غوغل ينزل عن عرش الدردشة

روبوتات الذكاء الاصطناعي تهدد محركات البحث التقليدية.
الأحد 2024/12/22
بطيء ومضيّع للوقت

تعتبر روبوتات الدردشة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي واحدة من أبرز التقنيات التي تعيش طفرة كبيرة في السنوات الأخيرة، ما يفتح تساؤلات حول تأثيرها على محركات البحث التقليدية مثل غوغل، التي هيمنت على سوق الإنترنت لأكثر من عقدين. ومع تقدم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، خصوصا في مجال معالجة اللغة الطبيعية، بدأت هذه الروبوتات في تحدي محركات البحث المعتادة من خلال تقديم حلول أسرع وأكثر تخصيصا للمستخدمين.

واشنطن - كان ماثيو بيرمان يخطط لرحلة تخييم عندما تذكر نصيحة تفيد بأن نصب الخيمة فوق السيارة بدلا من تثبيتها على الأرض يعتبر وسيلة فعّالة لتجنب هجمات الحيوانات.

في الماضي، كان يعتمد على محرك البحث غوغل للتحقق من مثل هذه المعلومات، لكنه الآن يفضل استخدام روبوت دردشة يُدعى “بيربليكسيتي”، بحسب وكالة أنباء بلومبيرغ. ويُفضل بيرمان تطبيق “بيربليكسيتي”، الذي يُروج له باعتباره “محرك إجابات مدعوم بالذكاء الاصطناعي”، لأنه يقدم إجابات مختصرة ومباشرة بدلا من تقديم قائمة من الروابط (على الرغم من أن الإجابات تتضمن روابط للمصادر).

وقال بيرمان، الذي أسس شركة تقنية ناشئة تُسمى “سونار” تساعد الشركات في إدارة الرسائل النصية ويعمل حاليا في إنتاج مقاطع الفيديو وكتابة نشرات إخبارية عن الذكاء الاصطناعي، “ببساطة، يتعلق الأمر بتوفير الوقت”.

ويقدّر بيرمان أن أدوات البحث المدعومة بالذكاء الاصطناعي قد قللت من استخدامه لمحرك البحث غوغل بأكثر من 90 في المئة. وقال “قد تضيع وقتا طويلا في البحث على غوغل والتنقل بين الروابط، كما أنه من المزعج ألا تجد ما تبحث عنه بسرعة… بالمقابل، هناك فرصة كبيرة للحصول على الإجابة المطلوبة من المحاولة الأولى باستخدام (بيربليكسيتي) أو (تشات جي بي تي)”.

ولا يزال عدد مستخدمي روبوتات الدردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي محدودا مقارنة بمستخدمي محركات البحث التقليدية، سواء للبحث عن نصائح حول كيفية تجنب الدببة أو غيرها من المعلومات. وأعلنت “بيربليكسيتي” في مارس عن وصول عدد مستخدميها إلى 15 مليونا، بينما يُقدّر عدد مستخدمي غوغل بالمليارات. ومع ذلك، فإن المستخدمين الأوائل هم من يمهدون الطريق للممارسات التقنية التي قد تنتشر على نطاق واسع ويحددون السلوكيات المرتبطة بها، كما يؤثّرون في تصميم الشركات لمنتجاتها.

وقد يفسر ذلك سبب تركيز الشركات الكبرى مثل  ألفابيت  (الشركة الأم لغوغل) ومايكروسوفت على تعزيز دمج الذكاء الاصطناعي في منتجاتها. وتواجه الإنترنت تحولات حاسمة، إذ يُعدّ البحث عن المعلومات عبر محرك غوغل من الأنشطة الأكثر شيوعا على الشبكة، وقد أسست العديد من المواقع الإلكترونية والشركات نماذج أعمالها استنادا إلى هذا الأساس.

عدد مستخدمي روبوتات الدردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي لا يزال محدودا مقارنة بمستخدمي محركات البحث التقليدية
◙ عدد مستخدمي روبوتات الدردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي لا يزال محدودا مقارنة بمستخدمي محركات البحث التقليدية

ورغم أن بعض روبوتات الدردشة تتضمن إعلانات، وتدرس “أوبن إيه آي” إمكانية إضافتها إلى “تشات جي بي تي” في المستقبل، إلا أن دور الإعلانات في عصر الإنترنت المدعوم بالذكاء الاصطناعي لا يزال غير واضح. ومن المحتمل أن يبدأ العديد من الأشخاص في دفع المال مقابل البحث على الإنترنت. فقد اشترك مئات الآلاف في خدمة “بيربليكسيتي برو”، كما تقدم “أوبن إيه آي” خدمة “تشات جي بي تي بلس” التي تشمل ميزات بحث، وتفرض الشركتان رسوما شهرية قدرها عشرون دولارا.

فالأشخاص الذين تخلوا عن محركات البحث لصالح روبوتات الدردشة جذبتهم التجربة التي تقدمها هذه الأدوات، وليس الأجوبة بحد ذاتها. وعلى سبيل المثال، تفضل ربيكا شومير، رئيسة قسم الاتصالات في حاضنة الذكاء الاصطناعي “أوتشفيت” التابعة لشركة “سيسكو سيستمز”، استخدام خاصية الصوت من “أوبن إيه آي”، التي تسمح للمستخدمين بالتفاعل مع المساعد المدعوم بالذكاء الاصطناعي خلال المحادثة.

وعندما استخدمت شومير هذه التقنية للاستفسار عن ألم الظهر الذي تعاني منه شقيقتها، جاءها الرد بصوت مطمئن باللهجة البريطانية، مقدما بعض الأسباب المحتملة ونصحها بزيارة الطبيب. وقالت “كان الصوت متعاطفا جدا، وكان يجيب ويطرح الأسئلة لاستكشاف الموضوع بشكل أعمق، وهو ما لا يقوم به محرك البحث التقليدي”.

لكن عندما طلبت شومير من “تشات جي بي تي” نصائح حول رياضة المشي في الطبيعة في باولو ألتو بكاليفورنيا، أنشأ التطبيق خريطة تحتوي على أخطاء واضحة، ما كان سيشكل مشكلة كبيرة لها إذا لم تلاحظ ذلك قبل انطلاقها في الرحلة.

ويدرك الخبراء في استخدام الذكاء الاصطناعي لأغراض بحثية أن روبوتات الدردشة قد تقدم إجابات خاطئة، وهي ظاهرة تعرف بـ”هلوسات الذكاء الاصطناعي”، ولذلك فإنهم غالبا ما يلجؤون إلى غوغل أو مصادر أخرى للتحقق من الإجابات على الأسئلة المهمة. وقال جون بايلي، الزميل الأول غير المقيم في معهد “أميريكان إنتربرايز” في واشنطن “أتعامل مع النتيجة وكأنها من إعداد متمرّن، ثم أراجعها قليلا”.

وقد يواجه مستخدمو الإنترنت معلومات خاطئة أيضا عند البحث عبر  غوغل، لكنهم غالبا ما يكونون أكثر تمرسا في تقييم مصداقية المواقع مقارنة بروبوتات الدردشة التي تظهر ثقة مفرطة في إجاباتها. ورغم أن “بيربليكسيتي” و”أوبن إيه آي” تعالجان هذه المشكلة من خلال عرض روابط لمصادرهما، فإن هذه الممارسة ليست شائعة في جميع تطبيقات الذكاء الاصطناعي الأخرى.

وما زال من غير الواضح إذا كان سيكون هناك حل لمشكلة هلوسات روبوتات الدردشة بشكل عام. وبينما قد يكون لدى المستخدمين الأوائل لهذه التقنية صبر لتحمّل خدمة قد تقدم إجابات خاطئة، حتى لو كانوا يدفعون مقابل استخدامها، فإن ذلك قد لا ينطبق على معظم مستخدمي الإنترنت الآخرين الذين يفضلون الأمان، كما أنه يصعب التغلب على أسعار غوغل.

13