هل نحن مستعدون للحياة في عالم خال من الوظائف

مقابل كل وظيفة يؤمنها الذكاء الاصطناعي يفقد البشر عشرات الوظائف.
الجمعة 2025/04/18
حضرت الروبوتات وغاب البشر

الحديث عن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد نقاش تقني عابر، بل محورًا هامًا في تحديد مستقبل البشرية. ومع تطور التقنيات، تغيّرت قناعات كانت تُعتبر ثابتة، باتت الوظائف التي كان يُنظر إليها يومًا على أنها بعيدة عن التهديد الأكثر عرضة لخطر الاستبدال.

لندن - لو سألت أي خبير قبل أربع سنوات عن إمكانية أن تحل الروبوتات محل العاملين في الرعاية الصحية، التسويق الرقمي، التمويل، واتخاذ القرارات، لجاءتك الإجابة بالنفي دون أي تردد.

بالنسبة إليهم، حينها، كانت الوظائف المهددة تقتصر على المهن التقليدية التي تعتمد على العمل اليدوي أو المهام القابلة للتكرار، حيث يكون من الأسهل والأكثر فعالية الاعتماد على الأتمتة، وأن تحل الآلات محل البشر في العديد من الصناعات والأعمال المنزلية.

هذه القناعات تبدلت اليوم. مع تطور تقنيات التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي، أصبح بإمكان الآلات تنفيذ مهام كانت في السابق تقتصر على البشر. في الحقيقة، باتت المهن التي كان يُنظر إليها يومًا على أنها بمنأى عن التهديد، أكثر المهن المهددة اليوم بزحف الذكاء الاصطناعي. سيذكر الجميع قريبًا أن كل شيء تبدل مع مولد روبوت الدردشة “تشات جي بي تي” الذي أطلقته “أوبن إيه آي” في 30 نوفمبر 2022.

سرعان ما اكتشف العالم الفرصة التي أتاحها استخدام روبوتات الدردشة لتحسين العمليات التجارية، مثل الرد على استفسارات العملاء، دعم المستخدمين، وإجراء الحجوزات أو معاملات التجارة الإلكترونية. هذا أدى إلى تقليل الحاجة إلى موظفين بشريين في مراكز الاتصال وخدمة العملاء.

25

في المئة من أفراد جيل "زد" الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و27 عامًا مهددون بفقدان الوظائف

ولم يقتصر الأمر على استبدال الوظائف ذات الطبيعة الروتينية، مثل إدخال البيانات، دعم العملاء، وبعض الوظائف الإدارية، بل استُخدمت أيضًا لإنشاء المحتوى، كتابة التقارير، وصياغة الإعلانات، مما قلل من الوقت والجهد المطلوب من الكُتاب البشر.

مع تحسين القدرة على إنشاء نصوص، صور، وموسيقى، دخل الذكاء الاصطناعي في تنافس مباشر مع البشر في المجالات الإبداعية، مثل كتابة السيناريوهات وتصميم الرسومات. وتابعنا جميعًا المخاوف التي دفعت العاملين في هذا القطاع للخروج إلى الشارع في وقفات احتجاجية لم تثمر عن شيء.

القائمون على صناعة الذكاء الاصطناعي حاولوا بث الطمأنينة في النفوس بإقناعنا أن الذكاء الاصطناعي سيؤدي إلى خلق وظائف جديدة، مثل إدارة نظم الذكاء الاصطناعي، تحسين وتدريب النماذج الذكية، وأدوار إشرافية لضمان الاستخدام الأخلاقي للتقنية. وأن البشر سيكون بإمكانهم التركيز أكثر على الوظائف التي تحتاج إلى تفكير إستراتيجي، مهارات عاطفية، أو تفاعل مباشر، بينما تُترك المهام الميكانيكية للذكاء الاصطناعي.

الواقع على الأرض أثبت وهم الادعاءين، فمقابل كل وظيفة يمكن أن يؤمنها الذكاء الاصطناعي، يفقد البشر عشرات الوظائف.

ما هو ثابت حتى الآن هو وجود اختلافات واضحة بين الأجيال من حيث تعرضهم للتحديات الناتجة عن الذكاء الاصطناعي، حيث أكدت دراسة حديثة أن أبناء جيل معين هم الأكثر عرضة للخطر. فما هو هذا الجيل؟

وفقًا للدراسة التي أجرتها شركة “شاديكس”، وهي منصة تعتمد على الذكاء الاصطناعي في تطوير محركات البحث، جيل الألفية، الذين تتراوح أعمارهم بين 28 و43 عامًا، هم الأكثر عرضة لتأثيرات هذا التحول التكنولوجي.

مع تطور تقنيات التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي أصبح بإمكان الروبوتات تنفيذ مهام كانت في السابق تقتصر  على البشر
مع تطور تقنيات التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي أصبح بإمكان الروبوتات تنفيذ مهام كانت في السابق تقتصر على البشر

وهذا الجيل يشغل بشكل كبير مناصب متوسطة في الصناعات التي تشهد حاليًا استثمارًا كبيرًا في الذكاء الاصطناعي، مثل التسويق الرقمي، التمويل، الإدارة، وعمليات دعم العملاء. ومع ازدياد قدرة الذكاء الاصطناعي على أتمتة العديد من هذه المهام، مثل تحليل البيانات، إدارة المشاريع، وحل المشكلات الروتينية، فإن العديد من الوظائف التي يشغلها أفراد هذا الجيل قد تصبح زائدة عن الحاجة. وتشير الدراسات إلى أن 38 في المئة من أفراد جيل الألفية قد يتعرضون لخطر فقدان وظائفهم بسبب التطور السريع للتقنيات الذكية.

أما بالنسبة إلى جيل “زد”، الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و27 عامًا، فقد أظهرت الدراسة أن تعرضهم للخطر قد يصل إلى 25 في المئة. لكن أفراد هذا الجيل قد يكونون في وضع أفضل للتكيف مع التغيرات التكنولوجية. وتتميز هذه الفئة بقدرتها الكبيرة على استخدام التكنولوجيا وفهمها بسرعة، مما يسهل عليها التكيف مع بيئة العمل الجديدة التي يهيمن عليها الذكاء الاصطناعي. كما أن الكثير من شباب هذا الجيل يسعون إلى اكتساب مهارات جديدة في مجالات مثل البرمجة، تحليل البيانات، وإدارة الذكاء الاصطناعي، مما يمنحهم ميزة تنافسية في سوق العمل المستقبلي.

أما أفراد جيل “إكس”، الذين تتراوح أعمارهم بين 44 و59 عامًا، فيأتون في المرتبة الثالثة من حيث التأثر بمعدل 20 في المئة. ويشغل العديد من أفراد هذا الجيل مناصب قيادية وإدارية في مختلف القطاعات، لكن التحدي الأكبر الذي يواجهه هذا الجيل يكمن في صعوبة التكيف مع التقنيات المتطورة، حيث قد يواجه البعض صعوبة في إعادة تعلم المهارات المطلوبة للعمل في بيئة سريعة التغير. وبالنسبة للبعض، قد تكون مشكلة الانتقال إلى أدوار تتطلب مهارات تكنولوجية متقدمة تحديًا كبيرًا.

بالإضافة إلى ذلك، يشير العديد من الخبراء إلى أن تأثير الذكاء الاصطناعي قد لا يقتصر على العاملين في القطاعات التقليدية. فعلى سبيل المثال، قد تؤثر الثورة الصناعية الجديدة على العمالة في مجالات الرعاية الاجتماعية، التعليم، والإبداع الفني. لذا فإن تسريع عملية تدريب الأفراد وتزويدهم بالمهارات اللازمة قد يكونان الحل الأمثل لتخفيف تأثيرات الذكاء الاصطناعي، والاستعداد للحياة في عالم خال من الوظائف.

12