تغير الأولويات عند المصريين يضرب سوق التجميل

تأثرت سوق مستحضرات التجميل في مصر بتدهور الأوضاع الاقتصادية وارتفاع الأسعار، ما أدى إلى تغيير المستهلكين لأولوياتهم بالابتعاد عن الكماليات، وهذا التراجع فتح المجال أمام انتشار واسع للمنتجات المهربة والمقلدة، التي غالبا ما تشكل خطرا على الصحة.
القاهرة - تركت الظروف المعيشية في مصر تأثيرها على مستحضرات التجميل التي تعد سلعة رائجة تقبل عليها مصريات كثيرات وتشكل احتياجا رئيسيا لهن بسبب تبدل الأولويات وارتفاع أسعار منتجات تأثرت بتراجع قيمة العملة المحلية.
ويستقبل سوق “الشابوري” الذي يضم نحو مئتي متجر متخصص في بيع مستحضرات التجميل زبائنه من محافظات مختلفة على مدار عقود سابقة، وهو الأشهر من بين مجموعة أسواق يتواجد بعضها بالقرب من منطقة وسط القاهرة تحولت إلى بؤر تستقطب فئات شعبية تجد احتياجاتها بأسعار زهيدة، تتماشى مع أوضاعها المادية، إذ تباع بعض المستحضرات ذات الفئة الرابعة أو الخامسة من حيث الجودة بأسعار أقل كثيرا من تلك التي تباع في الصيدليات والمحال الأخرى.
وتشهد منطقة وسط القاهرة بما فيها، العتبة والموسكي وحارة اليهود، وهي أماكن شهيرة للتجارة الشعبية بأنواعها المختلفة، ازدحاما من مواطنين يتجهون إليها على نحو أكبر لسد احتياجاتهم الحياتية، غير أن تعددها مع ثبات المداخيل بالنسبة إلى السواد الأعظم منهم وتوالي قفزات التضخم يجعل مستحضرات التجميل في مرتبة تالية مقارنة بميزانيات الطعام والشراب والتعليم والصحة والملبس.
ووسط سوق الشابوري يجلس التاجر علي أحمد أمام متجره، وفي الخلفية كان أحد مساعديه يضع المنتجات على الأرفف، ويقول لـ”العرب”، “رغم أننا في فترة أعياد للمسلمين والمسحيين، ليست هناك حركة بيع كبيرة على غير المعتاد”.
واردات مصر من مستحضرات التجميل انخفضت شكل كبير العام الماضي، وبلغت 14 مليار جنيه مقابل 20 مليار جنيه العام الذي سبقه
ويرجع ذلك إلى أن الشركات المنتجة رفعت الأسعار بشكل مبالغ فيه على التجار، ما اضطره إلى رفع الأسعار على الزبائن، ومرت فترة عيد الفطر دون أن يبيع بنفس الكمية المعتادة كل عام، وقد تناقص المقبلون على السوق بنسبة كبيرة.
ويُعيد ذلك إلى ارتفاع الأسعار للسلع الأساسية، مثل مواد الوقود، والأدوية، والغذاء، التي جعلت الفتيات ينصرفن عن شراء منتجات التجميل، والعناية بالجسم التي باتت من الرفاهيات لدى بعضهن، وقد يتم الامتناع عن الشراء نهائيا، أو تبحث السيدات عن الأقل سعرا لسلع يتم تصنيعها بلا رقابة على جودتها.
وتترجم تصريحات سابقة لرئيس شعبة مستحضرات التجميل بغرفة القاهرة التجارية محمود الدجوي ما ذهب إليه صاحب أحد المحال بالمنطقة الشعبية، إذ أكد أن واردات مصر من مستحضرات التجميل انخفضت شكل كبير العام الماضي، وبلغت 14 مليار جنيه مقابل 20 مليار جنيه العام الذي سبقه (الدولار= 51 جنيها).
وأكد أن الانخفاض يعود إلى عوامل اقتصادية لها تأثير مباشر على حجم الواردات في هذا القطاع، مثل أولوية توفير السيولة الدولارية للسلع الأساسية، والوضع الاقتصادي للمواطنين أنفسهم مع زيادة الأسعار وانكماش دخل الأفراد، معتبرا أن المصريين يفضلون شراء حاجاتهم الرئيسية بدلا من الإنفاق على مستحضرات التجميل.
ورغم التحذيرات المستمرة من خطورة شراء المستحضرات المقلدة حيث تحتوي على مواد كيميائية ضارة بالبشرة والشعر، إلا أنها كانت تشهد إقبالا واسعا، لكنه تراجع تحت تأثير الوضع الاقتصادي لدى شريحة من المواطنين.
انكماش وتداعيات
رصد عدد من مواقع التواصل الاجتماعي تداولت معلومات وصورا لأدوية تباع خارج الصيدليات المرخصة في أحد الأسواق
لفت محمود عز، أحد تجار الجملة بسوق الشابوري، إلى أنه يعمل في تجارة مستحضرات التجميل منذ عقود، ورثها عن والده، لكن قبل سنوات طويلة كانت معدلات الربح مرتفعة، لكنه صار يفكّر في وقف هذا النشاط والبحث عن نشاط آخر أفضل.
وأضاف لـ”العرب” أن انكماش سوق مستحضرات التجميل دفع بعض الشركات إلى أن تبيع بنفس قائمة الأسعار لتجار الجملة والتجزئة والزبائن، ما قلل هامش الربح لتاجر التجزئة، وقد لا يكون هناك ربح نهائيا، ما أسفر عن غلق الكثير من المحلات.
وأشار إلى أن إحدى شركات التجميل استعانت بحملة ترويجية ضخمة لمنتجاتها، في شهر رمضان الماضي، “وعقب الإعلان رفعت الشركة أسعار منتجاتها بنحو 40 في المئة، وهذا فارق سعر كبير لا يحقق ربحا للتجار، كما أن الزبون سيشتري بنفس السعر من منافذ بيع الشركة المنتشرة، فما الذي سيدفعه للشراء مني؟”
ويبدو واضحا أن السوق الشعبي تأثر بعوامل أخرى ذات طابع اقتصادي غير مباشرة، فأدوات التسويق والترويج لهذه المنتجات تعددت بشكل كبير على المنصات الرقمية، وثمة انتشار واسع لأسواق صغيرة تقوم ببيع هذه المستلزمات على الأرصفة في المناطق الشعبية، وهي غالبا مهربة أو منتهية الصلاحية، وتهدف للوصول إلى المواطنين بدلا من البحث عنها، ما جعل الأسواق الشهيرة تشعر بالتأثير السلبي لغياب الزبائن عن الشراء منها مباشرة.
وأعلنت هيئة الدواء المصرية مؤخرا أنها ضبطت مجموعة من الأشخاص بأحد الأسواق بالقاهرة بحوزتهم كميات من الفيتامينات ومستحضرات التجميل منتهية الصلاحية، ورصدت عددا من مواقع التواصل الاجتماعي تداولت معلومات وصورا بوجود أدوية تباع خارج الصيدليات المرخصة في أحد الأسواق العامة.
الاعتماد على الاستيراد
وقال شادي محمد، وهو أحد أصحاب محلات مستحضرات التجميل بسوق الشابوري لـ”العرب” إن بيع مستحضرات التجميل يعتمد على الاستيراد، بدءا من العبوة وحتى المادة الخام، والخطوة الوحيدة التي تتم في مصر هي تعبئة المواد في العبوات المخصصة لها، ولم تعد في السوق جهة يستورد منها سوى الصين.
وأوضح لـ”العرب” أن ارتفاع أسعار المستحضرات المستوردة جعل الطلب عليها متراجعا للغاية في الأسواق، ما جعله يعتمد على ما يتم تصنيعه محليا مع التوسع الذي حدث في حجم السوق المحلي.
وأشار إلى وجود شركات مصرية لها تاريخ في سوق مستحضرات التجميل والعناية بالبشرة والجسم، منحتها “المقاطعة” للمنتجات المستوردة من بعض الدول والشركات التي تدعم إسرائيل في حربها على قطاع غزة، الفرصة لتحسين منتجاتها وبيعها بأسعار تناسب ظروف المصريين، وقد حقق ذلك رواجا كبيرا لمنتجاتها.
وأدّى الارتفاع الجنوني في أسعار مستحضرات التجميل إلى ظهور أنواع شعبية تنتجها مصانع غير مرخصة، ووفقا لتصريحات أدلى بها رئيس شعبة مستحضرات التجميل باتحاد الصناعات، ماجد جورج، “لا يوجد في مصر سوى 80 مصنعا مرخصا لا تتعدي استثماراتها 6 مليارات جنيه بينما تجاوزت أعداد المصانع غير المرخصة الألف بحجم استثمارات يصل إلى 20 مليار جنيه.”
ولدى بعض المصريين ارتباط خاص بمستحضرات التجميل التي يعود تاريخ ظهورها إلى نحو ستة آلاف سنة قبل الميلاد، في عهد المصريين القدماء، حيث كانت المرأة الفرعونية تستخدم زيت الخروع وزيت الزيتون وماء الورد وكريمات شمع العسل للعناية بالبشرة والشعر، ووصفات تبييض البشرة وترطيبها، والكحل، ثم انتقلت مستحضرات التجميل إلى اليونان القديمة.
إقبال ما قبل الزواج

تعد منطقة الشابوري أحد أبرز المناطق التي تقبل عليها الفتيات قبل الزواج، وقالت السيدة صباح أبوالعلا التي جاءت من محافظة المنيا جنوب القاهرة لشراء مستحضرات التجميل والعطور وأدوات الزينة لابنتها العروس التي سينعقد قرانها عقب عيد الأضحى المقبل “رغم بُعد المسافة، قصدت هذا المكان، لتنوع منتجاته ورخص أسعاره، فيمكن أن أشتري كل ما يزم في حدود الإمكانيات”.
وأضافت “من عاداتنا أن نشتري للعروس حقيبة الماكياج تكون مصنوعة من القماش القطيفة ذات اللون الأحمر أو المخملي، وتحتوي على مستحضرات تجميل متنوعة، وتكفي العروس سنوات، ويتم وضعها على منضدة التزيين (تسمى بالتسريحة في العامية المصرية) وبجوارها تتراص عبوات العطر للعروسين، وكل ذلك يكون متاحا أمام القادمين للمباركة للعروسين صباح يوم زفافهما”.
وما يبرهن على عمق تأثير الوضع الاقتصادي في مصر على اتجاهات شراء مستحضرات التجميل أن حجم سوق الصناعة حول العالم يشهد نموا سريعا ووصل إلى 262.21 مليار دولار أميركي في العام 2022، بزيادة قيمتها 15 في المئة عن العام الذي سبقه، وفقا للبيانات التي نشرتها منصة “جرايد فيو ريسيرش” البحثية التي توقعت توسع السوق بمعدل نمو سنوي مركب بنسبة 4.2 في المئة حتى العام 2030.