جولات وزير الخارجية المصري.. تفسيرات كل بما يهواه

تعددت جولات وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي مؤخرا، وشملت دولا عدة، شمالا وجنوبا، وشرقا وغربا. في كل محطة يصدر المتحدث باسم الوزارة بيانا يتضمن بعض العناوين الرئيسة التي جرى التطرق إليها، دون توضيحات كثيرة حول الهدف الحقيقي من كل زيارة، يستخدم صيغة شبه متقاربة حول بحث القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وفي مقدمتها الحرب على قطاع غزة، وتطوير العلاقات الثنائية في المجالات المختلفة، ما منح الكثيرين فرصة لتقديم تفسيرات متضاربة للزيارات، قد يصيب بعضها ويخيب معظمها في تحديد طبيعة كل مهمة.
عندما يتحرك وزير الخارجية، أيّ وزير خارجية، ويذهب إلى دولة مّا، من الطبيعي أن يحمل في جعبته ملفات حيوية وعاجلة، وقد تحول بدر عبدالعاطي إلى ما يشبه المكوك، يقلع من القاهرة ثم يعود إليها سريعا، ما أعاد الاعتبار إلى دور وزارة الخارجية ومركزيتها في صناعة القرار، وتحولت في عهده إلى دينامو في عملية رسم السياسة المصرية، وقام الرجل منذ توليه مهام منصبه قبل أشهر بجولات عديدة، شملت دولا كانت بعيدة عن اهتمامات بلاده في الفترة الماضية.
خلال أسبوع قام الوزير بدر عبدالعاطي بزيارة الجزائر وتونس والسعودية، وذهب قبلها إلى دول أخرى وسيقوم بزيارات أيضا، وربما عند قراءة هذا المقال يكون الرجل حط في بلد جديد. ماذا أراد وزير خارجية مصر في هذه المحطات، وماذا حقق من نتائج في كل منها، وكيف قرأها من تابعوها من خلال وسائل الإعلام؟
◄ زيارة الرياض انتهت وتم إنجاز الهدف الظاهر منها الخاص بإذابة بعض الجليد السياسي الذي تراكم لكن ثمة تفسيرات ذهبت إلى أنه تم الوصول إلى تهدئة أكثر من الحديث عن استقرار
في الجزائر، أكد السفير بدر عبدالعاطي أن العلاقات بين البلدين جيدة، ولا يوجد ما يعكر صفوها تقريبا، بسبب ما رشح من معلومات حول وجود موقف سلبي من القمة العربية الطارئة التي عقدت في القاهرة وغاب عنها الرئيس عبدالمجيد تبون، وتم توضيح الموقف من حرب غزة وتحركات القاهرة لرفض تهجير سكان القطاع خارج أرضهم، وأيّ تباين حول الأزمة الليبية لن يمسّ ثوابت العلاقات، وقد تكون هذه قضايا حظيت بتفهم من القيادة الجزائرية التي تحتفظ بأواصر متينة مع نظيرتها في مصر.
وانصبّت تفسيرات المتابعين على ملفين لا أحد يعلم بالضبط ما تم فيهما بدقة، الأول: خاص بليبيا، حيث تقوم الجزائر بتحركات كي توجد لها دورا مؤثرا، بالتنسيق مع تونس، ولا وجود لتعاون محدد مع مصر في ذلك، وهو ما سعى وزير الخارجية إلى التعرف عليه عن كثب، وترك عدم العثور على ما يؤكد أو ينفي المجال لتكهنات وتخمينات، كان يجب قطع الطريق عليها بتوضيح ما جرى التطرق إليه بشأن ليبيا في زيارة الجزائر، لأن أيّ اجتهادات خاطئة قد تكون لها روافد سلبية على السياسة المصرية، التي تتبنى منهجا متوازنا ومنضبطا، يحافظ على مصالح الدولة، ويبتعد عن المشاحنات والمناكفات مع الدول الصديقة.
الملف الثاني، خاص بغزة، ويحتوي مكونات متعددة، بعضها يمكن تحقيق تقدم فيه بسهولة، لكن النقطة التي لفتت انتباه المتابعين، تخصّ مدى استعداد الجزائر لاستقبال أسرى فلسطينيين أطلقت إسرائيل سراحهم ضمن صفقة تبادل، ومدى قدرتها على استضافة قيادات من حركة حماس إذا تم التفاهم بينها وبين الوسيط المصري – القطري على ذلك.
ومع أنه لا نملك ما يؤيد أن هذه المسألة طرحت بعمق خلال زيارة بدر عبدالعاطي، إلا أنها طرحت لدى مراقبين ومتابعين، وحملت رؤى متفاوتة، وفي خضم رغبة الجزائر تنشيط دبلوماسيتها وثقة مصر بها لم يكن من المستبعد مناقشتها، أو على الأقل جس النبض حولها، حيث تنتظر مصرَ أشواطٌ كثيرةٌ في ملف الوساطة، والصيغة التي يمكن أن تستقر عليها عند قبول إسرائيل بوقف طويل لإطلاق النار.
لم يكن الأمر مختلفا في تونس عن الجزائر، لأن العلاقات بين القاهرة وتونس بها الكثير من القواسم المشتركة حيال عدد من القضايا الإقليمية، ولا توجد مشكلة في أن يكون وزير الخارجية بدر عبدالعاطي حقق أهدافه في تطوير العلاقات وتنشيط التعاون والتنسيق في ملفي ليبيا ومكافحة الإرهاب، وثمّة تقارب كبير في آليات التعامل مع الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، ولا تريد تونس من ليبيا أكثر من حل أزمتها بطريقة متوازنة، وألاّ تكون لها روافد على أمن تونس، ما جعل ملف الإرهاب مهمّا، حيث تعاني تونس من ارتدادات ما يحدث في الأراضي الليبية، ومع ضخ معلومات تفيد وصول متطرفين من سوريا إلى ليبيا، أصبح أمن تونس قلقا.
◄ عندما يتحرك وزير الخارجية، أيّ وزير خارجية، ويذهب إلى دولة مّا، من الطبيعي أن يحمل في جعبته ملفات حيوية وعاجلة، وقد تحول بدر عبدالعاطي إلى ما يشبه المكوك، يقلع من القاهرة ثم يعود إليها سريعا
ولأن لدى مصر خبرة طويلة في مكافحة المتشددين وتتبعهم وجغرافيتهم، كان هذا الملف على طاولة مباحثات وزير خارجيتها في تونس، وهو أحد التفسيرات التي وجدت اهتماما من بعض المراقبين عندما وصل إليها، الأمر الذي غابت تفاصيله عن بيانات المتحدث باسم الوزير المصري، ما يعزز القناعات بأن مهمة أيّ متحدث أكبر من تجميل صورة جهة عمله، ومطلوب منه الإجابة عمّا يدور من تساؤلات في أذهان المتابعين وإن لم يسمعها منهم مباشرة، لأن الإجابات المبكرة تعصمه والجهة التي يمثلها من توابع التفسيرات الخاطئة، وتؤكد أن خطوات الدولة محسوبة بدقة.
في المحطة السعودية، حقق وزير خارجية مصر هدفا محوريا بمجرد أن وطأت قدماه الرياض، وأجلى ما تردد حول خلافات مع القاهرة، وأسهمت الحوارات المشتركة بينه وبين وزير خارجية السعودية في تنقية جوانب من الصورة الغامضة مؤخرا وأدت إلى الحديث عن توتر مكتوم في أزمة غزة، والموقف من إعمار القطاع، ومصير حماس، والتطبيع مع إسرائيل، ناهيك عن تداعيات الضربات الأميركية على جماعة الحوثي في اليمن وما تسببه من تهديدات في البحر الأحمر. وإن لم يتم التفاهم حول كل الجوانب في هذه القضايا، فالزيارة قطعت الشك باليقين في إمكانية التوصل إلى تفاهمات مشتركة تحقق مصالح كل طرف.
انتهت زيارة الرياض، وقد يكون تم إنجاز الهدف الظاهر منها، الخاص بإذابة بعض الجليد السياسي الذي تراكم، لكن ثمة تفسيرات ذهبت إلى أنه تم الوصول إلى تهدئة أكثر من الحديث عن استقرار، فتاريخ العلاقات بين البلدين يشهد هبوطا وصعودا مستمرين، ولا يشهد استقرارا طويلا دائما، ولا يصل التوتر حد القطيعة النهائية.
هناك قواعد ثابتة للخلاف، منها حصره في النقاط الفرعية والبعد عن القضايا المركزية التي تمسّ جوهر العلاقة بينهما، وربما يحدث خلاف في النواحي التفصيلية لآليات التعامل مع أزمات مثل، اليمن وغزة وسوريا وغيرها، ولا يصل إلى مستوى التنافر، لأن العلاقات إستراتيجية ووصلت إلى مرحلة يصعب معها الدخول في صدام. لذلك باتت جولات وزير خارجية مصر تخضع لتفسيرات متباينة. كل حسب ما يهواه ويراه.