حماس تستدعي منهجية القاعدة بعد انتهائها سياسيا

خطة حماس البديلة هي التحول إلى العنف في حال انعدمت سبل الهيمنة على السلطة في ساحة من الساحات.
الخميس 2025/04/03
نحن أو العنف

القاهرة - أتت دعوة القيادي في حركة حماس سامي أبوزهري إلى تنفيذ عمليات في الخارج، في ضوء مستجدات من المرجح أن تدفع الحركة إلى التلويح بأوراقها الأخيرة، من ضمنها انعدام أمل استمرار سلطتها في قطاع غزة ووضوح التصميم الإسرائيلي على تقويض ما تبقى من هيكلها العسكري، علاوة على اندلاع مظاهرات شعبية فلسطينية رافضة لها.

ودعا أبوزهري، الاثنين، “كل من يستطيع حمل السلاح في كل مكان في العالم إلى أن يتحرك” ضد خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، وقال معلقا على دعوة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى إلقاء السلاح وخروج قادتها من غزة إنها تعني “أن هدف الحرب هو تطبيق خطة ترامب للتهجير.. وإزاء هذا المخطط الشيطاني فإن على كل من يستطيع حمل السلاح في كل مكان بالعالم أن يتحرك.”

وفي هذا السياق، أصدر مجلس الأمن القومي الإسرائيلي الثلاثاء تحذيرا مفاده أن هناك “جماعات إرهابية من بينها حماس ستحاول شن هجمات ضد أهداف إسرائيلية ويهودية في الخارج خلال عطلة عيد الفصح”. ويؤشر هذا التطور على متانة الارتباط العضوي والحركي بين حركة حماس والجماعة الأم التي انبثقت عنها وهي جماعة الإخوان، والجنوح للخيارات التي تتوهم فيها تحقيق مصلحة الجماعة وأهدافها الخاصة بها، مقابل عدم الاستجابة للحلول التي تجمعها بتيارات وطنية أخرى حتى لو كانت أكثر قربًا لتحقيق الأهداف الوطنية الجامعة.

وسبقت جماعة الإخوان في مصر وغيرها من الساحات حركة حماس، مع مراعاة اختلاف الظروف والخصوم، في التحول إلى العنف الداعشي العشوائي فور فقدانها السلطة السياسية، وثبت ضلوع منتمين إلى حماس ومنشقين عنها في هذا المسار ضد الجيش المصري والمؤسسات الوطنية في أعقاب ثورة يونيو 2013، التي أسقطت حكم الجماعة في القاهرة.

ويشير اختيار العمليات الأقرب إلى النهج الداعشي كونها تستهدف يهودا وليس إسرائيليين ومدنيين مركزة على الخارج، إلى انفصال عن المقاومة التاريخية، وترجيح لمصلحة التنظيم والحركة، بحضور قوي ونوعي لأفكار ومنهجية التنظيم الدولي للإخوان ومنظريه في صناعة قرارات حركة حماس.

سامي أبوزهري: كل من يستطيع حمل السلاح في كل مكان في العالم عليه أن يتحرك
سامي أبوزهري: كل من يستطيع حمل السلاح في كل مكان في العالم عليه أن يتحرك

ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يبدي فيها فرع من أفرع جماعة الإخوان الرغبة والإرادة في التحول إلى الحالة الداعشية عقب خسائر ميدانية قاتلة وهزائم سياسية محبطة، حيث طغى هذا التحول على غالبية تصرفات وقرارات وبيانات وممارسات جماعة الإخوان التي فقدت حسها السياسي وخطابها المناور لصالح ممارسات داعشية صرفة بعد عزلها عن السلطة.

ويدل التحول إلى العنف الداعشي العشوائي داخل تيار الإسلام السياسي على فقدان كامل للأمل في السياسة وعدم ضمان لعب دور في المستقبل. وليس مستبعدا أن تخطط حماس لتنفيذ تفجيرات واغتيالات في الخارج على طريقة تنظيمي داعش والقاعدة، بعد انتهاء دورها السياسي في غزة نتيجة عوامل باتت معروفة، وهو التحول الذي تبعه متغير إقليمي هائل تمثل في إزاحة حزب الله اللبناني وسقوط النظام السوري بقيادة بشار الأسد في أيدي معارضيه.

كما أن حماس المعروفة بخطها الأحادي ليست على استعداد للانخراط في مسارات تتبناها القوى العربية، تفضي إلى نمو نفوذ منظمة التحرير الفلسطينية، وإن تحققت معها بعض الأهداف الوطنية بداية من وقف فعلي للحرب ومنع سيناريوهات التهجير والبدء في إعادة إعمار القطاع، وفقا للخطة المصرية العربية.

ولدى كل من التنظيم الدولي للإخوان وأفرعه في المنطقة العربية ما يُعرف بالخطة الطارئة البديلة المستقاة من تعاليم مؤسس الجماعة حسن البنا، ومفادها التحول إلى سلوك أقصى درجات العنف في حال انعدمت السبل التي من خلالها تحقق الجماعة هيمنتها على السلطة في ساحة من الساحات. وتمتلك الجماعة وأفرعها صلات مع تنظيمات إسلامية مسلحة مثل القاعدة وداعش، تستطيع من خلالها تشكيل خلايا وتنفيذ عمليات منسقة، علاوة على مقدرتها على تحريك خلايا نائمة تابعة لها في مناطق حول العالم.

ولا يبدو الأمر مجرد تنفيس عن العجز لحركة فقدت عناصر قوتها، فقد لجأت أفرع الجماعة فعليا إلى هذه الخيارات إظهارا لعدم الاستسلام للهزيمة الأولى بعد عزل فصائلها عن السلطة بالدول العربية، وهو السيناريو المُرشح للتكرار في سياق هزيمة أثقل، بعد انحدار شبه كامل لما عُرف بمحور المقاومة الذي سوق بأنه سيتصدر زعامة العالمين العربي والإسلامي وأنه قادر على دحر إسرائيل والولايات المتحدة والحضارة الغربية.

وأثبت انتهاء حماس إلى حالة شبه داعشية وفقا للدعوة التي أطلقها المتحدث باسم الحركة أن تيار الإسلام السياسي في الأربعة عشر عاما الماضية استهدف الحالة العربية لتمزيقها وتفكيكها، أكثر من استهدافه لإسرائيل وسعيه لتحقيق منجزات وطنية وإيجاد حلول واقعية وعملية لمحنة الفلسطينيين وقضيتهم.

وأصاب الفشل الذي مُني به تيار الإسلام السياسي بعد عزل جماعة الإخوان عن السلطة في مصر، حركة حماس بخيبة أمل حيث ترقبت نفس المصير بأن تنهار سلطتها في غزة، فلجأت إلى الاشتباك مع المحور الإيراني، ليس فقط لتأمين مستقبل هيمنتها على القطاع، إنما للتمدد إلى الضفة الغربية وإنهاء حضور السلطة الفلسطينية، وتحويل الحالة العربية إلى ما يحول دون استمرار نزف تيار الإسلام السياسي.

وأرادت حركة حماس منذ تحركها في السابع من أكتوبر 2023 أن تستدرج إسرائيل إلى رد قاس يسقط فيه الآلاف من الأبرياء في غزة، ما يؤدي إلى إشعال الحرب الكبرى بين العرب وإسرائيل، وإجبار مصر، وهي الدولة العربية الكبرى، المُؤمَل نقلها إلى حيز الصراع والمواجهة، على التوقف عن عدائها للإسلاميين وتربصها بنماذج حكمهم بالمنطقة.

◙ التحول إلى العنف الداعشي العشوائي داخل تيار الإسلام السياسي يدل على فقدان كامل للأمل في السياسة وعدم ضمان لعب دور في المستقبل

وراهنت حماس ومن ورائها إيران على إشعال حرب بين مصر وإسرائيل، كنقطة انطلاق لإشعال صراع أوسع في المنطقة وخلط الأوراق، بما يتيح لمجمل تيار الإسلام السياسي (وفي قلبه جماعة الإخوان الأم) ولحماس تدوير نفسه في المشهد، وفقا للمعادلات الجديدة التي تنتج عن تحول مصر من مكان الوسيط إلى طرف في الصراع.

وظل الهدف المحوري لحماس ولجماعة الإخوان وإيران، وهو ما وعته مصر منذ البداية، أن تغير القاهرة أساليب تعاطيها مع الملف الفلسطيني بمجمله ومع مختلف أطراف الصراع، فضلا عن احتمال إدخال سيناء كساحة إسناد ومناورة تخفف الضغط عن حماس وعن باقي أذرع محور إيران خاصة حزب الله وجبهة شمال إسرائيل.

ونجحت حماس في تحقيق شق استدراج إسرائيل لرد قاس ومدمر، لكنها لم تنجح بشتى الطرق في إشعال الحرب الكبرى بين العرب وإسرائيل، كما مُنيت بصحبة محور إيران بهزيمة قاسية لم تتوقعها. ويأتي لجوء حركة حماس إلى خيار التشبه بداعش والدعوة إلى تنفيذ تفجيرات في مناطق عديدة بالعالم ضد أهداف مدنية في مرحلة تعاني خلالها الحركة من إحباط شديد، بعد أن فشلت كل رهاناتها المتعلقة بنجاعة تحالفها الإقليمي مع إيران وأذرعها، أو الدفع لتعقيد الأزمة وتوريط مصر في صراع مع إسرائيل، علاوة على انعدام أملها في ممارسة السياسة مجددا.

كما انطلقت دعوة سامي أبوزهري لصرف الأنظار عن المأزق الوجودي الذي يمر به الإسلاميون عموما وليس حماس فحسب حيث يفقد آخر فرع لجماعة الإخوان في فلسطين سلطته على إثر سقوط متتال لأذرع التنظيم السياسية بكل الدول العربية، كما لا يغيب ما ينتظر المحور الإيراني من تراجع وتدهور بعد أن سقطت شعارات إزالة إسرائيل من الوجود وتحرير القدس والأقصى أمام اختبارات الواقع.

ولن تجدي مستقبلا خطط حشر المأساة الفلسطينية ومزاعم التمسح بالقضية الأهم في الوجدان العربي والإسلامي في معارك وملفات أيديولوجية وإستراتيجية أبعد من الحدود الفلسطينية، حيث ثبت أن هذه التوجهات والممارسات الابتزازية أتت على حساب المصلحة الفلسطينية وخصمت من الجهود العربية الحقيقية لتحقيق السلام وإيجاد حلول عملية تصب في مصلحة القضية ومصلحة الفلسطينيين.

7