الذكاء الاصطناعي يضاعف طلب مراكز البيانات على الكهرباء

أصبح الذكاء الاصطناعي على مدى السنوات الماضية أكثر حضورا في الأنشطة اليومية، ما يحفز على الاستخدام المتزايد للهواتف وأجهزة الكمبيوتر المنزلية، وهو ما دفع بالكثيرين إلى التفكير في مقدار الطاقة اللازمة لإنجاز ذلك، وفي أحدث تقاريرها ترى الوكالة الدولية للطاقة أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي ستؤدي إلى زيادة طلب مراكز البيانات في أنحاء العالم على الكهرباء مع فتح فرص كبيرة لخفض التكاليف وتعزيز القدرة التنافسية والحد من الانبعاثات.
باريس - كشفت الوكالة الدولية للطاقة في تقرير أصدرته مؤخرا أن استهلاك الكهرباء يتوقع أن يرتفع في مراكز البيانات بسبب تطبيقات الذكاء الاصطناعي بـ”أكثر من الضعف” بحلول عام 2030.
ووفقا لأول تقرير للوكالة بخصوص انعكاسات الذكاء الاصطناعي على الطاقة، فإنه يمكن لهذا الذكاء أن يفتح في الوقت نفسه مجالات أمام إنتاج الكهرباء واستهلاكها بطريقة أكثر فاعلية.
وبلغت حصة مراكز البيانات من استهلاك الكهرباء العالمي حوالي 1.5 في المئة في 2024، لكن الرقم ارتفع بنسبة 12 في المئة سنويا خلال السنوات الخمس الماضية. ويتطلب الذكاء الاصطناعي التوليدي قوة حوسبة هائلة لمعالجة المعلومات المتراكمة في قواعد بيانات ضخمة.
وأظهرت عدة دراسات أن الذكاء الاصطناعي على وجه الخصوص يعتبر مستهلكا هائلا للطاقة، وقد ألقى توسع هذه التقنية السريع أكثر من علامة استفهام حول خطط إزالة الكربون في قطاع التكنولوجيا، حيث يستهلك الذكاء الاصطناعي وحده من الطاقة كميات تعادل ما تستهلكه بعض البلدان المتقدمة بأكملها.
وتمثل الولايات المتحدة وأوروبا والصين مجتمعة حاليا حوالي 85 في المئة من استهلاك مراكز البيانات.
الذكاء الاصطناعي يمكنه أن يفتح عدة مجالات في الوقت نفسه أمام إنتاج الكهرباء واستهلاكها بطريقة أكثر فاعلية
أصبح الذكاء الاصطناعي على مدى السنوات القليلة الماضية أكثر حضورا في الأنشطة اليومية، مثل منحه الإجابات على أسئلتنا وطلباتنا عبر أليكسا أو سيري، أو تحديد الأشخاص من خلال الصور، أو توجيههم عبر خرائط غوغل، وكلها خاصيات متوفرة على الهواتف وأجهزة الكمبيوتر المنزلية، لكن قلة من الناس يفكرون في مقدار الطاقة اللازمة لإكمال هذه المهام التي تبدو بسيطة.
وتُدرك شركات التكنولوجيا الكبرى بشكل متزايد حاجتها المتزايدة إلى الطاقة. ووقّعت غوغل العام الماضي اتفاقا للحصول على الكهرباء من مفاعلات نووية صغيرة لتعزيز دورها في سباق الذكاء الاصطناعي.
وستستخدم مايكروسوفت الطاقة من مفاعلات جديدة في جزيرة الثلاثة أميال (ثري مايل)، موقع أسوأ حادث نووي في الولايات المتحدة عندما حصل انصهار نووي في 1979.
وبالمعدلات الحالية، ستستهلك مراكز البيانات نحو 3 في المئة من الطاقة العالمية بحلول 2030، وفق التقرير. وسيصل استهلاك تلك المراكز للكهرباء إلى 945 تيراواط/ ساعة بحلول 2030.
ووفقا للتقرير، يفوق ذلك “بقليل إجمالي استهلاك اليابان من الكهرباء حاليا. والذكاء الاصطناعي هو المحرك الأهم لهذا النمو، إلى جانب الطلب المتزايد على الخدمات الرقمية الأخرى”.
وأورد التقرير أن مركز بيانات واحدا بقدرة 100 ميغاواط يمكنه استهلاك طاقة تعادل ما يحتاج إليه 100 ألف منزل. لكنه أشار إلى أن مراكز البيانات الجديدة، قيد الإنشاء حاليا، قد تستهلك بقدر ما يمكن أن يستهلكه مليونا منزل.
وقالت الوكالة ومقرها في باريس إن “الذكاء الاصطناعي لديه القدرة على الانتقال بقطاع الطاقة في العقد المقبل، ما يؤدي إلى زيادة طلب مراكز البيانات في أنحاء العالم على الكهرباء مع فتح فرص كبيرة لخفض التكاليف وتعزيز القدرة التنافسية والحد من الانبعاثات”.
وأفادت الوكالة بأن نمو مراكز البيانات سيؤدي حتما إلى زيادة انبعاثات الكربون المرتبطة باستهلاك الكهرباء، من 180 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون حاليا إلى 300 مليون طن بحلول عام 2035. ولا تزال هذه النسبة ضئيلة من الانبعاثات العالمية الإجمالية في عام 2024 والتي قدّرت بـ41.6 مليار طن.
وفي العام الماضي، وجد بحث أجرته جامعة ماساتشوستس أمهرست الأميركية أن عملية تدريب نموذج واحد للذكاء الاصطناعي يمكن أن تتسبب في انبعاث 320 طنا من ثاني أكسيد الكربون، أي ما يعادل انبعاثات 5 سيارات طوال عمرها.
وخلص البحث ذاته إلى أن عملية تدريب “جي.بي.تي – 3″، إحدى تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، تطلبت استهلاك 1287 ميغاواط/ ساعة من الكهرباء، وانبعاث 502 طن من ثاني أكسيد الكربون.
وكانت وكالة الطاقة الدولية رجحت في فبراير الماضي نمو الطلب العالمي على الكهرباء بنحو 4 في المئة سنويا بحلول نهاية عام 2027، لكن التوسع في الاعتماد على مصادر الطاقة منخفضة الانبعاثات من شأنه أن يساعد في مواكبة هذا الاتجاه.
ويرجع الارتفاع في المقام الأول إلى الاستخدام المتزايد والقوي للكهرباء في الإنتاج الصناعي، وزيادة الطلب على تكييف الهواء، وتسريع التحول الأخضر بقيادة قطاع النقل، والتوسع السريع لمراكز البيانات.
وارتفع استهلاك الكهرباء في الصين بنسبة 7 في المئة في عام 2024. وقد تم دعم نمو الطلب جزئيا من الصناعة، حيث لعب التصنيع المكثف للكهرباء والألواح الشمسية والبطاريات والمركبات الكهربائية والمواد المرتبطة بها دورا مهما إلى جانب القطاعات التقليدية كثيفة الطاقة.
واجتمع أكثر من 300 خبير من الداخل والخارج في ندوة عقدت في بكين، مؤخرا، لاستكشاف سبل لتسريع تحويل وتحديث أنظمة الكهرباء العالمية من خلال التقنيات الرقمية والذكية.
وجمعت الندوة، التي شاركت في استضافتها منظمة التنمية والتعاون للربط العالمي للطاقة (جيدكو) وصحيفة أخبار الطاقة الصينية، ممثلين عن أكثر من 100 شركة وجامعة ومؤسسة بحثية في أكثر من 20 دولة. وناقش المشاركون إستراتيجيات أنظمة الكهرباء النظيفة والآمنة والفعالة والذكية.
وأكد الخبراء وفق وكالة الأنباء الصينية (شينخوا) أن شبكة الكهرباء المرنة والذكية الرقمية ضرورية لبناء نظام جديد للكهرباء والطاقة، وأشاروا إلى أن هذه الشبكة تمثل مسارا حاسما نحو تطوير شبكة إنترنت عالمية للطاقة، واتجاها رئيسيا لمستقبل البنية التحتية للطاقة.
وأطلقت المنظمة كذلك كتابا بعنوان “شبكات الكهرباء المرنة الذكية والرقمية” خلال الندوة. ويحدد الكتاب دور شبكة الكهرباء في مشهد الطاقة المتغير، ويدرس التحديات الجديدة، ويقدم حلولا صينية لتعزيز التنمية الآمنة والنظيفة والفعالة والمستدامة لأنظمة الطاقة العالمية.
وتعد منظمة التنمية والتعاون للربط العالمي للطاقة أول منظمة دولية تطلقها الصين في مجال الطاقة. وتلتزم المنظمة، التي يقع مقرها في بكين، بتعزيز تطوير مبادرة لتلبية الطلب العالمي على الطاقة الكهربائية ببدائل نظيفة وخضراء.
ويرى بعض الخبراء أن الذكاء الاصطناعي يواجه تحديا رئيسيا يتمثل في استهلاكه المكثف للطاقة، إلا أنه يُعد في الوقت ذاته أداة قوية لحل العديد من المشكلات البيئية، عبر تعزيز استخدام الطاقة الخضراء وتقليل الانبعاثات الكربونية.