عودة إلى ضجيج صفقة الأسرى

نتنياهو يسعى للحصول على تعهدات من ترامب وعقد صفقات بعيدة المدى تساعده على إعادة هندسة القضية الفلسطينية برمتها بالشكل الذي يحقق له أهدافه الخفية التي لا نعلم الكثير عن تفاصيلها.
الثلاثاء 2025/01/07
الطبخة نضجت.. حان وضعها على الطاولة

سادت نبرة من التفاؤل في بعض الأوساط السياسية العربية بعد إعلان عودة المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحركة حماس إلى الدوحة، الجمعة، ومع تسريب معلومات حول تفويض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لوفد بلاده صلاحيات أكبر، وزاد الأمل بشأن اقتراب التوقيع على صفقة الأسرى، وتناسى كل من راودهم شعور بالتفاؤل أو الأمل أنه محفوف بالخطر، فقد ظهرا أكثر من مرة سابقا ولم تصبح الصفقة واقعا ملموسا، وتنهار دائما قبيل الوصول إلى المحطة الأخيرة للتوقيع عليها.

وسواء انهارت هذه الجولة التي بدأت من الدوحة وستنتقل إلى القاهرة أم واصلت طريقها وحققت اختراقا جزئيا أم لا، فإن ما يجري التباحث عنه وحوله لن يفضي إلى نتيجة، ما لم تتوافر الرغبة والإرادة السياسية لدى نتنياهو، فالرجل في كل جولة يضع شروطا جديدة توحي أنه لا يريد إتمام الصفقة حتى ينتهي بنك أهدافه، والذي يبدو طموحا ومتجددا وبلا سقف محدد، وإذا عرفنا ما يدور في عقله من حسابات تكتيكية وإستراتيجية معقدة، في تلك اللحظة يمكن التفاؤل بعقد الصفقة.

كما أن حماس التي تعرضت لضربات قاصمة فقدت بموجبها غالبية قدراتها العسكرية، أجبرتها على تقديم تنازلات قاسية، وإبداء مرونة مشروطة تجعلها تلجأ إلى المراوغة كلما تذكرت أن بحوزتها العشرات من الأسرى، وتستطيع المساومة عليهم والضغط على نتنياهو من خلالهم، لكنها تتجاهل أنه لا يعبأ كثيرا بهم وربما يتمنى اليوم الذي يستيقظ فيه من النوم ويجدهم قد رحلوا أو قتلوا.

◄ العودة إلى التباحث حول صفقة الأسرى هذه المرة قد يرسم لها معالم الطريق خلال الأيام المقبلة أو يخمدها إلى حين بدء ولاية ترامب

يمكن أن تحرز جولة الدوحة تقدما نسبيا في بعض القضايا وتترك تفاصيلها لجولات أخرى، ففي كل جولة تترك بعض التفسيرات التي تمثل ألغاما سياسية وأمنية تؤدي في النهاية إلى تفجير ما تم التباحث حوله، وقد شهدنا هذا السيناريو مرارا، حيث لا يريد نتنياهو التوقيع على صفقة لا تضمن تحقيق أهدافه كاملة، باعتبار أن جزءا كبيرا منها غامض، في مقدمته، هل يريد تطبيق خطة الجنرالات التي تقضي بالسيطرة على شمال غزة أم احتلاله وعودة الاستيطان، أم التصميم على مخطط التهجير القسري؟

لا توجد إجابة قاطعة مانعة حول هذه النوعية من الأسئلة الرئيسية، لأنها مرهونة بتطورات المشهد الداخلي في إسرائيل، وحجم الضغوط الإقليمية والدولية عليها، ومستوى الأداء الذي تقوم به حماس في الميدان والمفاوضات.

رغم نجاح نتنياهو في تسيير الأوضاع الداخلية بما يخدم أغراضه السياسية وإدارته الجيدة لتوازناتها، إلا أنه يواجه من وقت إلى آخر تحديات تمثل منغصا لحكومته المتطرفة عندما تطفو على السطح ورقة الأسرى وتتزايد الضغوط للتوقيع على الصفقة.

كما أن التوجهات الخارجية غير فاعلة بالصورة التي تتناسب مع التطورات الحرجة، ويصعب أن تقود إلى تغيّر في مزاج نتنياهو أو تحوّل في تقديراته، ومع كثافة التوترات في المنطقة تتصاعد التعقيدات، حيث هناك لبنان وإيران وسوريا واليمن، ولم تعد الحرب على غزة تحتل أولوية على الساحة الدولية، وتأثيرات المآسي الإنسانية التي يشهدها القطاع يوميا تمر على وسائل الإعلام كأنها عمل روتيني اعتاد عليه العالم.

أما مستوى الأداء في تحركات حماس فهو أمر محيّر، فالحركة التي جرى تقويض قدراتها العسكرية وفقدت العديد من رموزها السياسيين وقادتها الميدانيين، لم تغير كثيرا في منهجها التفاوضي، فالمرونة التي أظهرتها مؤخرا لم ترافقها مرونة كافية في التعامل مع ترتيبات اليوم التالي لغزة، فهي تعلم أنها غير مرغوب في وجودها بالقطاع، إسرائيليا وإقليميا ودوليا، ومع ذلك وضعت بعض العراقيل أمام لجنة الإسناد المجتمعية المنوط بها إدارة غزة، التي رفضتها السلطة الفلسطينية، وتعطل الشروع في تنفيذ خطة يمكن أن تصبح مقدمة لتصويب أخطاء ارتكبت سابقا في إدارة القطاع.

◄ ما يجري التباحث حوله لن يفضي إلى نتيجة ما لم تتوافر الإرادة السياسية لدى نتنياهو، فالرجل في كل جولة يضع شروطا جديدة توحي أنه لا يريد إتمام الصفقة حتى ينتهي بنك أهدافه

عادت حماس إلى إطلاق بعض من صواريخها الدعائية على غلاف غزة، في رسالة توحي بأنها قادرة على مضايقة إسرائيل عسكريا، ومن ثم تأكيد أن قوات الاحتلال فشلت في إخضاعها وتعظيم مركزها التفاوضي، غير أن هذه التصرفات لا تؤثر على مجريات القتال الذي يفتقد لكل توازنات القوى، وتوفر لنتنياهو مبررات للبقاء أطول وقت ممكن في القطاع، مستندا إلى تضخيم النيران التي تخرج منه، ما يدعمه في كل ما يريده من مماطلة مستمرة في المفاوضات، والتهرب من التوقيع على صفقة طال انتظارها، ورفض الاتفاق النهائي على وقف إطلاق النار.

تشير العودة إلى المفاوضات وما يصاحبها من ضجيج إلى أن دول الوساطة، مصر وقطر والولايات المتحدة، تريد عدم وقف العملية السياسية، على أمل أن تؤدي في وقت لاحق إلى وقف تام لإطلاق النار، لأن استمرار الحرب دون أفق سياسي يفتح المجال أمام إسرائيل نحو المزيد من القتل والدمار، وعدم التواني عن إجبار سكان غزة على مغادرته تحت لهيب النيران وتقويض المساعدات وتقزيم دور المؤسسات الدولية، ما يعني أن مهمة المباحثات المتقطعة لا تزال تنحصر في عدم غلق الباب النهائي أمام التفاؤل بعقد الصفقة المنتظرة.

قد يكون استئناف المفاوضات في الدوحة هذه المرة لتمهيد الأرض لاستقبال الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، الذي يريد أن يدخل البيت الأبيض من دون رؤية هذه الحرب مشتعلة، ما جعل نتنياهو يكثّف من مراوغاته في الفترة الماضية لعدم مكافأة الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن، وضاعف من مطالبه لتعجيز حماس إلى حين يصل إلى المحطة التي يعلن فيها القبول باتفاق مرحلي يمكّنه من دخول غزة والخروج منها كيفما شاء.

يسعى نتنياهو للحصول على تعهدات من ترامب وعقد صفقات بعيدة المدى تساعده على إعادة هندسة القضية الفلسطينية برمتها بالشكل الذي يحقق له أهدافه الخفية، التي لا نعلم الكثير عن تفاصيلها، لكنها في المجمل تنحو تجاه تصفية هذه القضية، وإنهاء حلم الدولة الفلسطينية، وبناء علاقات طبيعية مع دول عربية بلا شروط تربط بين الملفين، أو معايير تضع حدا لطموحات نتنياهو، لأن ترامب سيتسلم السلطة بعد أيام وفي جعبته صفقة تتعلق بترتيب الأوراق في المنطقة بما يتواءم مع مصالح إسرائيل.

ولذلك فالعودة إلى التباحث حول صفقة الأسرى هذه المرة قد يرسم لها معالم الطريق خلال الأيام المقبلة أو يخمدها إلى حين بدء ولاية ترامب، وفي الحالتين لا يعني إشاعة أجواء من التفاؤل بناء على معطيات من هنا وهناك أن الطبخة نضجت وحان وضعها على الطاولة ليتناول كل طرف ما يشتهيه منها، فقد تكون مسمومة أو علقما ويصعب هضمها سياسيا وتنتج عنها تداعيات تتسبب في إرباكات جديدة في المنطقة.

 

اقرأ أيضا:

         • نظرة فاحصة لليوم التالي لغزة بعد تولي ترامب

8