عبدالله أوجلان.. من مجرد "شهيد" خلف القضبان إلى صانع للسلام

إسطنبول- نجح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في إخراج الزعيم الكردي التركي عبدالله أوجلان من النسيان ووضعه في الواجهة من جديد بالسماح له بأن يلعب دورا فارقا في مسار السلام التركي – الكردي بدلا من أن يلفه النسيان في السجن.
يعرف أردوغان شخصية أوجلان، الذي لا يقبل بأدوار الظل والتهميش، ففتح الباب للحوار معه عن طريق وسطاء وأعطاه الفرصة ليكون لحظة فارقة في تاريخ القضية الكردية من جديد.
كان الرئيس التركي على معرفة بأن أوجلان لا يريد أن ينتهي مجرد “شهيد” للقضية يموت خلف القضبان، وأنه يبحث عن دور وتأثير جديدين فوفر له الفرصة التي كان يبحث عنها. فهم أردوغان شخصية أوجلان ووظفها في النهاية لصالحه لتحقيق الاستقرار الذي لم يتحقق عن طريق السلاح رغم خوض الحرب لعقود.
◄ أوجلان يحمل فكرا يساريا لا يعيقه عن إبداء مرونة خاصة أن الأمر يتعلق بإعادته إلى الواجهة ليقول هذه تركتي السياسية والمعنوية
ومثلما قاد أوجلان الكفاح المسلح لسنوات، من دون أن يحقق للأكراد نتائج واضحة على الأرض، وعلى العكس فقد حوّل حياتهم إلى حرب مفتوحة وتوترات ومخاوف وصدام مع الدولة المركزية في تركيا، فبإمكانه أن يقود مسار سلام يحقق لأكراد تركيا الاستقرار والاعتراف بهويتهم واستقرارا شبيها بجيرانهم أكراد العراق.
هناك فوارق بين كردستان العراق وبين أكراد تركيا وأوجلان. بالنسبة إلى كردستان العراق والزعيم مسعود بارزاني فالموضوع تاريخي وقبلي، ويمكن لأوجلان أن يستفيد من خبرات مسعود بارزاني وبراغماتيته وقدرته على تكييف الأوضاع لصالح أكراد العراق سواء في الحوار مع الحكومة المركزية في بغداد أو مع أنقرة، التي تراهن على وساطة بارزاني في دفع مسار السلام مع حزب العمال الكردستاني ومع أكراد سوريا أيضا.
بالنسبة إلى أوجلان فإن عرض أردوغان بالسلام مهم، ولا يمكن أن يقف بوجهه بعد تاريخي ولا قبلي. فأوجلان يحمل فكرا يساريا لا يعيقه عن تقديم تنازلات أو إبداء مرونة خاصة أن الأمر يتعلق بتخليد دوره وإعادته إلى الواجهة ليقول هذه تركتي السياسية والمعنوية ودوري في خدمة أكراد تركيا. التنازلات ممكنة إذا صبت في الهدف الأهم، أي خدمة صورة الزعيم أوجلان.
ومثلما وظف أردوغان البراغماتي شخصيات قريبة منه، فقد تمكن حتى من توظيف شخصية العدو، وهذا أمر سيحسب له خاصة بعد أن قبل حزب العمال بتنفيذ قرار زعيمه التاريخ بإلقاء السلاح.
وحرص الرئيس التركي على عدم إثارة أيّ ردود فعل سلبية على نداء أوجلان لحزب العمال بحل نفسه. واكتفى أردوغان بوصف ما يجري بأنه “فرصة تاريخية،” ما يشجع الطرف المقابل على المضي في تنفيذ خطته بحل الحزب، وهو يعرف أن أيّ تهجم على الحزب أو أوجلان قد يدفع إلى توقف هذا المسار.
ويرى مراقبون أن قصة السلام بين تركيا والأكراد خرجت الآن من دائرة توصيف ما يجري على أنه استخدام سياسي من أردوغان لوضع أوجلان إلى ساحة جديدة، وأكثر شمولا، وهي عودة الزعيم التركي – الكردي إلى الصورة.
يبدو إطلاق سراح أوجلان أمرا غير مرجح نظرا إلى التهديدات التي يمكن أن تطاله، لكن بيرم بالجي من مركز الأبحاث الدولية في باريس توقع أنه “قد تطرأ تعديلات كبيرة على تدابير سجنه”.
وعلى المستوى الأيديولوجي، لفت المؤرخ حميد بوزرسلان من كلية الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية في باريس، إلى أن أوجلان “اعترف بأن حزب العمال الكردستاني ولد في سياق معين، انتهى حاليا”.
وأضاف “لكن من الواضح أن حل حزب العمال الكردستاني لا يعني نهاية القضية الكردية: لقد أصر على التحول الديمقراطي لتركيا”.
وتابع أن أوجلان من ناحية أخرى “لم يفعل ما كانت تركيا تتوقعه منه، أي إدانة الإرهاب والإعلان عن نهاية الإرهاب،” بعد أربعة عقود على بدء النزاع الذي خلف أكثر من 40 ألف قتيل.
ويرى متابعون للشأن الكردي أن خطوة أوجلان لن يقف تأثيرها عند حدود جبال قنديل حيث يتمركز حزب العمال الكردستاني، وأن النتائج ستكون على مستوى الإقليم بما في ذلك داخل العراق وسوريا.
ورغم أن قوات سوريا الديمقراطية قالت إن قرار حل حزب العمال شأن تركي – كردي، فإن نجاح السلام على هذه الجبهة سيفرض عليها أن تسلك طريقا شبيها به سواء في الحوار مع الإدارة الجديدة في دمشق أو مع تركيا، التي ستجد في التهدئة على جبهة حزب العمال فرصة كبيرة في التضييق على قسد.
وعلى جبهة أكراد العراق، جاءت دعوة أوجلان لإلقاء السلاح والانخراط في عملية سلمية مع تركيا لتضفي مصداقية على منظور قيادات كردية عراقية وتحديدا قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني لقضية حزب العمال، ولتُبرز فاعلية الجهد السلمي الذي انخرط فيه بارزاني نفسه وظهر مؤخرا إلى العلن من خلال عقده اجتماعات مع جهات كردية منخرطة في الصراع ضد تركيا بما في ذلك استقباله مؤخرا وفدا من حزب المساواة وديمقراطية الشعوب أطلق عليه إعلاميا اسم وفد إمرالي في إشارة إلى الجزيرة التي يسجن فيها أوجلان.
◄ أردوغان فهم شخصية أوجلان ووظفها في النهاية لصالحه لتحقيق الاستقرار الذي لم يتحقق عن طريق السلاح رغم خوض الحرب لعقود
وأعرب المرجع الكردي زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني عن أمله بأن تكون دعوة أوجلان للسلام، “بداية لوضع العملية السلمية في مسارها“.
وعبْر بيان رسمي قال بارزاني “نؤكد موقفنا الثابت إزاء عملية السلام والتسوية في تركيا، ونعلن دعمنا الكامل للعملية بكل ما يمكن من منطلق رؤيتنا بأن السلام هو السبيل الصحيح الوحيد لحل الخلافات. وأضاف “نأمل بأن تكون رسالة السيد أوجلان بداية لوضع عملية السلام في مسارها والتوصل إلى نتيجة تصب في مصلحة جميع الأطراف“.
كما رحب رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني من جهته بدعوة زعيم حزب العمال داعيا إلى “الالتزام بالدعوة وتنفيذها،” ومبديا استعداد الإقليم لتقديم كل الدعم لعملية السلام والقيام بدور المساعد لها والتعاون في إنجازها.
وأمضى أوجلان ربع قرن في السجن بعد أن قاد جماعة حزب العمال الكردستاني إلى حمل السلاح لقتال الدولة التركية من أجل إقامة وطن كردي. والآن، يوجه أوجلان نداء من أجل السلام.
ودعا أوجلان الخميس من زنزانته في سجن جزيرة إمرالي في بحر مرمرة جنوبي إسطنبول، حزب العمال الكردستاني إلى إلقاء السلاح وحل نفسه، في خطوة إذا استجاب لها مقاتلو الجماعة فستؤدي إلى إنهاء تمردهم القائم منذ 40 عاما وستكون لها آثار واسعة النطاق على المنطقة.
وأصدر أوجلان، الذي يحظى باحترام الحركة السياسية المؤيدة للأكراد رغم أن معظم الأتراك يصبون عليه جام غضبهم لأنه بدأ الصراع في عام 1984، هذه الدعوة بعد أربعة أشهر من اقتراح بهذا الشأن من حليف للرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وعبر أردوغان وحزب المساواة والديمقراطية للشعوب التركي المؤيد للأكراد عن دعمهما لجهود إنهاء القتال الذي أودى بحياة أكثر من 40 ألف شخص وغيّر شكل السياسة التركية وألحق أضرارا بالبلدات والمدن في جنوب شرق البلاد.
وقال أوجلان في رسالة نشرها أعضاء حزب المساواة والديمقراطية للشعوب الخميس بعد أن زاروه في زنزانته في السجن “أدعو إلى إلقاء السلاح، وأتحمل المسؤولية التاريخية عن هذه الدعوة”.
وألقت القوات الخاصة التركية القبض على أوجلان في كينيا عام 1999. وعلى الرغم من سجنه، ظل يتمتع بنفوذ كبير، لكن من غير الواضح مدى النفوذ الذي يتمتع به الآن على حزب العمال الكردستاني الذي يتمركز مقاتلوه أساسا في منطقة جبلية بشمال العراق. وفي رسالته، حث أوجلان جماعته على عقد مؤتمر والموافقة رسميا على حل نفسه.
وظهرت على السطح فكرة إعادة التواصل مع أوجلان في أكتوبر وطرحها دولت بهجلي زعيم حزب الحركة القومية والحليف السياسي للرئيس التركي. وفاجأ بهجلي البلاد حين اقترح أنه يمكن الإفراج عن أوجلان إذا نجح في إقناع حزب العمال الكردستاني بإنهاء تمرده.
بلغ حضور أوجلان ذروته في عملية سلام جرت بين الدولة التركية ومقاتلي حزب العمال الكردستاني بين عامي 2013 و2015. وكان أردوغان رئيس وزراء آنذاك، وكان يرى في أوجلان كلمة السر في الجهود التي تستهدف إنهاء القتال.
ومن زنزانته في السجن، برز أوجلان الذي يطلق عليه القوميون الأكراد، تحببا، لقب “آبو” إلى الواجهة. وظهر في صور نشرتها وسائل إعلام تركية أشيب الشعر ومبتسما، في تناقض حاد مع صوره السابقة التي كان يظهر فيها بزي قتالي حاملا بندقية.
◄ مثلما قاد أوجلان الكفاح المسلح لسنوات، من دون أن يحقق للأكراد نتائج واضحة على الأرض، فبإمكانه أن يقود مسار سلام يحقق لأكراد تركيا الاستقرار والاعتراف بهويتهم
وقال أوجلان في بيان تُلي أمام حشود ضخمة في احتفالات بسنة كردية جديدة في مارس 2015 “نضال حركتنا القائم منذ 40 عاما الذي كان مترعا بالألم، لم يذهب سدى لكنه في الوقت نفسه أصبح غير قابل للاستمرار”.
وكانت تلك المحادثات هي أقرب نقطة اقترب فيها من التوصل إلى حل تفاوضي للصراع. وبعد أربعة أشهر انهارت عملية السلام ودخل الصراع مرحلته الأكثر دموية التي تركزت في المناطق الحضرية في جنوب شرق البلاد.
ويتركز الصراع الآن بشكل أساسي في شمال العراق حيث يتمركز حزب العمال الكردستاني.
ووُلد أوجلان لأسرة مزارعين في قرية أوميرلي في جنوب شرق تركيا، وتشكلت أفكاره السياسية وسط معارك الشوارع العنيفة بين العصابات اليسارية واليمينية في سبعينات القرن الماضي.
وانشق عن اليسار التركي ليؤسس حزب العمال الكردستاني في عام 1978، وتعهد بالقتال من أجل دولة كردستان المستقلة بعد تركه كلية العلوم السياسية في جامعة أنقرة.
وكان أوجلان يقود حزب العمال الكردستاني، الذي تصنفه تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية، من سوريا حتى هددت تركيا بالحرب في عام 1998، مما أجبر دمشق على طرده.
وسعى للحصول على حق اللجوء في روسيا، ثم إيطاليا واليونان، قبل أن يتم القبض عليه في العاصمة الكينية نيروبي عام 1999.
وبعد أن بدا عليه الاستسلام واليأس، نُقِل جوا إلى أنقرة تحت حراسة قوات تركية خاصة، وحكِم عليه بالإعدام. ثم خُففت عقوبته إلى السجن المؤبد، ليظل هناك منذ ذلك الحين.