أصوات التنمية والسلام تعلو في مصر على التوترات مع إسرائيل

جذب الاستثمارات الأجنبية يتعارض مع حديث القاهرة عن اقتصاد الحرب.
الخميس 2025/04/10
تساؤلات حول إمكانية الانخراط في حرب على الحدود الشرقية مع إسرائيل

في الوقت الذي تركز فيه الحكومة المصرية على دعم السياحة وزيادة الاستثمارات كأولوية، تبقى الأوضاع الأمنية والضغوط الاقتصادية محور النقاش حول قدرة مصر على المضي قدما في خيارات التنمية دون أن يطغى عليها خطر التصعيد العسكري.

القاهرة - تمر الأوضاع في مصر بحالة من الشد والجذب بين “اقتصاد الحرب” الذي تحدث عنه رئيس الحكومة مصطفى مدبولي، وبين تعزيز جهود جذب الاستثمارات الأجنبية واستكمال خطوات التنمية التي بدأتها الدولة منذ سنوات وسط ظروف معيشية ضاغطة، ما يربك شريحة من المواطنين بشأن مستقبلها مع تساؤلات حول إمكانية الانخراط في حرب على الحدود الشرقية مع إسرائيل.

واتخذت الحكومة المصرية خطوات تشير إلى أن أصوات التنمية والسلام تعلو على التوترات العسكرية أو دخول مرحلة اقتصاد الحرب، مع التركيز على خطط جذب السياح وزيادة الاستثمارات الأجنبية، والترتيب لاستضافة العديد من الفعاليات في الفترة المقبلة، ما يتماشى مع توجهات مواطنين ينتظرون تحسين أوضاعهم المعيشية وجني عوائد سنوات سابقة اتخذت فيها قرارات صعبة.

حسن سلامة: الاستمرار في دعم جهود التنمية يحافظ على الأمن القومي
حسن سلامة: الاستمرار في دعم جهود التنمية يحافظ على الأمن القومي

وعقدت النسخة التاسعة من قمة “صوت مصر” في أحد المنتجعات السياحية على ساحل البحر الأحمر الثلاثاء، وركزت على البحث عن رؤى لتطوير مجالات السياحة والاستثمارات والرياضة، وسلطت الضوء على الفرص الواعدة التي تمتلكها مصر لدعم الاقتصاد، مع تمثيل حكومي واسع ورسم صورة تبدو فيها الحكومة مهتمة بفرص تطوير حقيقية.

وقال الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة في مصر حسام هيبة إن الحكومة المصرية وضعت مستهدفات طموحة للسنوات المقبلة، من ضمنها جذب 60 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ورفع قيمة الصادرات إلى 145 مليار دولار، وتحقيق مساهمة للقطاع الخاص تصل إلى 65 في المئة من إجمالي الاستثمارات بحلول عام 2030.

ويقول متابعون إن من يدعمون الشعبوية في شكل مساندة قطاع غزة في وجه آلة الحرب الإسرائيلية يدركون أن خيارات الحكومة صعبة، لأن الانخراط في دعم الجهد العسكري تمت تجربته في حروب خاضتها مصر ضد إسرائيل، وهناك اقتناع بأن الوضع الاقتصادي في حاجة إلى أدوات تخلق قدرة على التعامل مع التحديات الخارجية.

وتعلم قطاعات شعبية أن الحفاظ على مؤسسات الدولة باعتبارها حامية لجهود التنمية مقدم حاليا على غيره، في ظل اشتعال الحدود مع بعض دول الجوار، ويمكن أن يقود ذلك إلى سيولة أمنية مشابهة في الداخل، وأن سنوات الحرب ضد الإرهاب تأثيراتها مستمرة، وتضاعفت التداعيات الاقتصادية مع تصاعد التوترات في المنطقة.

وهناك أصوات مصرية تتأثر بمشاهد الدمار والقتل في قطاع غزة، وترى الخطر داهما على الحدود المصرية مع وصول القوات الإسرائيلية إلى الحدود الفاصلة بين مصر وفلسطين، ومن الضروري الاستعداد لكل الاحتمالات، وخسائر الاقتصاد يمكن أن تستمر حال تنفيذ مخططات لا تخدم الأمن القومي المصري، في مقدمتها التهجير الذي تُصر عليه الإدارة الأميركية الحالية وتجد فيه إسرائيل فرصة سانحة لتنفيذ المخططات.

وقال أستاذ العلوم السياسية في مركز البحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة حسن سلامة إن الاستمرار في دعم جهود التنمية يمثل الفهم المنطقي والواقعي للحفاظ على الأمن القومي، وتأكيد على تطوير سلاح الردع والتفرغ لجهود البناء التي لم تنته بعد، وإن شعار “تحسين جودة الحياة” الذي ترفعه الحكومة لا يأتي عبر الحرب.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن الدبلوماسية المصرية الساعية لحقن الدماء وتسوية النزاعات هي اتجاه إيجابي وله انعكاسات جيدة في المستقبل، دون التخلي عن البعد العسكري في الأمن القومي الذي هو بحاجة إلى قوة تحمي المقدرات، وتعدد فعاليات التسويق لفرص الاستثمار يتوافق مع احتياجات المواطنين الذين يشعرون بالضيق بسبب صعوبات توفير الاحتياجات الأساسية.

علي الإدريسي: التغلب على الصعوبات الأمنية يتطلب تنمية الاقتصاد
علي الإدريسي: التغلب على الصعوبات الأمنية يتطلب تنمية الاقتصاد

وأشار إلى أن تبعات الحروب ما زالت ماثلة في أذهان المواطنين، لكن هناك ارتباطا شرطيا بالعودة إليها، حال اقتضت الضرورة، ما يجعل هناك مساعي لتجنب المزيد من الخسائر التي تعرضت لها مصر منذ اندلاع حرب غزة، على مستوى السياحة وعوائد قناة السويس.

وتسعى الحكومة المصرية إلى جذب عوائد إضافية من مصادر العملة الأجنبية، وتخشى السقوط في مشكلات شح العملة وتراجع قيمة الجنيه مع فقدانه ما يقرب من 2 في المئة من قيمته منذ فرْض الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضرائب جمركية على العديد من دول العالم، وما يترتب عليها من خروج جزئي للأموال الساخنة، الأمر الذي يتطلب التسويق لبيئة مستقرة تستطيع جذب الاستثمارات بطرق مختلفة.

وأكد الخبير الاقتصادي علي الإدريسي أن التحديات الاقتصادية التي تواجهها مصر تتطلب المزيد من الجهد والعمل، وإذا لم تحقق الدولة مكاسب وفيرة وفقا للتطورات السلبية في المنطقة، فإنها تسعى إلى تقليل الخسائر، خاصة أن العالم كله يواجه ارتدادات التوترات الجيوسياسية والحروب التجارية، وأن العمل على تعزيز الموارد وتهيئة مناج الاستثمار ضروري في الوقت الحالي، مع الزيادة المتوقعة في تكاليف الاستيراد من الخارج نتيجة زيادة التعريفات الجمركية.

وذكر في تصريح لـ”العرب”أن الجهود التنموية تعلو على التوترات المستمرة على الحدود، وأن التغلب على الصعوبات الأمنية يتطلب تنمية قطاعات الاقتصاد الحقيقية، من صناعة وزراعة وجذب للقطاع الخاص وتحسين جودة إدارة الموارد، والنظرة بعين مختلفة إلى الأصول المملوكة للدولة، ممثلة في شركات قطاع الأعمال العام التي يمكن تطويرها بدلا من بيعها بأسعار زهيدة قد لا تجد من يقدم على شرائها بالسعر العادل نتيجة تراجع قيمة الجنيه وعدم استقراره.

وما يجعل الاهتمام يتركز بشكل أكبر على جهود تحسين الاقتصاد هو أن حجم التعثر بدأ يتصاعد، سواء كان ذلك على مستوى مجتمع الأعمال أو المواطنين، ما يعني أن الدولة يجب عليها أن تتفرغ لوضع خطط محكمة تساعد في التعامل مع الوضع الراهن.

وأشار علي الإدريسي لـ”العرب” إلى أن المواطنين قد لا تكون لديهم تصورات كاملة عن صواب وخطأ تعامل الحكومة مع التطورات الجارية في غزة، لكنها تبحث عن توفير احتياجاتها بشكل أكبر وهو حق أصيل لهم.

ويصعب أن تتخلى الحكومة عما قامت به على مستوى تطوير البنية التحتية والاستفادة من الموارد الطبيعية وتأهيل قطاعات كبيرة من الشباب وتنفيذ برامج تنموية وتعليمية في مناطق مختلفة، ووصلت هذه الجهود إلى سيناء، وهو ما كان محل إجماع شعبي وتوافق سياسي وتقدير أمني.

6