سيناريو الإقليم الشيعي ليس دعاية انتخابية

دعوات التقسيم والأقلمة ليست سوى طرح ساذج يراد منه إيجاد مخرج للأزمة العراقية للخروج من ورطتها وكحل لتآكل النظام السياسي الذي بدأ يتسع جراء تراكم الأخطاء.
الاثنين 2025/03/10
عزف على أوتار الطائفية

لم يكن حديث رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي في مقابلة تلفزيونية “إن الشيعة سينفردون بالحكم إذا أُجبروا على تقسيم العراق” مجرد حديث عابر، ولم تكن دعوة النائب عن حزب الله العراقي حسين مؤنس في البرلمان إلى فكرة تقسيم العراق ومنح المكون الشيعي دولة تضم تسع محافظات هفوة حديث سياسي، حتى أن الأمر وصل إلى السلطة التنفيذية وحكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني حين صرح مستشاره بأن “نفط الشيعة للشيعة، وعلى السنة والكرد تدبير أمورهم في القادم من الأيام.”

ليس من قبيل المصادفة أن يتصاعد الحديث عن ضرورة إقامة إقليم شيعي يحمي حقوق المكون من تجاوز المكونات الأخرى حسب اعتقاد الداعمين لإقامته، وهو ما يكشف مصيرًا مجهولًا حول مستقبل العراق، ويؤكد أن البلد وصل في أزمته إلى طريق مسدود.

الخيار الأصعب الذي بدأت تفرضه بعض القوى السياسية “الشيعية” ليس دعاية انتخابية كما يحب أن يصوره البعض، فالعزف على أوتار الطائفية قد انتهى مفعوله، ولم تعد تنطلي على العراقيين صرخات السياسيين الجوفاء بالدفاع عن المذهب والطائفة قبيل الانتخابات، ويدرك هؤلاء السياسيون أن لعبة الطائفية أصبحت لعبة سخيفة لا تستحق الحديث عنها بعد أن انكشفت عورتها.

◄ ليس من قبيل المصادفة أن يتصاعد الحديث عن ضرورة إقامة إقليم شيعي يحمي حقوق المكون من تجاوز المكونات الأخرى حسب اعتقاد الداعمين لإقامته، وهو ما يكشف مصيرًا مجهولًا حول مستقبل العراق

خطورة الحديث عن تفتيت العراق أنه يأتي متزامنًا مع أحداث إقليمية ودولية ستمتد آثارها آجلاً أو عاجلاً إلى العراق من خلال نظامه السياسي، ويدرك هؤلاء الداعون إلى الإقليم الشيعي أن فترتهم السلطوية التي أخذت من الزمن أكثر من 20 عامًا ربما تكون آخر عهد سياسي لهم، وآخر حقبة زمنية تمر على العراق في ظل حكم الإسلام السياسي، لذلك يحاولون الاحتفاظ بأقل شيء ممكن من السلطة يحفظ لهم نفوذهم وذلك أضعف الإيمان.

الحقيقة الصعبة على هؤلاء أن الوضع الإقليمي أصبح لا يتقبل مغامرات طائشة تمارسها جماعات سياسية تشترك من جهة بالحكم وتحمل السلاح من الناحية الأخرى، وقد تكون وصلتهم رسائل الفاعل الدولي بضرورة تغيّرهم، لذلك كانت مبادرة التقسيم كحل يرضي جميع الأطراف خصوصًا مع دعوات متصاعدة من ساسة السنة لتطبيق الإقليم السني كمحصلة للتهميش والإقصاء اللذين يعانيهما المكون من شركائه.

فكرة الإقليم الشيعي في الجنوب والوسط بالعراق ليست جديدة أو مُستحدثة فقد طالب بإنشائه عام 2005 رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق عبدالعزيز الحكيم ورئيس منظمة بدر هادي العامري في خطوة كان العرب السنة أول الرافضين لها، وها هي الفكرة يُعاد طرحها من جميع الأطراف وكما يقولون الشيطان يكمن في التفاصيل، إذ يبدو أن أسرار المطالبة بالإقليم الشيعي ليست سوى محاولة ضغط بدأت تمارسها الجارة الشرقية التي تملك مفاتيح طلاسمه لتشتيت الانتباه عن الداخل الإيراني ومحاولة إبعاد الضغط الأميركي عنها لإشغال الرأي العام بقضية تقسيم العراق وربما خلق حالة من الفوضى على الأرض العراقية ورسائل تريد إيصالها إلى الجانب الأميركي تفيد بأن طهران ما زالت تُحكم قبضتها على العراق.

أدركت طهران أن ساحتها الخلفية قد تكون الهدف التالي للمعاقبة وتضييق الخناق عليها. دعوات التقسيم والأقلمة ليست سوى طرح ساذج يراد منه إيجاد مخرج للأزمة العراقية للخروج من ورطتها وكحل لتآكل النظام السياسي الذي بدأ يتسع جراء تراكم الأخطاء.

التلويح بإقامة الإقليم الشيعي يشبه تمامًا رمي حجر بظلمة ليل دامس، فإن أصابت كان بها، وإن لم تُصب لا يغير من الحال شيئًا.

لم نفهم من الداعين إلى إقامة الإقليم عن كيفية إدارته من قبل الأحزاب الشيعية الحاكمة، وهل تنجح المحاولة.

8