المصانع تتكلم لغة الخوارزميات في الصين

في قلب المشهد الصناعي المتسارع في الصين تتحول أفكار الخيال العلمي إلى واقع ملموس مع دخول الروبوتات البشرية إلى خطوط الإنتاج الحديثة. ولم تعد هذه الآلات مجرد أدوات مساعدة، بل أصبحت عناصر أساسية تشارك بذكاء في أداء المهام، وتُحدث تحولا جوهريا في مفهوم العمل والتصنيع.
بكين - تُنجز روبوتات بشرية يبلغ طولها 1.72 متر، وتتمتع بهياكل فضية أنيقة، مهام دقيقة على خطوط الإنتاج في الصين، حيث تفرز المواد، وتحمل الصناديق، وتجمع المكونات، بحسب ما ذكرته صحيفة الشعب اليومية أونلاين في تقرير لها.
وتحول هذه القفزة التكنولوجية الرؤى المستقبلية إلى واقع صناعي ملموس.
وطُورت هذه الآلات المتقدمة، المعروفة باسم “روبوت ووكر إس” الصناعية، من قبل شركة “يو بي تيك للروبوتات”، ومقرها مدينة شنتشن في مقاطعة قوانغدونغ جنوب الصين.
وقد بدأ أسطول من هذه الروبوتات العمل رسميا في مصنع ذكي يعمل بتقنية الجيل الخامس، تابع لشركة “زيكر”، التابعة لمجموعة جيلي لصناعة السيارات، في منطقة تشيانوان الجديدة بمدينة نينغبو، شرق البلاد.
وقال تشو جيان، مؤسس شركة يو بي تيك، “تخضع سلسلة ووكر إس حاليا للتجارب في مصانع جيلي، وبي واي دي، وفوكسكون، وإس إف إكسبريس، وبعد أكثر من عقد من التطوير، دخلنا مرحلة جديدة، ونتلقى حاليا طلبات لشراء أكثر من 500 وحدة.”
الروبوتات بالبشرية تمثل الشكل الأكثر تقدما وتجسيدا للذكاء الاصطناعي المتطور عكس الأذرع الآلية العاملة
ورغم أن الأذرع الآلية على خطوط التجميع كانت تُعرف منذ سنوات بـالروبوتات، إلا أن تشو يؤمن بأن الروبوتات الشبيهة بالبشر تمثل الشكل الأكثر تقدما وتجسيدا للذكاء الاصطناعي المتطور.
وفي 19 أبريل الجاري، نُظم أول نصف ماراثون للروبوتات البشرية في العاصمة بكين، حيث فاز الروبوت تيانغونغ ألترا، الذي طوره مركز بكين لابتكار الروبوتات البشرية بالتعاون مع يو بي تيك، بالمركز الأول.
وفي يوليو 2024، خضع نموذج ووكر إس لايت، الروبوت الصناعي ذو الشكل البشري، لتجربة تشغيل لمدة 21 يوما متواصلة في مصنع زيكر الذكي، للقيام بمهام نقل المواد بشكل ذاتي. لكن التجربة لم تحقق النجاح المطلوب، إذ كانت سرعة الروبوت بطيئة ولم تتجاوز كفاءته 20 في المئة مقارنة بالبشر.
وبعد ثلاثة أشهر من التحسينات التقنية، تم إطلاق “ووكر إس 1″، بحجم مقارب للإنسان البالغ، مع قدرة على العمل ضمن مساحة أكبر بنسبة 30 في المئة، وتحسن ملحوظ في التوازن الحركي والتنقل بفضل تكنولوجيا مطورة محليا.
ويتميز “ووكر إس 1″، المزوّد بكاميرات ذكية وتقنيات تعلّم عميق، بقدرته على إجراء فحوصات دقيقة وغير مدمرة لشعارات السيارات والمصابيح الأمامية، بنسبة دقة تتجاوز 99 في المئة.
ولتأدية مهام شبيهة بالبشر، تحتاج الروبوتات إلى قدرات تفاعلية وتعاونية، إلى جانب تنفيذ الأوامر. ويؤكد جياو جي تشاو، نائب رئيس شركة يو بي تيك والعميد التنفيذي لمعهد أبحاثها، أن تطوير “ذكاء سرب الروبوتات البشرية” يعد خطوة مفصلية لتوسيع نطاق استخداماتها الصناعية.
وفي مارس الماضي، أطلقت الشركة أول تجربة تعاونية متعددة الروبوتات عبر سيناريوهات ومهام متنوعة. ففي أحد الاختبارات، سار روبوتان من طراز “ووكر إس 1” بثبات نحو صندوق، وقاما برفعه بتناغم، قبل أن يسلكا مسار تسليم مخططا ذاتيا، مع التنقل بين روبوتات أخرى تعمل في الموقع ذاته.
قطاع التصنيع الذكي مرشح لأن يكون أول مجال يعتمد على الروبوتات البشرية بشكل واسع النطاق
وعن كيفية التنسيق بين الروبوتات، أوضح جياو، “كما هو الحال مع البشر، زوّدنا الروبوتات بـمخ ومخيخ”.
وأشار إلى أن المخ يعمل بنموذج استدلال مجسد متعدد الوسائط قائم على منصة “ديب سيك-ر1″، ما يمنحه القدرة على التفكير المنطقي، بينما يتولى المخيخ التحكم في الحركات والتوازن عبر تقنيات إدراك وتحكم موزعة، مما يسرّع من اكتساب المهارات ونقلها بين الروبوتات.
وخلال المهام التعاونية، يتولى المخ تخطيط المسارات، وتقسيم العمليات، والتنسيق في الموقع، في حين ينفذ المخيخ المهام الحركية، مثل إدارة الأطراف وتعديل وضعية الجسم والتحكم في قوة القبضة. ويتصل كل روبوت بشبكة مركزية ذكية، ما يمكنه من أداء سلوك جماعي متزامن بدلا من المهام الفردية المتفرقة.
وعند التعامل مع صناديق مختلفة الأحجام، تستخدم الروبوتات الذكاء الاصطناعي لتقسيم المهام، وتكيّف كل وحدة سير عملها آنيا استجابة للأوامر في أجزاء من الثانية.
وقد أثبت روبوت “ووكر إس 1” نجاحا ملحوظا في عدة مواقع صناعية، من بينها مصنع بي واي دي، حيث تضاعفت كفاءته التشغيلية، ومصنع فوكسكون في لونغهوا بمدينة شنتشن، حيث تم اختباره في العمليات اللوجستية، بالإضافة إلى تجارب في قاعدة إنتاج أودي-فاو في تشانغتشون، للكشف عن تسربات مكيفات الهواء.
وقال تشو “لتحقيق الدمج الواسع في خطوط الإنتاج، لا بد أن تنتقل الروبوتات من مرحلة القابلية للاستخدام إلى مستوى الأداء المتفوق، مع ضرورة خفض التكلفة.”
وأضاف أن الشركة تخصص نحو 50 في المئة من إيراداتها للبحث والتطوير، وقد امتلكت بحلول نهاية عام 2024 ما مجموعه 2680 براءة اختراع سارية حول العالم، كما قادت أو ساهمت في وضع نحو 40 معيارا عالميا في مجال الروبوتات الذكية، ما يضعها في مصاف الشركات الرائدة عالميا في هذا القطاع.
وعن خطط التوسع في التصنيع، قال جياو “دخلنا بالفعل مرحلة الإنتاج التجريبي على نطاق صغير، لكن الوصول إلى القدرة الكاملة للإنتاج الصناعي الواسع يتطلب عاما إلى عامين.”
وأشار إلى أن قطاع التصنيع الذكي مرشح لأن يكون أول مجال يعتمد على الروبوتات البشرية بشكل واسع النطاق.