بنغاليون بين تقلص الخيارات والمخاطرة بالهجرة

في بنغلاديش تتسبب آثار تغير المناخ في زيادة كبيرة في عدد المواطنين الذين يهاجرون إلى دول الخليج بحثا عن فرص حياة أفضل، لكنهم يواجهون ظروفا معيشية قاسية، حيث يجدون أنفسهم في مواجهة استغلال وسوء معاملة شديدين من قبل أصحاب العمل.
محمد تحميد زامي
دكا - أفادت دراسة جديدة بأن تغير المناخ يدفع عددا متزايدا من البنغاليين إلى الهجرة إلى الخليج بحثاً عن حياة أفضل، لكن أحلامهم غالباً ما تتحول إلى كوابيس من سوء المعاملة والاستغلال في ظل ظروف أشبه بالعبودية.
وأوضحت ريتوبه أرادواج، التي أسهمت في تأليف الدراسة، أن الأفراد الضعفاء الذين تتقلص خياراتهم بسبب الصدمات المرتبطة بالمناخ غالباً ما يخاطرون بكل شيء لتمويل هجرتهم، لكنهم كثيراً ما يجدون أنفسهم في ظروف يتعرضون فيها للإساءة.
وكشف البحث، الذي فحص أوضاع مهاجري بنغلاديش من المناطق المعرضة لتغير المناخ الذين يعملون في الخليج، أن أغلبهم واجهوا شكلاً من أشكال الاستغلال في بيئاتهم الجديدة. وشمل ذلك تجارب مثل سوء معاملة أصحاب العمل، أو التحرش الجنسي، أو حجب الأجور.
وفقا للمعهد الدولي للبيئة والتنمية، فإن المهاجرين (الذين ينتقل الكثير منهم إلى دول الخليج) كثيراً ما يجدون أنفسهم عالقين في شكل من أشكال “العبودية الحديثة”.
بنغلاديش تصنف سابع أكثر الدول تعرضا لآثار تغير المناخ، حيث تسبب الكوارث المتكررة أضرارا جسيمة بشكل متزايد
ويحدث هذا بعد حصولهم على قروض أو بيع ممتلكاتهم لدفع مبلغ الـ4021 دولاراً المطلوب عادة لتأمين العمل في الخارج.
وأجرت المنظمة البحثية ومقرها لندن مقابلات مع 648 أسرة لدراسة كيفية تأثير تغير المناخ على المجتمعات الموجودة على الخطوط الأمامية.
وعلى مدى السنوات العشرين الماضية زادت الهجرة بشكل كبير، حيث زعزع تغير المناخ استقرار المجتمعات بشكل متزايد، وسلب الأفراد الأمن والاستقرار وسبل العيش التي يمكن الاعتماد عليها.
وذكرت الدراسة أن احتمال نزوح الأسر التي تعيش في المناطق المعرضة للكوارث الطبيعية داخل بنغلاديش ارتفع 1.6 مرة، وتضاعف احتمال الهجرة الدولية مقارنة بتلك المسجلة في المناطق الأقل عرضة للخطر.
وشهدت السنوات العشر الماضية إرسال ما يصل إلى 88 في المئة من الأسر فردا واحدا على الأقل إلى الخارج. ويشكل هذا ارتفاعاً كبيراً من نسبة الـ9 في المئة المسجلة بين 2001 و2010 والـ4 في المئة المسجلة خلال التسعينات.
وتُصنف بنغلاديش على أنها سابع أكثر الدول تعرضا لآثار تغير المناخ على مستوى العالم، حيث تسبب الكوارث المتكررة مثل الفيضانات والأعاصير أضراراً جسيمة بشكل متزايد.
وازداد العبء الاقتصادي الناجم عن الكوارث المرتبطة بالمناخ إلى أربعة أضعاف، حيث ارتفع من حوالي 146 مليون دولار سنوياً بين عامي 1960 و1990 إلى 558 مليون دولار على مدى العقود الثلاثة الماضية.
ونتيجة لذلك قالت الدراسة إن الأسر في المناطق الساحلية المعرضة لهذه الكوارث تواجه خسارة سنوية متوسطة تتجاوز 870 دولاراً، ما يقلل بشكل كبير من قدرتها على تغطية الضروريات الأساسية، بما في ذلك الغذاء والتعليم والرعاية الصحية.
ويعد المزارعون ومجتمعات صيد الأسماك وأصحاب الأعمال الصغيرة من بين الأكثر تضررا، وكثيرا ما يضطرون إلى البحث عن آفاق أفضل في مواقع أخرى.
ففي بيروجبور على سبيل المثال، وهي منطقة ساحلية جنوبية تتعرض بشكل متكرر للفيضانات والأعاصير، أرسل المعلم أبوموسى شقيقه الأصغر إلى دكا للعمل حارس أمن بعد أن دمرت الرياح الموسمية في العام الماضي محاصيل أسرته ومصايد الأسماك.
وأوضح لمؤسسة تومسون رويترز أن “الخسائر المتكررة الناجمة عن الكوارث صعّبت البقاء على قيد الحياة هنا خلال السنوات الأخيرة. ويمكنك على الأقل كسب دخل ثابت بمجرد العثور على وظيفة في مدينة مثل دكا.”
ومع ذلك، فإن العديد من الذين يغادرون مدنهم يواجهون مخاطر وصعوبات جديدة في بيئاتهم الجديدة، وخاصة أولئك الذين يهاجرون إلى الخارج.
وسلط البحث الضوء على أن المهاجرين الذين يعملون في قطاعي البناء والملابس في المناطق الحضرية كثيرا ما يتعرضون لحوادث في مكان العمل دون الحصول على أي تعويض. وفي نفس الوقت تعاني عاملات المنازل في الكثير من الأحيان من الاعتداء الجسدي وعدم كفاية الغذاء وظروف معيشية دون المستوى المطلوب.
ووفقا لريتوبه أرادواج يواجه المهاجرون الذين ينتقلون إلى الخارج مخاطر متزايدة، حيث يتوجب عليهم استرداد نفقات أولية كبيرة.
وقالت الدراسة إنه كثيراً ما يصادر أصحاب العمل جوازات سفر العمال ويحدون من حركتهم، ويمنعونهم من التواصل مع عائلاتهم أو سفاراتهم.
وتتعرض المهاجرات بشكل خاص للخطر، حيث تعاني أكثر من 80 في المئة من عاملات المنازل من سوء المعاملة، مثل العنف الجسدي والتحرش الجنسي.
وتفيد تقارير منظمة العمل الدولية بأنه مع وجود الملايين من مهاجري بنغلاديش الذين يعملون في دول الخليج، فإن السفارات كثيراً ما تجد صعوبة في الاطلاع على ظروفهم أو تنظيم عمليات الإنقاذ.
وأوضح محمد راشد علم بويان، الأستاذ المساعد في العلوم السياسية في جامعة دكا والذي يركز على المهاجرين البنغاليين بسبب المناخ، أنه “من المأساوي أنه عندما يتعرض العامل للإساءة، فإنه في الكثير من الأحيان لا تكون لديه أي فكرة عن مكان طلب المساعدة.”
واقترح بويان أن تستعين الحكومة بمصادر خارجية كالكيانات الخاصة لتوفير الخدمات الحيوية، مثل الرعاية الصحية والملاجئ للأفراد الضعفاء.
وأكد محمد شمس الضحى، الرئيس التنفيذي لمركز البحث والتطوير التشاركي ومقره دكا، أن مساعدة المجتمعات على تقليل الخسائر الناجمة عن المناخ داخل مناطقها يمكن أن تسهم في الحد من مخاطر الاستغلال في الخارج.
وأشار أيضاً إلى أن تقديم الإنذارات المبكرة بشأن الكوارث وتقديم المساعدة المالية يمكن أن يساعدا الأسر على البقاء في بلداتها بدلاً من الاضطرار إلى الانتقال إلى مكان آخر.
وشدد الخبراء أيضاً على أهمية الوسطاء الذين يساعدون في تسهيل الهجرة إلى وجهات مختلفة، بما في ذلك الشرق الأوسط وماليزيا.
وأكدت أرادواج أنه كثيراً ما يُتّهم هؤلاء الوسطاء بالتورط في الاحتيال أو الخداع، وهو ما يسلط الضوء على ضرورة تحسين تنظيم مراقبة المهاجرين.
وقالت “لا ينبغي لنا أن نكتفي بتصوير الوكلاء والوسطاء المشاركين في الهجرة المناخية في خانة الأشرار، بل يجب بدلاً من ذلك تسجيل الحكومة لجميعهم والتعاون معهم لوضع معايير أساسية للعمال.”