إسرائيل تسيطر على غزة لفرض شروطها على حماس

نتنياهو يطرب لموقف حماس المتصلب بشأن الهدنة، حيث يوفر له الفرصة لمواصلة الحرب بذريعة أن الحركة لم تفرج عن الأسرى.
الأحد 2025/04/06
نتنياهو يعيد غزة إلى أيام الحرب القاسية

تسير العملية العسكرية التي تقوم بها القوات الإسرائيلية في قطاع غزة هذه المرة بوتيرة منظمة ومتسارعة وتحوي أهدافا أكثر تحديدا، حيث تقوم بالمزيد من تقطيع أوصال القطاع، وإحكام السيطرة على مفاصله الرئيسية والفرعية، وتجبر حركة حماس على الاستسلام والقبول بشروطها السياسية والعسكرية، بعد أن استوعبت إسرائيل دروس المرحلة الماضية، والتي لم تحقق فيها أهدافها كاملة بالحرب أو من خلال طاولة المفاوضات.

يتعامل رئيس الأركان الإسرائيلي الجديد إيال زامير بطريقة أشد إتقانا ووحشية، ووضع قائمة بأهدافه وأولوياتها، ولم يترك مسارات الحرب مفتوحة، كما كان سلفه هرتسي هاليفي، حيث زادت درجة التنسيق الآن مع المستوى السياسي، وتضاعف السعي نحو تحقيق ما يريده رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بالشكل الذي لم يتمكن منه في الجولة السابقة من الحرب، مستفيدا من الانخفاض الحاد في القدرات العسكرية للمقاومة الفلسطينية في غزة، ومسخرا ما تم جمعه من معلومات دقيقة خلال فترة الهدنة التي صاحبت تنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق تبادل الأسرى الذي تخلت عنه إسرائيل ورفضت الدخول في مرحلتيه الثانية والثالثة، وتجمدت المفاوضات عند رغبة عارمة في تل أبيب للإفراج عن جميع الأسرى والمحتجزين دفعة واحدة.

رفضت حماس الرضوخ لهذه الرغبة وطالبت بالعودة إلى الاتفاق الأصلي الموقع في يناير الماضي بالدوحة، أو على الأقل أن تكون أيّ مبادرة جديدة منسجمة معه ومكملة له، وفي إطار البنود التي حواها، ففكرة بدء عملية سياسية جديدة ستكون مكلفة، وتسمح لإسرائيل بعدم الالتزام بوقف طويل الأمد للحرب، وبموجبها يعمل نتنياهو على تحقيق جميع أغراضه، المعلنة والخفية، ما منح رئيس أركانه الجديد حرية كبيرة في الحركة العسكرية، مستثمرا الدعم الأميركي اللامحدود.

◙ نتنياهو اختبر الموقف الدولي وتيقن من عدم وجود ما يردعه، وأن الجهات الضامنة لم تتمكن من فرملة اندفاعاته العسكرية

اختبر نتنياهو الموقف الدولي مرات عدة، وتيقن من عدم وجود ما يردعه للتوقف عن خرقه لصفقة تبادل الأسرى، وأن الجهات الضامنة الثلاث (مصر وقطر والولايات المتحدة) لم تتمكن من فرملة اندفاعاته العسكرية في غزة، ويتمادى في تصرفاته العنيفة حتى تضطر حماس للقبول بكل شروطه، في ما يشبه الاستسلام التام، وهو يعلم أنها لن ترضخ بسهولة.

ولدى قيادات الحركة قناعة كبيرة بأن مفاجأة ما قد تظهر وتجبر نتنياهو على وقف الحرب، كأن تزداد المظاهرات العارمة في إسرائيل التي يلتحم فيها أهالي الأسرى مع خصومه السياسيين، أو تنشب حرب أهلية داخلها، أو يتم الزج به في السجن بسبب قضايا فساد متهم بها، أو يغير الرئيس الأميركي دونالد ترامب موقفه من الحرب.

مهما كانت الرهانات فهي تعوّل على أشياء خارجة عن حماس، لأنها لم تعد تملك ما يخول لها ممارسة ضغط على الحكومة الإسرائيلية، والورقة الوحيدة التي تملكها هي ورقة الأسرى ولن تفرط فيها ما لم تتوصل إلى آلية توقف بها الحرب، وتحافظ على قدر من وجودها في غزة، ولا تضطر إلى تسليم سلاحها وخروج عدد كبير من قادتها.

يطرب نتنياهو إلى موقف حماس المتصلب ولا يزعجه كثيرا تشددها، حيث يوفر له الفرصة لمواصلة الحرب بذريعة أن الحركة لم تفرج عن الأسرى، ويجد في استمرارها حجة للهروب من استحقاقات داخلية صعبة، ووسيلة لاستكمال بنك أهدافه، والذي لم يعد مقتصرا على وقف هيمنة حماس على إدارة القطاع أو تسليم سلاحها وخروج قادتها، بل زاد هدفا محوريا يتعلق بتهجير سكان غزة قسرا في صورة طوعية، بمعنى تضييق الخناق عليهم عسكريا، ومنع دخول المساعدات الإنسانية، أو السماح بتمرير كميات قليلة منها لاحقا، ما يجعل الأوضاع أكثر مأساوية، فإما أن ينفجر سكان القطاع في وجه حماس أو توافق شريحة منهم على مغادرته، بعد أن وفرت إسرائيل إدارة خاصة تتولى الإشراف على عملية مغادرة الفلسطينيين.

في كل الأحوال، يريد نتنياهو صورة كبيرة للنصر، ولن يجد أفضل من انقلاب سكان القطاع على حماس أو مغادرتهم له، ما يحتاج المزيد من الوقت لتحقيقهما أو أحدهما، وهو غاية ما يسعى إليه الرجل في هذه المرحلة، حيث تجذب مشاهد الحرب جمهورا واسعا في إسرائيل وخارجها، يبعد بها عن القضايا والأزمات التي تلاحقه داخلها، ويبعث برسائل للمنطقة تفيد بأن الآلة العسكرية التي يستخدمها لا سقف أو حدود لها حتى يتمكن من تحقيق مراميه، ولن يضيره القتال على عدة جبهات، في لبنان وسوريا وغزة، واليمن وإيران إذا تطلب الأمر خوض المواجهة معهم مباشرة.

◙ بنيامين نتنياهو يريد صورة كبيرة للنصر، ولن يجد أفضل من انقلاب سكان القطاع على حماس أو مغادرتهم له

السيطرة على غزة لتفرض إسرائيل شروطها على حماس، لم تعد رفاهية أو هدفا ثانويا أو محل جدل ومناقشة، فالمعلومات الرائجة أنه تمت السيطرة على أجزاء كبيرة من القطاع خلال الأيام الماضية، تؤكد أن العودة إلى احتلال غزة ليست بعيدة، وأن مخطط التهجير قد يتحول إلى أمر واقع قريبا، مع وصول رسائل أميركية لا تستبعده من حين إلى آخر، وأن حماس لن تقدم التنازلات المطلوبة أو تستجيب للشروط التي أعلنها نتنياهو، لأنها في الحالتين سوف يصبح مستقبلها خلفها، وهو ما يوظفه جيدا رئيس الحكومة الإسرائيلية لاستمرار الحرب.

يؤدي هذا التوظيف إلى المزيد من إرهاق الحركة، وتوسيع نطاق الغضب الشعبي ضدها، وتمسك جهات خارجية بانتهاء مرحلة حماس، حيث بات نتنياهو مقتنعا أن المجتمع الدولي لن يتحرك لوقف ممارساته بعد تحطيمه للكثير من ثوابته، وأن دم الفلسطينيين مشتت بين عملياته العسكرية وإصرار الحركة على عدم الاستسلام، ما يوفر بيئة مناسبة كي يواصل توغله في القطاع على أمل أن يتمكن من تحديد أماكن الأسرى، ويفرج عنهم بالقوة أو يتم إعدامهم جراء القصف المتواصل.

ربما يتخلص نتنياهو من كابوس ظل يطارده منذ عملية طوفان الأقصى، لكنه قد يوجه كابوسا أشد، حيث حذر أهالي الأسرى من سيناريو إعدامهم بعد استئناف الحرب، الأمر الذي التقطته حماس وأعلن المتحدث باسمها أبوعبيدة، الجمعة، أن نصف أعداد الأسرى (59 شخصا) موجودون في مناطق بجنوب غزة طالبت قوات الاحتلال بإخلائها من السكان قبل قصفها، ما يساعد الحركة على تحويل الدفة ناحية نتنياهو وزيادة السخط الداخلي عليه، إذا كشفت حماس عن وفاة عدد كبير منهم.

كل طرف يلعب بما لديه من أوراق حتى يجبر الطرف الآخر على الاستجابة له، ولأن توازنات القوى ليست في صالح حماس لن تتمكن من مسايرة قوات الاحتلال التي تجد في العمليات العسكرية السبيل للوصول إلى ما يريده نتنياهو، ولذلك تمعن في التقتيل، كسلاح لترهيب سكان غزة، ورسم حواجز بينهم وحركة حماس، ووضع خرائط جغرافية جديدة، لتتمكن في النهاية من السيطرة الأمنية والسياسية وتتجاوز الخطة المصرية التي أقرتها القمة العربية الطارئة في مارس الماضي بالقاهرة، وتجعل مقترح ترامب الخاص بالتوطين حلقة قابلة للتنفيذ.

 

اقرأ أيضا:

        • فيديو يظهر الدقائق الأخيرة لمسعفين قتلوا في غزة يكشف حقيقة استهدافهم

4