"العالم وفقا للذكاء الاصطناعي" في معرض باريسي

مستقبل الإبداع الفني في عصر التكنولوجيا الرقمية.
الجمعة 2025/04/11
تركيب سمعي بصري باستخدام الذكاء الاصطناعي

في أكثر من 50 عملًا فنيا تشمل صورا فوتوغرافية ومنحوتات وأفلاما، تم إنشاؤها باستخدام الذكاء الاصطناعي، يسلط معرض باريسي الضوء على تحولات جذرية أحدثتها تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجال الإبداع الفني والثقافة البصرية.

باريس - مع التقدم الهائل في تقنيات الذكاء الاصطناعي، بدأنا نشهد تحولًا جذريًا في مجال الإبداع الفني. فمن اللوحات الرقمية إلى الموسيقى والأفلام، أصبح الذكاء الاصطناعي قوة مهيمنة تعيد تشكيل الطريقة التي يُبدع بها الفنانون. وهذه التقنيات لا تقتصر فقط على تسهيل العملية الإبداعية، بل بدأت تدخل في جوهر الإبداع نفسه، مغيرةً مفاهيمنا التقليدية للفن ودور الإنسان فيه.

يشكّل الذكاء الاصطناعي، من أصوله إلى استخداماته الحالية مرورا ببنيته التحتية وما يطرحه من تحديات سياسية ومجتمعية وأخرى تتعلق بالأخلاقيات، محور معرض يُفتتح الجمعة في باريس.

ويُعرض في متحف “جو دو بوم" (Jeu de Paume) حتى سبتمبر المقبل نحو 50 عملا تطرح موضوع هذه التكنولوجيا التي أحدثت تحولا كبيرا في علاقة الناس بالواقع، من بينها صور فوتوغرافية ومنحوتات وأفلام قصيرة أنشئت غالبا بمساعدة الذكاء الاصطناعي.

والذكاء الاصطناعي الموجود في المجال العلمي منذ نحو 70 عاما أصبح ملموسا لعامة الناس في عام 2022 مع ظهور “تشات جي بي تي” على المسرح العالمي.

ولاحظ أمين المعرض أنتوميو سوميني في تصريح لوكالة فرانس برس أن “خوارزميات الذكاء الاصطناعي تنفذ عمليات أكثر فأكثر استقلالا، بعدما تتلقى تدريبا بواسطة كميات هائلة من البيانات والنصوص والصور، وتتسلل إلى المجتمع في كل مكان.”

ورأى أن “النظر إلى ما يحدث من خلال الصور والثقافة البصرية والفن المعاصر هو أحد أكثر الطرق وضوحا وسهولة للتفكير في تأثير الذكاء الاصطناعي على مجتمعاتنا.” وينقسم المعرض الذي أُطلقَ عليه عنوان “العالم وفقا للذكاء الاصطناعي" Le monde selon l’IA إلى 11 قسما موضوعيا.

وتتناول الأقسام مثلا البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، أي مراكز البيانات التي تستهلك الكثير من الطاقة والمياه، والنفايات التي تنتجها التكنولوجيا الرقمية، والعاملين في هذا المجال في الظل لفهرسة وتنظيم البيانات اللازمة لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي.

◙ الشيء المؤكد هو أن العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والفن ستظل مليئة بالإمكانات والتحديات على حد سواء
◙ الشيء المؤكد هو أن العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والفن ستظل مليئة بالإمكانات والتحديات على حد سواء

ويتناول المعرض أيضا الذكاء الاصطناعي التوليدي، القادر على إنتاج أنواع مختلفة من المحتوى بناء على استعلام بسيط باللغة اليومية. ويخصص المعرض حيّزا كبيرا للأخطاء التي تسمى "هلوسات" الذكاء الاصطناعي.

وفي السنوات الأخيرة، أصبحت أدوات الذكاء الاصطناعي مثل DALL·E  وMidJourney في الفن البصري، وAIVA  في الموسيقى، شائعة بين الفنانين المحترفين والهواة على حد سواء. وتقدم هذه الأدوات للفنانين إمكانيات واسعة لتجربة أنماط جديدة أو إنجاز أعمال تتجاوز إمكانياتهم التقليدية.

 ويمكن للذكاء الاصطناعي أن يُنشئ أعمالًا فنية كاملة بناءً على وصف نصي بسيط. فعلى سبيل المثال، يمكن للفنان أن يصف منظرًا طبيعيًا خياليًا ليقوم النظام بإنشاء لوحة تعتمد على هذا الوصف. والذكاء الاصطناعي قادر على محاكاة أساليب فنية مشهورة مثل أسلوب بيكاسو أو فان جوخ، مما يتيح للفنانين التجريب بأساليب تاريخية.

بالإضافة إلى خلق أعمال جديدة، يمكن للذكاء الاصطناعي مساعدة الفنانين في تحسين أعمالهم الموجودة. فالتقنيات مثل تحسين الصور وإزالة التشويش، وكذلك تحليل البيانات الموسيقية لتحسين الأنماط الإيقاعية، أصبحت شائعة بشكل متزايد.

وتستخدم تطبيقات الذكاء الاصطناعي لتحليل الأنماط الموسيقية واقتراح تحسينات أو إضافات. و يمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي أن تملأ فجوات في اللوحات أو حتى تعيد بناء أعمال قديمة من خلال تحليل بياناتها.

فإحدى النقاط المثيرة للجدل هي مدى مساهمة الذكاء الاصطناعي في جوهر العملية الإبداعية. بينما يرى البعض أن استخدام هذه التقنيات مجرد امتداد للأدوات التقليدية، ويرى آخرون أن الذكاء الاصطناعي يُظهر نوعًا جديدًا من “الإبداع”.

50

عملا تطرح موضوع التكنولوجيا الذكية التي أحدثت تحولا كبيرا في علاقة الناس بالواقع

ويمكن لبعض نماذج الذكاء الاصطناعي أن تنتج أعمالًا دون تدخل بشري يُذكر. فعلى سبيل المثال، قام الذكاء الاصطناعي بتأليف مقطوعات موسيقية حازت إعجاب الجمهور، مما يثير التساؤلات حول ما إذا كانت هذه الأعمال “إبداعًا” حقيقيًا.

ويتمثل الجانب الإيجابي في أن تقنيات الذكاء الاصطناعي تجعل الفن أكثر ديمقراطية؛ فهي تُمكّن الأفراد الذين ليس لديهم تدريب فني تقليدي من إنشاء أعمال ذات جودة عالية.

وعلى الرغم من الفوائد الكبيرة، هناك عدد من المخاوف المتعلقة بتأثير الذكاء الاصطناعي على الفن والإبداع وفقدان الأصالة حيث يخشى البعض من أن يؤدي استخدام الذكاء الاصطناعي إلى طمس الحدود بين العمل البشري والعمل الميكانيكي، مما يفقد الفن جوهره الإنساني، وهناك مخاوف قانونية بشأن حقوق الملكية، حيث أن الذكاء الاصطناعي يعتمد على تحليل كميات هائلة من البيانات (بما في ذلك الأعمال المحمية بحقوق الطبع).

وقد يعتمد الفنانون بشكل كبير على هذه التقنيات، مما يقلل من الحاجة إلى تعلم المهارات الفنية التقليدية. مع كل هذه المخاوف، يمكن أيضًا اعتبار الذكاء الاصطناعي مصدرًا جديدًا للإلهام. فعلى سبيل المثال، يمكن للفنانين أن يستلهموا من الأخطاء أو “الهلوسات” التي تنتجها هذه الأنظمة، وهي أعمال غير متوقعة نتيجة لتحليل البيانات.

فالمستقبل يبدو واعدًا ومثيرًا. وسيظل الذكاء الاصطناعي شريكًا للفنانين بدلاً من أن يحل محلهم. وستكون هناك تطورات تساعد الفنانين على تجاوز حدودهم التقليدية، لكن يبقى دور الفنان كصانع للأفكار ومحرك للإبداع البشري هو الجوهر.

ومع استمرار الابتكار في هذا المجال، سنرى كيف ستتغير مفاهيمنا عن الفن والإبداع. فالشيء المؤكد هو أن العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والفن ستظل مليئة بالإمكانات والتحديات على حد سواء.

اقرأ أيضا: 

الذكاء الاصطناعي الخارق هنا.. هل نحن مستعدون له

12