العراق بين عقلية الحُكْمِ وحِكَمِ العقل

الملتقى الذي عُقد في السليمانية مؤخرا، تحدث فيه عمار الحكيم، وهو سياسي ورجل دين، عن ملف السلاح في العراق، حيث أكد أن السلاح ينبغي أن يُحصر بيد الدولة، وهو أمر مختلف عليه في الأوساط السياسية والحزبية، إذ أن هناك عددا من القوى التي تمتلك السلاح في العراق وتديره خارج إطار الدولة. وهنا لا نتحدث عن قوى الحشد الشعبي التي قارعت وساندت ووقفت في سبيل تحرير أرضها من داعش. وحسب قوله، فإن مسألة حصر السلاح بيد الدولة ليست بالأمر الهين، وهي مسألة تحتاج إلى تكاتف القوى السياسية جميعها ودون استثناء، سواء من كان داخل إطار الدولة والحكومة أو من كان خارج أطر الحكومة، على أن يتفق الجميع على أن يكونوا مواطنين يخضعون لسلطة الدولة والقانون، لا سلطة السلاح.
حصر السلاح بيد الدولة يحتاج إلى وقفة جادة من الجميع، فهو يواجه تحديات سياسية وأمنية وقانونية معقدة، وقد يستغرق هذا الأمر وقتا طويلا لتنفيذه والانتهاء منه. فمظاهر السلام المنتشرة لا تعكس سوى ضعف بسط القانون وسيطرة الحكومة. وبالرغم من كل الجهود الأمنية التي تبذلها السلطات والقوى الأمنية في هذا المجال، إلا أنه من الممكن أن يحترق الأخضر واليابس من خلال مشاجرة بين عشيرتين أو شخصين في أحد النواحي الشرقية لمدينة بغداد، وقد يسقط فيها قتلى وجرحى لأتفه الأسباب، ما يعني أن العقلية العراقية ما زالت تحكمها عقلية العشيرة أو الجهل الذي غيّر مجرى العلاقة بين المواطنين، ويقلل فرص التعايش السلمي في ما بينهم.
◄ الجهود ستساهم في فرض القانون وتحييد أيّ تهديد يمكن أن يسبب عدم استقرار في البلاد، خصوصا مع الاستقرار السياسي الذي حظي بدعم إقليمي ودولي
كلما تأخرت عملية حصر السلاح بيد الدولة، كلما سيطرت العقلية الجاهلة على الحياة في العراق، وأخذت مدياتها تتسع لتحكم وتسيطر على مجريات الحياة في مدن متعددة منه، ما قد يؤثر على الوضع الأمني برمته ويهدد السلم الأهلي، خصوصا مع الأحداث السريعة وغير المستقرة التي تفرضها المنطقة على العراق وتجعله تحت التهديد بأكثر من صورة ومرة. والتهديدات المستمرة التي يطلقها الكيان الإسرائيلي بين الحين والآخر تلقي بظلالها على المشهد وتجعله أكثر سخونة ومهددا بالتصعيد.
حكومة محمد شياع السوداني اتخذت التدابير اللازمة وموقفا حازما بهذا الاتجاه، وعقدت الكثير من الجلسات الحوارية مع القوى السياسية لدعم الحكومة. وبحسب الأخبار، فإن الحكيم وبعض قوى الإطار التنسيقي كان لهم دور فاعل ومهم في تقوية الدولة وتهدئة التوترات ومنع الضربات الأميركية والإسرائيلية على العراق، وهذا في حد ذاته نصر في حكم العقل ومنع سيطرة عقلية الحكم، والتي استطاعت أن تكون حلقة وصل بين الدول المتصارعة وأقامت حوارات مهمة بين هذه الدول لإدارة الأزمة وقيادتها نحو إبعاد المنطقة عن أيّ خطر وتهديد.
الخطاب المتشدد والطائفي الذي تعالى ضد العراقيين عموما كان عاملا مساعدا في تهدئة الموقف وإبعاد العراق عن المواجهة، وذلك من خلال استشعار القوى السياسية بأن هذا الخطاب قد يعيد أحداث عصابات داعش إلى الواجهة، خصوصا مع التصريحات النارية التي يطلقها البعض والتي تحرّض ضد النظام السياسي في البلاد. لذلك، العقلية السياسية العراقية استخدمت حِكَمَ العقل بدل عقلية الحُكْمِ في إدارة الأزمة، وأن هذه الجهود ستساهم في فرض القانون وتحييد أيّ تهديد يمكن أن يسبب عدم استقرار في البلاد، خصوصا مع الاستقرار السياسي الذي حظي بدعم إقليمي ودولي، وبرز ذلك من خلال المؤتمرات التي تُقام في العراق، وآخرها القمة العربية المزمع إقامتها في بغداد قريبا، وهو بحد ذاته نصر لحِكَمَ العقل لا عقلية الحُكْمِ.