هانغتشو عاصمة تنانين التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي

تُعتبر مدينة هانغتشو في الصين واحدة من أبرز المراكز التكنولوجية في البلاد، حيث تجمع بين الابتكار الصناعي والمزايا الاقتصادية التي تجعلها نقطة جذب لشركات التكنولوجيا الناشئة والمستثمرين على حد سواء بعد أن تركزت جهود الصين في دعم وتعزيز قطاع التكنولوجيا، وهو ما أتى بثماره في هانغتشو التي أصبحت تعرف بـ"عاصمة تنانين التكنولوجيا".
بكين ـ لاقى نموذج اللغات الكبيرة مفتوح المصدر “ديب سيك” اهتماما خارج الصين منذ بداية العام، نظرا إلى بنيته الفريدة وادعاءاته بالكفاءة من حيث التكلفة.
وركزت وسائل الإعلام الصينية الرسمية على هذا، حيث نقلت إحدى المقالات الحديثة عن المستثمر مارك أندرسن وصفه للنموذج بأنه “لحظة سبوتنيك” (أي عندما أطلق الاتحاد السوفياتي أول قمر صناعي، صدم به قطاع الفضاء في الولايات المتحدة) في مجال الذكاء الاصطناعي.
وتأسست شركة هانغتشو ديب سيك للذكاء الاصطناعي المحدودة، التي نشرت هذا النموذج، في عام 2019.
وطالما كانت مدينة هانغتشو مركزا للنمو الصناعي المدفوع بسياسات بكين في قطاع التكنولوجيا، حيث أنشأت فيها منطقة تجريبية للتجارة الإلكترونية عبر الحدود في عام 2015.
وتُرسّخ المدينة مكانتها اليوم كمركز للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا، مسلّطة الضوء على “تنانين هانغتشو الستة الصغيرة”، وهو مصطلح اكتسب شعبية في مطلع 2025، مُشيرا إلى مجموعة من الشركات الناشئة المرتبطة بالمنطقة، ومنها “ديب سيك”.
وتشمل الشركات الخمس الأخرى: شركة “غايم ساينس” (مُطوّرة لعبة “الأسطورة السوداء: ووكونغ” الناجحة)، وشركة “يونيتري روبوتيكس” التي جذب كلبها الآلي انتباه إيلون ماسك (وهو ما سارعت المنافذ الإعلامية الصينية لتناقله)، وشركة “ماني كور تك” للبرمجيات تصميم ثلاثية الأبعاد، وشركة “براين كو” التي تقدّم واجهة الدماغ والحاسوب غير الجراحية التي تعمل بالذكاء الاصطناعي على غرار شركة “نيورالينك”، وشركة “ديب روبوتيكس” التي تُنتج روبوتات ذكية رباعية الأرجل.
وأبدت القيادة العليا الصينية خلال الأسابيع الأخيرة اهتماما بالمنظومة الابتكارية في هانغتشو.
قدمت منطقة شيهو إعانات إيجار أو إعفاءات كاملة لشركات المحتوى الرقمي، بما في ذلك تلك العاملة في مجال الألعاب
وزار رئيس مجلس الدولة لي تشيانغ ممر تشنغشي للإبداع العلمي والتكنولوجي ومختبر جيجيانغ في المدينة نهاية عام 2024، قبل اجتماع مع مؤسس شركة “ديب سيك” ليانغ وينفينغ، في الشهر التالي. كما نوقشت تقنية “ديب سيك” في اجتماعات الدورتين السنويتين في بكين مطلع مارس. وقد ينبع هذا الاهتمام جزئيا من شغل الرئيس شي جينبينغ منصب سكرتير الحزب الشيوعي الصيني في مقاطعة جيجيانغ في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
وانطلقت بعض سياسات هانغتشو الصناعية المتعلقة بالتكنولوجيا في ظل قيادته، وقد يؤثر دوره السابق على الدعم الحالي لشركات التكنولوجيا الناشئة.
وسبق استثمار الحكومة المحلية في قطاع التكنولوجيا في هانغتشو ظهور هذه الشركات الست. فبين عامي 2002 و2007، أي عندما كان شي سكرتيرا للحزب، زاد إنفاق مقاطعة جيجيانغ على البحث والتطوير التجريبي بأكثر من أربعة أضعاف، وبلغ 28 مليار يوان صيني (3.9 مليار دولار).
وأطلقت المقاطعة “جيجيانغ الرقمية”، وهي خطة لاعتماد المعلوماتية لدفع التصنيع والتحديث، و”إستراتيجية ثمانية – ثمانية” التي حددت ثماني مزايا عامة للمقاطعة مقترنة بثمانية إجراءات مقابلة لتعزيزها.
وأدت إحدى المزايا (المعروفة باسم “الصناعات المتخصصة الضخمة” والتي تُترجم أحيانا إلى “اقتصاد ضخم”) إلى تطوير قواعد صناعية مركزة ومتخصصة ومراكز تصنيع متقدمة.
وعلى سبيل المثال، قدمت منطقة شيهو، التي تتمركز بها شركة “غايم ساينس”، إعانات إيجار أو إعفاءات كاملة لشركات المحتوى الرقمي، بما في ذلك تلك العاملة في مجال الألعاب، لمدة تصل إلى ثلاث سنوات.
وأطلقت حكومة هانغتشو “مشروع النسر” في 2010 لدعم الشركات الناشئة في مجال العلوم والتكنولوجيا. ويتكاتف المشروع مع حاضنات الأعمال ومسرعاتها لتحديد الشركات التكنولوجية التي تتمتع بإمكانات عالية، ويمنح تمويلا عاما ومساعدات أخرى للشركات الناشئة التي أسسها خريجو الجامعات والطلاب العائدون من خارج الصين.
واستفادت شركة “يونيتري روبوتيكس” خلال سنواتها الخمس الأولى من الجولة الأولى من الدعم الذي شمل ألف شركة ناشئة.
ومن المرجح أنها تلقت أيضا إعانات صناعية من حكومة بينجيانغ التي تحتضن مقرها الرئيسي. ويُذكر أن المقاطعة تخصص ما لا يقل عن 15 في المئة من إنفاقها السنوي لدعم صناعات التكنولوجيا الفائقة.

وتلعب التوجيهات من الحزب الشيوعي الصيني والدولة والإعانات الحكومية الكبيرة دورا حاسما في استدامة نظام الابتكار البيئي. وأصبحت جيجيانغ في 2019 أول مقاطعة تتبنى “نظام قائد السلسلة”. وقُدّم هذا النظام لأول مرة في تشانغشا (عاصمة هونان) سنة 2017، وهو يعزز إشراف الحزب والدولة على سلاسل التوريد من خلال أدوار “أسياد السلسلة” و”قادة السلسلة”.
ويعمل أسياد السلسلة (الشركات المحلية الرائدة عادة) منسقين للسوق، بينما يعمل قادة السلسلة (كبار المسؤولين المحليين ورؤساء الجمعيات الصناعية عادة) مدافعين رئيسيين.
وانطلقت استثمارات هانغتشو في أبحاث الذكاء الاصطناعي الأساسية ودعمها خلال السنة نفسها.
ومن المتوقع أن يتواصل هذا الدعم على المدى المتوسط.
وقد صدرت أحدث “خطة عمل تطوير سلسلة صناعة الذكاء الاصطناعي عالية الجودة في هانغتشو” في مطلع يناير، مانحة الأولوية للبنية التحتية لقوة الحوسبة وتقنيات نماذج اللغة الكبيرة وتطبيقات الذكاء الاصطناعي.
ويعزز هذا سيطرة الدولة على سلسلة التوريد والقطاع التكنولوجي في المدينة. كما تخطط حكومة هانغتشو للاعتراف بأكثر من ألفي شركة وطنية جديدة للتكنولوجيا الفائقة، ودفع انطلاقة أكثر من 300 مشروع تكنولوجي رئيسي على مستوى البلدية، وتنفيذ أكثر من ألف مشروع بلدي رئيسي، باستثمار سنوي مخطط يتجاوز 300 مليار يوان صيني (40 مليار دولار). وتقرر أيضا تجديد “مشروع النسر” في سبتمبر 2024. وأعلنت السلطات في فبراير 2025 نية توجيه أكثر من 15 في المئة من أموال السياسة الصناعية الحالية نحو الاستثمار في القوى الإنتاجية عالية الجودة والناشئة، مما يعزز دعم الصناعات المستقبلية.
واستند ظهور “تنانين هانغتشو الستة الصغيرة” إلى أكثر من عشرين عاما من الدعم السياسي على مستوى المناطق والمدينة والمقاطعات والمراكز.
ويرجع البعض من الإنجازات الأخيرة التي حققتها شركات “ديب سيك”، و”غايم ساينس”، و”يونيتري روبوتيكس” إلى منظومة الابتكار التي رعاها الحزب الشيوعي الصيني وحافظ عليها في المنطقة. ويعمل الحزب الآن على تكثيف هذه الإستراتيجية. ففي أوائل فبراير، وخلال “مؤتمر الربيع الأول” للمدينة، أعلن أمناء الحزب من جميع المقاطعات الثلاث عشرة أهداف سياستهم المالية لعام 2025، وركز الكثير منها على “تنانين هانغتشو الستة الصغيرة”. ولا يزال من غير المؤكد ما إذا كانت هانغتشو ستتطور إلى مركز محوري للتقنيات الناشئة، ولكن من الواضح أنها تمتلك العزم السياسي (وربما الدعم السياسي) للمضي قدما في هذا الاتجاه.