كل طرق غزة تؤدي إلى التهجير.. ولكن

المشكلة في حركة حماس أن لديها اعتقادا أن قيامها بتسليم الأسرى لن يوقف إسرائيل أو يجبرها على عدم استئناف الحرب في أي وقت تريده، والأسرى هم ورقتها الأخيرة التي تستطيع المساومة بها.
الثلاثاء 2025/04/15
الهدف تفريغ غزة من سكانها

وجدت الحكومة الإسرائيلية المتطرفة في مقترح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن تهجير سكان قطاع غزة هدفا إستراتيجيا يعفيها من مجموعة أهداف متناثرة ومتناقضة تبنتها منذ اندلاع الحرب على حركة حماس، ولم تعد في حاجة إلى التشدد كثيرا لإطلاق سراح المحتجزين وإن كان هذا الهدف موضوع في مقدمة الطاولة، أو اجتثاث حماس من جذورها ونزع سلاحها وإبعاد قياداتها عن القطاع، فالعنوان الكبير والبراق للتهجير يوجب كل ذلك ويوفر ذريعة جيدة لإسرائيل لتحمل الضغوط الداخلية والخارجية، ويمنح قوات الاحتلال فرصة لإطالة أمد الحرب والتلاعب بالمفاوضات.

يخدم تقطيع أوصال غزة وتحويلها إلى فقاعات هدف التهجير الذي بات شعارا لدى الحكومة الإسرائيلية، يُضاف إليه محو ما تبقى من وسائل للحياة البشرية عبر استهداف المستشفيات وقطع المياه والكهرباء، ليضطر السكان إلى طلب اللجوء إلى الخارج بأنفسهم، فالوضع المأساوي الراهن أشد بؤسا مما كان سابقا.

بعد انتهاء فترة الهدنة واستئناف الحرب في مارس الماضي، اتبعت رئاسة الأركان في إسرائيل منهجية تعتمد على زيادة تضييق الخناق على حماس، وكل سكان غزة.

◄ قد يكون عنصر الوقت الذي يضغط على رئيس الحكومة الإسرائيلية عاملا إيجابيا، فإذا لم يتمكن من تحقيق هدف التهجير خلال فترة وجيزة سوف يواجه بواقع جديد يمكن أن يعيقه

لجأت قوات الاحتلال في عملياتها إلى انتقاء أهداف محددة، وأصبحت ضرباتها أقل عشوائية، حيث لديها خطة واضحة هذه المرة، قد تنجح أو تخفق لا يهم. المهم أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وجد ضالته فيها، بعد فترة من التخبط في رمال غزة، جعلته عرضة لاتهامات حادة من خصومه حول غموض رؤيته، وعدم وجود أجندة واضحة في جعبته، ومع تبني شعارات للتهجير علنا ورسميا والقيام بخطوات معينة لتنفيذها، تراجعت الضغوط نسبيا حول ما يقوم به داخل القطاع.

تنصبّ الانتقادات حاليا على آليات الإفراج عن المحتجزين، وكل المظاهرات التي تعم تل أبيب ومدنا أخرى من وقت إلى آخر لا يهمها ما يقوم به جيش الاحتلال من تصرفات إجرامية وانتهاكات إنسانية، سوى في الحدود التي تساعد على تحرير الأسرى من خلال عملية تفاوضية وليس عمليات عسكرية.

غرض معارضي استمرار الحرب وحث نتنياهو على العودة للحوار غير المباشر مع حماس عن طريق الوسيطين المصري والقطري، هو منع وقوع أضرار على المحتجزين تؤدي إلى هلاكهم، نتيجة توجيه القصف على مناطق في جنوب غزة، يحتمل أن يتواجد فيها عدد كبير منهم، وفقا لروايات فلسطينية وإسرائيلية.

عادت إسرائيل إلى فرض سيطرتها على غزة بضراوة، شمالا وجنوبا، وشرقا وغربا، وفرضت طوقا عسكريا من كل الاتجاهات، وحرمت القطاع من المنفذ الوحيد الذي يربطه بالعالم عن طريق الحدود مع مصر، وتسعى إلى فرض جغرافيا جديدة في المنطقة، لا تجعل هناك حدودا مباشرة بين رفح الفلسطينية ونظيرتها المصرية، ما يخل ببروتوكولات وملاحق اتفاقية السلام الموقعة بين تل أبيب والقاهرة عقب انسحاب إسرائيل من القطاع منذ نحو عقدين.

تريد إسرائيل من التطويق الحاصل في رفح، تطبيق خطة جنرالات أخرى في جنوب القطاع، على غرار شقيقتها المقترحة لشماله، لإجبار السكان على طلب التهجير، ومنح مصداقية لروايتها السابقة حول دخول أسلحة إلى حماس من مصر عبر أنفاق تحت الأرض، أكدت القاهرة أكثر من مرة تدميرها منذ سنوات.

◄ على الوساطة أن تستفيد من رغبة الرئيس ترامب حدوث تهدئة قبل زيارته للسعودية الشهر المقبل

تمنح السيطرة على الحدود في جنوب القطاع أهمية لما ردده مسؤولون في إسرائيل حيال تسريب الأسلحة أو إحراج مصر لتقبل الوضع والتعايش معه إلى حين الانتهاء من مهمة التهجير، التي وجدت قوات الاحتلال طرقا أخرى لها، بخلاف الحدود مع مصر وتدفق الغزيّين نحو أراضيها بسبب شدة المعاناة الإنسانية، وقد هيأت إسرائيل الأجواء لخروجهم برا وبحرا وجوا بمعرفتها، بعد أن أنشأت وحدة للمغادرين بوزارة الدفاع، زودتها بكل ما تحتاجه لتسهيل مهمة خروج الفلسطينيين.

يتوقف حدوث ذلك على حجم صمود الفلسطينيين في غزة، وبعيدا عن قبولهم أو رفضهم لإدارة وسياسات حركة حماس، فالمسألة تجاوزت المواقف الأيديولوجية، فهناك وضع إنساني خطير يتطلب إيجاد حلول سريعة له، إذ تستثمر إسرائيل في هذه الحالة وتحاول توظيفها لإجبارهم على الرحيل، لأن الحديث تواتر من جانب الولايات المتحدة وإسرائيل حول وجود دول أو شبه دول تقبل باستقبالهم، ما يعني تصميما على تنفيذ مقترح ترامب، وما لحق به من تراجعات لا يكفي لاستبعاده من أجندة إسرائيل.

بدأت الوساطة المصرية – القطرية تطرح حلولا عملية كي توقف زحف مخطط التهجير، وإيجاد حلول وسط بين المبادرات التي أعلن عنها، لتنفذ منها نحو تقديم صيغة تحظى بقبول إسرائيل وحماس، حيث تعمل الأولى بجدية على ضرورة استسلام الحركة، التي لن تقبل ذلك أبدا، ما يشير إلى المزيد من التقتيل لسكان غزة، بما يصب في بوتقة التهجير، ويكرس أمرا واقعا بموجب ما جرى من تقطيع لأوصال غزة، وتوسيع نطاق المناطق الأمنية العازلة، التي قضمت نحو 20 في المئة من مساحة القطاع.

◄ تقطيع أوصال غزة وتحويلها إلى فقاعات يخدم هدف التهجير الذي بات شعارا لدى الحكومة الإسرائيلية، يُضاف إليه محو ما تبقى من وسائل للحياة البشرية

لا يعني أن كل طرق غزة تقود إلى التهجير أن يستسلم الفلسطينيون تماما أو تنفض الوساطة المصرية – القطرية، أو يتم إهمال الخطة العربية لإعادة إعمار غزة، على العكس، تفرض الممارسات الإسرائيلية الممنهجة زيادة تفعيل هذه الأدوات، فسكان غزة في حاجة إلى إدخال المساعدات ليتمكنوا من الصمود، وهذا يتأتّى من خلال الضغط على إسرائيل وربط أيّ تطور للعلاقات السياسية معها في المستقبل بهذا المحدد.

وعلى الوساطة أن تستفيد من رغبة الرئيس ترامب حدوث تهدئة قبل زيارته للسعودية الشهر المقبل وتقديم طرح يفضي إلى هدنة جديدة، تساعد الفلسطينيين على التقاط أنفاسهم.

المشكلة في حركة حماس، أن لديها اعتقادا جازما أن قيامها بتسليم الأسرى دفعة واحدة أو على دفعتين لن يردع إسرائيل أو يجبرها على عدم استئناف الحرب في أيّ وقت تريده، والأسرى هم ورقتها الوحيدة والأخيرة التي تستطيع المساومة بها، لكنها تحولت إلى عبء يكبّد حماس خسائر فادحة بعد أن حشرها نتنياهو في زاوية ضيقة، جعل عدم تسليم الأسرى أزمة وتسليمهم أزمة أكثر تعقيدا، لأن الهدف الكبير هو تفريغ غزة من سكانها، والوصول إلى ذلك في رأي قوات الاحتلال يحتاج إلى المزيد من العنف وتكبيد الشعب الفلسطيني خسارة فادحة مضاعفة.

قد يكون عنصر الوقت الذي يضغط على رئيس الحكومة الإسرائيلية عاملا إيجابيا، فإذا لم يتمكن من تحقيق هدف التهجير خلال فترة وجيزة سوف يواجه بواقع جديد يمكن أن يعيقه، فالمظاهرات تزداد حوله، واحتجاجات الجنود والضباط على القتال مستمرة، وترامب لم تعد لديه رفاهية في الوقت الذي يمنحه لنتنياهو لينتهي من مهمته، ولا يفصل الرئيس الأميركي سوى أيام قليلة عن زيارة المنطقة.

8