت سفارته وبين مؤسسة الحشد.
في كل الأحوال كما ضحّت إيران بحزب الله في لبنان وبشار الأسد في سوريا جاء الدور على ما هو موجود في العراق، والذي بدأت ملامحه ترسم سيناريو من الفوضى في التصريحات والقلق من نهاية الدور “الفصائلي” في السياسة العراقية.
ويُتوقع صدور قرار أميركي بمعاقبة الفصائل المسلحة ووضعها في القائمة السوداء يجعل من الصّعب على أذرعها السياسية أن تشارك في الانتخابات القادمة بعد أن يرفض الفاعل الإقليمي الاعتراف بها.
والحقيقة الصعبة التي يتخوّف منها ساسة العراق أن مصير سلاح الفصائل مرهون بنتائج المباحثات الأميركية – الإيرانية سواء نجحت أم فشلت.
السيناريو القادم، وكما يدور في غُرف السياسة، أن الإطار التنسيقي بات ملزما بسياسة “تغيير المواقف”، وضرورة إجراء سياسة براغماتية تتناسب مع التحولات الجديدة في المنطقة، حتى بات واضحا أن هناك تراجعا تكتيكيا في العلاقة مع إيران.
وتؤكد مصادر سياسية أن الإطار التنسيقي أصبح منقسما بين من يتفق مع سياسة ترامب ويتبنى سياسة الاعتدال، وبين من يرفض التخلي عن علاقته بإيران.
بالمحصلة بات الجميع يرغب في الالتحاق بالفائز الأكبر في هذه المعادلة الإقليمية وضرورة تغيير برنامج العمل القديم للقوى السياسية واستحداث مناهج جديدة في التعامل السياسي مع ما تفرضه المرحلة الراهنة.
الانتخابات البرلمانية في العراق ستكون المقياس الأدق لمدى نفوذ إيران عند الكتل السياسية الداعمة لها، فهل يستمر ذلك النفوذ الذي أصبح من الماضي كما تشير إليه بعض المصادر السياسية؟ كل ذلك سينكشف تأثيره بانتخابات العراق في الحادي عشر من تشرين الثاني – نوفمبر 2025.
اقرأ أيضا:
• انتخابات عراقية جديدة وهويات قديمة تعيد رسم المشهد السياسي