قرارات كخلطة العطّار تحت قبة البرلمان العراقي

أقرّ البرلمان العراقي مؤخرا ثلاثة قوانين جدلية أثارت اختلافا وصراعا بين مكونات الشعب العراقي الواحد. قوانين كانت مُخبأة في أدراج مكاتب مجلس النواب تنتظر الفرصة لإقرارها، تلك الفرصة حانت بعد أن وجد ممثلو الشعب أنهم قد وصلوا إلى قناعة بأن برلمانهم بات عاجزا عن أداء دوره بفضل الإرادات السياسية التي باتت تتحكم في قراراته.
انقسمت تلك القرارات كالمعتاد في أسلوب التحاصص والتخادم بين المكونات بطريقة “صوّت لي وأصوّت لك،” فكان قرار العفو العام مطلبا للمكون السني باعتباره قانونا ينقذ أرواح الكثير من المعتقلين الأبرياء القابعين في السجون بسبب وشاية المخبر السري أو تُهم كيدية بالإرهاب. المفارقة أن قانون العفو ظل لسنوات مركونا في أدراج مكاتب البرلمان بالرغم من كون رئيسه من المكون السني، لكن يبدو أن توقيت إخراجه إلى العلن كان لكسب تعاطف سياسي مع النواب السنة الذين قاموا بإقراره.
أما المكون الكردي فقد طالب بقانون إعادة العقارات إلى أصحابها، والذي استفاد منه الكرد الذين رُحّلوا عن مساكنهم منذ أكثر من خمسين عاما في زمن النظام السابق.
◄ البرلمان العراقي الذي يضم 329 نائباً أصبح لا يمثل تطلعات الشعب بل مصالح ومنافع أحزابه وكتله السياسية، ما جعل المواطن البسيط ينظر إليه كمؤسسة لاستنزاف أموال الشعب دون طائل
ويأتي القانون الذي طالب به المكون الشيعي للأحوال الشخصية المتعلق بأمور الزواج والطلاق مكملاً للقرارات الجدلية التي أُقرّت بسلة واحدة وأثارت الاستهجان والاستنكار من داخل قبة البرلمان ومن خارجه.
أدت هذه الخلافات إلى مقاطعات واتهامات متبادلة بين الأعضاء بأن آلية تمرير القوانين مُررت دون تصويت، وهو ما يعكس عمق الانقسام بشأن هذه القوانين وتأثيرها على المشهد السياسي.
يمكن القول إن قانون العفو الذي أُقرّ سيزيد من رصيد الأصوات الانتخابية لممثلي السنة، خصوصا في المناطق المحررة، لما يمثله جمهور المفرج عنهم مع عوائلهم من أصوات انتخابية تعزز المستقبل السياسي لممثلي السنة في الانتخابات القادمة (إذا جرت في موعدها). وكذلك يعزز قانون إرجاع الملكية لأصحابها الكرد في المناطق المتنازع عليها، ما قد يرسم مستقبلاً سياسيا يزيد نفوذ الأحزاب الكردية في تلك المناطق.
أما المكون الشيعي فلم يحصد غير قرار زواج القاصرات الذي أثار استنكارا ورفضا من قبل منظمات حقوقية ومجتمع مدني وصل إلى المطالبة بتدويل القضية وإقالة رئيس مجلس النواب محمود المشهداني؛ الرئيس الذي انتُخب منذ ثلاثة أشهر لكسر حالة الشلل التي يمر بها الجهاز التشريعي، وكان من المفترض أن يعقد أكثر من عشرين جلسة في هذه المدة على الأقل، اكتفى بجلسات لا تتعدى أصابع اليد الواحدة، وهو ما دعا المشهداني إلى مطالبة الكتل السياسية بالالتزام بالحضور والمشاركة الفاعلة في إقرار القوانين.
تصاعد الاتهامات بين الأطراف السياسية ودخول المحكمة الاتحادية على خط المعترضين قد يؤديان إلى تأخير الانتخابات البرلمانية، خصوصاً أن إقرار تلك القوانين قد يحتاج إلى فترة قد تطول أكثر من شهر لتطبيقها مع وجود ثغرات في تلك القوانين، منها شمول متهمين بالفساد وسرقة المال العام -مثل بطل سرقة القرن نور زهير- بذلك العفو. ويقال إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي صدرت بحقه مذكرة إلقاء قبض وأحمد الشرع قائد الإدارة السورية الجديد قد شُملا بذلك العفو!
◄ الخلافات أدت إلى مقاطعات واتهامات متبادلة بين الأعضاء بأن آلية تمرير القوانين مُررت دون تصويت، وهو ما يعكس عمق الانقسام بشأن هذه القوانين وتأثيرها على المشهد السياسي
وفي خطوة غريبة من نوعها، يعتزم بعض أعضاء البرلمان تقديم مشروع “الحوافز الانتخابية” في الانتخابات القادمة من خلال تقديم هدايا وحوافز تتضمن أفضلية بالتعيين وإعفاءات ضريبية وامتيازات بالضمان الاجتماعي لزيادة نسب المشاركة المتدنية التي كانت لا تتجاوز 20 في المئة من أصوات أغلبية الشعب العراقي.
محاولة تشريع قانون الحوافز الانتخابية تعكس مدى العجز والفشل الذي وصل إليه الدور البرلماني في استقطاب أصوات الناخبين لتسجيل أعلى أصوات مشاركة في الانتخابات، وتشير بوضوح إلى أن النظام البرلماني في العراق لم يعد صالحا في أداء دوره ويمثل وجها آخر للرشاوى الانتخابية لكسب الناخبين، والتي كانت إلى وقت قريب تُعتبر أفعالاً مرفوضة لشراء ذممهم. ولذلك صرح برلمانيون بأن النظام السياسي في العراق ربما يتغير إلى رئاسي أو شبه رئاسي في المرحلة القادمة.
قرارات السلة الواحدة التي أقرها البرلمان العراقي تشير إلى مستقبل من الفوضى السياسية التي تسعى إليها دول مجاورة لإشغال الجانب الأميركي بشؤون العراق الداخلية. فقانون إرجاع الملكية سيؤدي إلى صراع بين المكونات قد يؤدي إلى اقتتال داخلي، أما قانون العفو فمصيبته شمول الفاسدين واللصوص وحتى قتلة الشعب بذلك العفو.
البرلمان العراقي الذي يضم 329 نائبا أصبح لا يمثل تطلعات الشعب بل مصالح ومنافع أحزابه وكتله السياسية، ما جعل المواطن البسيط ينظر إليه كمؤسسة لاستنزاف أموال الشعب دون طائل، عسى أن يتغير ذلك الوضع بتغيير وجوه العملية السياسية.