العمل التطوعي مظلة آمنة لاحتواء الشباب المصريين

يمكن أن يُعدّ العمل التطوعي وسيلة فعّالة لاحتواء الشباب المصريين بعيدا عن التطرف، حيث يسهم بشكل كبير في تعزيز الانتماء والمشاركة الإيجابية داخل المجتمع، من خلال تعزيز القيم المجتمعية والإنسانية، فضلا عن تقوية الهوية الوطنية. وبالإضافة إلى ذلك، يوفر العمل التطوعي فرصا هامة لتطوير مهارات القيادة، مما يساعد الشباب على النمو الشخصي والاجتماعي بشكل إيجابي.
القاهرة - تولي وزارات وهيئات مصرية عديدة اهتماما بالتسويق لجذب الشباب للمشاركة في أنشطة تطوعية تقدمها جهات مختلفة، وكان اليوم العالمي للتطوع الذي وافق السادس من ديسمبر الجاري فرصة مواتية للتسويق لوجود هيئات ومنظمات أهلية بحاجة إلى جذب المزيد من الشباب كي تتمكن من تأدية دورها المجتمعي، بعد أن أصبح هناك جسم شبه حكومي يشرف على مسألة تنشيط عمل الجمعيات الأهلية بما يضمن التخفيف من الصعوبات الاقتصادية التي تعانيها قطاعات فقيرة، لتكون بديلا عن تنظيمات تابعة لجماعات الإسلام السياسي لعبت في وقت سابق هذا الدور.
وأعلن التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي، ويضم طيفا واسعا من الجمعيات الأهلية التي تعمل تحت إشراف وتنسيق مباشر من الحكومة، إنشاء منصة تفاعلية متخصصة في العمل التطوعي تحمل اسم “إنسان”، تستهدف تعزيز ثقافة التطوع، واحتواء طاقات الشباب في مكانها الصحيح، والاستماع لآرائهم، بغرض تعزيز الثقة في وطنهم، وتجنب تحول هذه الطاقات في مكان غير صحيح.
ورغم أن منصات التنسيق بين المتطوعين في دول عدة تأخذ في الانتشار بفعل التطور التكنولوجي وبما يساعد في تنسيق الجهود التي تضمن تنظيم العمل، فإن وجودها على المستوى المصري أخذ منحى آخر لعدم وجود مسارات تشكل جذبا لقطاع واسع من الشباب للانغماس فيها، وتبقى كرأس حربة يمكن توظيفها لتكون مظلة آمنة تعمل من خلالها جهات حكومية لاحتواء الشباب والتواصل معهم والتعرف على أفكارهم ومطالبهم، ما يضفي بعدا سياسيا لضمان عدم استقطاب الشباب لأفكار معادية للدولة.
ويريد القائمون على المنصة الجديدة أن تصبح ساحة لإثراء النقاشات وتبادل الأفكار والمعلومات حول مختلف القضايا المتعلقة بالعمل التطوعي لدى الشباب. وقال التحالف الأهلي أنه سيعلن قريبا عن حزمة من المحفزات لتشجيع العمل التطوعي، وذلك تنفيذا لأحد أهدافه المرتبطة بتعميق ثقافة التطوع في المجتمع.
الشباب ضعف الفتيات
لا يوجد رقم محدد لأعداد الشباب المتطوعين في مصر غير أن أرقام برنامج الأمم المتحدة للمتطوعين الذي صدر في العام 2018 أشار إلى أن عددهم وصل في مصر إلى مليون و700 ألف متطوع، وتمثل هذه النسبة 2.85 في المئة من إجمالي عدد السكان في مصر ومن الممكن أن يتخطوا عمر الـ15 عاما، وتحتل مصر المرکز رقم 50 من بين 68 دولة تم إحصاء بياناتها.
لكن دراسة قدمتها الباحثة في مجال المجتمع المدني أماني قنديل، كشفت أن عدد المتطوعين في مصر بلغ ثلاثة ملايين متطوع بحلول العام 2021، کما تشير أيضا إلى أن مشارکة الذکور في العمل التطوعي ضعف مشارکة الإناث.
ويشكل هذا الرقم ثروة يمكن توظيفها بشكل جيد بما يخلق قنوات اتصال مع فئات تجد جهات حكومية مصرية صعوبات جمة في التواصل معها مع ضعف اندماج هؤلاء مجتمعيا وسياسيا بصورة كبيرة وعزوف قطاعات واسعة من الشباب عن المشاركة في أنشطة ترعاها الحكومة وتخدم مسألة تعزيز الثقة معهم، خاصة أن القيود التي فرضتها جهات حكومية على الحياة العامة في سنوات ماضية لتوتر الأوضاع السياسية والأمنية جعلت هناك حالة من القلق بحاجة إلى التعامل معها بأدوات وأساليب ناعمة.
أكدت أستاذة علم الاجتماع بجامعة بنها (شمال القاهرة) هالة منصور أن التعامل الحكومي مع العمل التطوعي ينبع من أنه أحد آليات ما يسمى بـ”الحكم الرشيد” ويضم الوزارات والهيئات الحكومية، والمجتمع الدولي بكافة أشكاله من أحزاب ونقابات وجمعيات أهلية ومنظمات حقوقية غير حكومية، ويرتكن إلى اللامركزية التي تسعى الحكومة لتطبيقها، بحيث يقوم المجتمع المدني بالأدوار التي لا تستطيع القيام بها.
وأضافت في تصريح لـ”العرب” أن الحكومة المصرية تعول على المجتمع المدني للقيام بأدوار في مجالات مختلفة بينها ما يتعلق بسد الفراغ في النشاط السياسي الخامل والنشاط الأهلي، وفي الحالتين فإن التطوع ضروري لنجاح تلك الأدوار ومع عدم وجود فرص سياسية وتشوهات الأحزاب القائمة، يبقى التعويل الأكبر على النشاط الأهلي.
وذكرت أن هذه المسألة جعلت الحكومة تركز على أن يكون الشباب وقود هذا العمل عبر جذبه للأنشطة التطوعية ومحاولة إقناع فئات عديدة لديها طاقات تستهدف تفريغها بأن هناك فرصا للتطور المهني والمجتمعي والإداري عبر الاندماج داخل جمعيات ذات بعد مؤسسي ولديها قدرات تنظيمية من خلال التحالف الوطني للعمل الأهلي.
كتف في كتف
تشكل التحالف قبل عامين تقريبا ويرأس مجلس أمنائه خالد عبدالعزيز، رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام حاليا، ويضم 34 جسما تنمويا وخدميا فضفاضا، أبرزهم الاتحاد العام للجمعيات الأهلية وبداخله العشرات من الجمعيات الأهلية، وينسق العمل مع 30 ألف جمعية أهلية من بين 52 ألف جمعية أهلية مسجلة في مصر، ولديه عدة فروع في جميع المحافظات المصرية.
ويسلط التحالف الضوء على أهمية استغلال طاقات الشباب التطوعية، ما جعله قادرا على جذب 300 ألف شاب في مبادرة أطلقها هذا العام بعنوان “كتف في كتف” جابت جميع المحافظات للوصول إلى الفئات الأكثر احتياجا من محدودي الدخل والبسطاء، لتأمين الغذاء إليهم، وجاءت انطلاقة المبادرة بمشاركة من الرئيس عبدالفتاح السيسي.
ويؤكد متابعون أن اتخاذ العمل التطوعي كمنفذ لكسب ثقة الشباب في مصر قد يحقق مردودات إيجابية حال كان هناك انفتاح على فتح مجالات العمل العام بكافة أشكالها أمامهم، ولن يكون مقبولا أن يشارك الشباب في حملات مجتمعية دون أن تكون لديهم قدرة على ممارسة العمل السياسي بشكل طبيعي.
كما أن سد منافذ السياسة في الجامعات وعدم قدرة الأحزاب على الحركة بشكل طبيعي لا يكفيان لتتمكن الحكومة من كسب ود قطاعات شبابية ربما تتأثر سلبا بالأوضاع الاقتصادية التي تعانيها أسرهم ويرون أن وجود أفق للخروج من المأزق الراهن لا بد أن يكون عبر إشراك الجميع في الحلول المفترض التوافق عليها.
ضعف الأحزاب
ترى دوائر قريبة من الحكومة أن الأحزاب السياسية على وضعها الحالي لا تصلح لأن تكون وعاء لجذب الشباب، فهي لا تجيد القدرة على تحقيق أدنى درجات الجذب والمتمثلة في وجود أيديولوجيا وأفكار مختلفة يتم تسويقها لجذب الشباب، كما أن فكرة الحزبية في حد ذاتها تراجعت بشكل أكبر مما كانت عليه في السابق، خاصة أن تاريخ العمل الحزبي بمصر لا يتضمن الانصهار الكامل بين الأحزاب والجمهور، وتبقى القطيعة هي السمة السائدة.
ويبدو البحث عن أطر يتم من خلالها دمج الشباب وتشجيعهم على العمل العام تحت أعين الحكومة هو السبيل الأمثل، وأن ذلك حدث في شكل استحداث أكاديميات للتدريب مثل الأكاديمية الوطنية للتدريب، وشباب البرنامج الرئاسي، وتنسيقية شباب الأحزاب، وغيرها من المبادرات التي هدفت إلى كسب ثقة الشباب وأن عدم قدرة هذه المحاولات على تحقيق الأثر المنشود دفع نحو الاتجاه للأنشطة المجتمعية وتعزيزها ويعد التطوع أحد أبرز نوافذها التي يمكن التعويل عليها لجذب الشباب.
وشددت هالة منصور في حديثها لـ”العرب” على أن استقطاب الشباب لأي عمل تطوعي أو أهلي لا بد أن يكون مكملا لخطوات إنهاء العزوف السياسي، والعمل على تشجيع الشباب على الانضمام إلى الأحزاب وهي كيانات شرعية شريطة أن تكون لديها اتجاهاتها المختلفة عن رؤى الحكومة والسماح بمعارضتها يظل ضروريا في حال كانت هناك رغبة حثيثة في كسب ثقتهم.
وقد يفرغ الجزء الأكبر من
الشباب المصري طاقاته في أنشطة لا تفيد المجتمع ولا تخدم مسألة تعزيز الانتماء لديهم، ويبقى ذلك منبع الخطورة، كما أن الجذب إلى العمل التطوعي من المهم أن يكون مبنيا على أسس مختلفة، وأن دور البر والإحسان الذي تقوم به غالبية الجمعيات لا يخدم الشباب ولا يجذبهم، ولا بد من البحث عن احتياجات المجتمع وإيجاد آليات لتفريغ طاقات المواطنين من خلال العمل التطوعي وهي مجالات يمكن أن تشكل أوجه استفادة حقيقية من الشباب الذين لديهم رغبة في التطوع.
طموحات كبيرة
تهدف المنصة الجديدة إلى توفير بيئة داعمة للشباب المتطوعين وتمكينهم من تقديم خبراتهم للمجتمع بكفاءة وفاعلية، والوصول إلى كافة الفئات وتشكيل حلقة وصل بين المؤسسات التي تحتاج إلى متطوعين أكفاء وبين المتطوعين الراغبين في العمل العام الذي يحتاجه الوطن.
وأشار أمين لجنة المجتمع المدني بحزب التجمع اليساري أيمن أنور إلى أن قدرة الحكومة على وضع رؤية تهدف من خلالها إلى الارتقاء بالعمل التطوعي للشباب من خلال المشاركة في الأنشطة المجتمعية التي تنفذها منظمات وجمعيات العمل الأهلي أمر إيجابي ويساعد في جذب المزيد من الشباب، لأنه ستكون هناك منصة يختار من خلالها الشباب رغباتهم وتساهم في توسيع مدراكهم بأنشطة التطوع.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن الحكومة مطالبة بوضع رؤية مماثلة للنهوض بالأحزاب القائمة وتعزيز أدوارها بين المواطنين وتنشيط التثقيف السياسي الذي يساعد على إفراز أفكار وأيديولوجيات يؤمن بها الشباب، يستمدون من خلالها انتمائهم الحزبي وترك المجال أمامهم للمشاركة في العمل العام، بدءا من المحليات ومرورا بالبرلمان ووصولا إلى المنافسة السياسية على السلطة.
وحسب تقرير إحصائي صدر أخيرا من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر (حكومي)، فإن عدد السكان من فئة الشباب في مصر في الفئة العمرية من 18 إلى 29 سنة، بلغ 21.1 مليون شاب يمثلون 19.9 في المئة من إجمالي سكان مصر، منهم 51.9 في المئة ذكورا و48.1 في المئة إناثا، وبلغ عدد الشباب في الفئة العمرية من 15 إلى 24 سنة، نحو 18.5 مليون نسمة بنسبة 17.5 في المئة من إجمالي السكان.