الهوية الوطنية في دولة الإمارات العربية المتحدة بين خصوصية الثوابت والقيم وعالمية المعايير

يُعد كتاب "الهُويّة الوطنيّة في دولة الإمارات العربية المتحدة.. بين خصوصية الثوابت والقيم وعالمية المعايير" محاولة بحثية جادة من مؤلفه الدكتور جمال سند السويدي، نائب رئيس مجلس أمناء مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، للإسهام الإيجابي والفعَّال في الجدل الدائر حول مسألة الهوية الوطنية، في ظل التحولات الجارية على المستويين الإقليمي والعالمي، والتحديات التي تفرضها العولمة والثورة العلمية والتكنولوجية بحلقاتها وموجاتها المتسارعة على مفهوم الهوية الوطنية في دولة الإمارات العربية المتحدة، وعلى المستوى الخليجي وجميع الهويات الوطنية حول العالم.
يأتي هذا الكتاب في سياق الجهود البحثية العالمية في مسائل الهويّة والمواطنة، وما تنطوي عليه من حقوق وواجبات، ومكتسبات والتزامات، وفرص وتحديات، لاسيما في ظل المتغيرات العديدة التي شهدها ويشهدها العالم، بأبعادها وتجلّياتها الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية، والفكرية والثقافية. ويسعى الكتاب إلى الإجابة عن سؤال رئيسي بشأن مدى انسجام نموذج الهويّة الوطنية في دولة الإمارات العربية المتحدة، من حيث الحقوق المدنيّة والسياسية والاجتماعية، مع مسارات التطور التي مرّت بها المفاهيم التقليدية والقانونية للهويّة في التاريخ الحديث، وذلك عبر محاولته تقديم إطار نظري وتأصيل تاريخي لنموذج الهويّة الإماراتية.
يحاول هذا الكتاب القيّم، إعادة صياغة الشخصية الوطنية الإماراتية، التي تتبنى قيماً قادرة على التفاعل المتناغم والإيجابي والبنّاء مع تلك التحولات الجارية، دون أن تنجرف وراء التغيرات التي تطمس الملامح المميزة لهذه الشخصية، التي تستفيد من المقومات الأساسية، التي قامت عليها تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي وضع لبنتها الأولى الأب المؤسِّس الراحل، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان حيث شكّلت الهوية حجر الزاوية في رؤيته، التي أسهمت في انصهار كل أبناء الدولة، من شرقها وغربها وشمالها وجنوبها، وبكل قبائلها وعوائلها، في بوتقة واحدة بعد قيام الاتحاد، حتى أصبحت هناك هوية واحدة فقط، وهي الهوية الإماراتية.
يشتمل الكتاب على ثلاثة فصول ومقدمة وخاتمة، موزعة خلال 150 صفحة، ويستهله المؤلف بقوله، إن دولة الإمارات العربية المتحدة رغم تأسيسها فعلياً عام 1971، على يد الأب المؤسّس الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيّب الله ثراه»، فإن الهوية الإماراتية واقعياً أسبق من ذلك التاريخ بكثير؛ حيث تشكّلت على مدار مئات السنين هوية مشتركة لأبناء هذه المنطقة، بحكم الجغرافيا والدين والعادات والتقاليد والتاريخ المشترك؛ ولكنها استقرّت بشكل تام، وتبلورت بصورة واضحة مع إقامة الاتحاد؛ حيث أصبح هناك وطن يضم الجميع، تشكّلت معه وبه هوية وطنية جديدة يؤمن بها كل أبناء الإمارات، ويدركون من خلالها أنهم شعب واحد، ومصيرهم واحد.
ويستحضر الكاتب في هذا المقام، مقولة الأب المؤسس الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، حين قال «إن المصير واحد، ما فيه مصير لإمارة ومصير لإمارة أخرى، ولا مصير لفرد وأفراد والآخرين لهم مصير أبداً. إن المصير واحد، والحرص واحد، والمصلحة واحدة،» وتؤكد هذه المقولة أن الهوية هي النور الذي يضيء الدرب في مواجهة التحديات، وفي تحقيق حلم الأجداد في التطوير وتحقيق النهضة، التي يعيش فيها كل إنسان بكرامة تعمِّق من ولائه لوطنه وللقيادة الرشيدة، التي تعمل ليل نهار من أجل سعادته، وضمان حاضره ومستقبله ومستقبل أبنائه؛ ومن هنا يصبح من الطبيعي أن يكون الولاء للوطن ملازماً أيضاً للولاء للقيادة الرشيدة.
ويشير الكتاب إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة تمثل تجربة فريدة في الهوية الوطنية، لأنها بُنيت على مقومات أساسية، مثل التسامح، والتعايش السلمي، والتقدم التكنولوجي. ويحاول الكاتب إثبات فرضيتين؛ أولاهما: ارتكاز الهوية الوطنية الإماراتية على مجموعة من الثوابت التاريخية والثقافية الراسخة، التي تتميز بها أرض دولة الإمارات العربية المتحدة التاريخية وقيادتها المتوارثة عبر الأجيال، ومن ينعمون بالعيش عليها ممن يحملون هويتها الوطنية، ومن يشاركونهم مسيرتهم التنموية، والفرضية الثانية: اتخاذ الهوية الوطنية الإماراتية منذ نشأة الدولة مساراً متوازناً ومدروساً -عبر تعزيز الانتماء للهويّة الوطنية، والوفاء للوطن، والتبعية لقيادته ذات الشرعية التاريخية، وصون القيم والتقاليد الوطنية الجامعة واستقلالها، وسيادتها، ووحدتها، بما يسهم بفعالية في الدور الذي تضطلع فيه دولة الإمارات العربية المتحدة في تحقيق الأهداف العالمية للتنمية المستدامة من أجل السلام والازدهار للإنسانية جمعاء.
يسعى الكتاب أيضاً إلى إبانة مدى انسجام نموذج الهُويّة الوطنيّة في دولة الإمارات العربية المتحدة، من حيث الحقوق المدنيّة والسياسية والاجتماعية، مع مسارات التطور التي مرّت بها المفاهيم التقليدية والقانونية للمواطنة في التاريخ الحديث، عبر منهجية استنباطية قدمت تأطيراً نظريّاً وتأصيلاً تاريخياً لنموذج المواطَنة الإماراتي. ويتبع الكتاب منهجاً استنباطياً عبر البدء باستعراض المسلمات والنظريات والمعارف العامة في مسائل الهويّة، والهويّة الوطنية والقومية، وأُسّسها المفاهيمية، وتطورها التاريخي، وأحدث التوجهات العالمية في مجالات الاجتماع السياسي.
ويشير الكتاب إلى بُعد آخر أكثر تخصصاً وهو الموروث الإسلامي، الذي تتّسم به المنطقة العربية عموماً، وشبه الجزيرة العربية خصوصاً، ويوضح انعكاسات ذلك وتجليّاته في مسائل الدولة المدنية والهويّة، ويستدل بذلك كله على نتائج واقعية حققتها دولة الإمارات العربية المتحدة في العقود الخمسة، التي مرّت على تأسيسها اتحاداً فيدرالياً ضم إماراتها السبع في مطلع سبعينيات القرن العشرين.
الكتاب يبين مدى انسجام نموذج الهُويّة الوطنيّة في الإمارات مع مسارات التطور التي مر بها مفهوم المواطنة في التاريخ الحديث
ويركز الكتاب في الفصل الأول بعنوان «مفهوم الهويّة الوطنية»، على مفهوم الهويّة نظرياً وتاريخياً دون الاستغراق في تفاصيل القضايا والإشكاليات العامة التي تطرحها، كما يسعى إلى الإلمام بالجوانب والأبعاد المختلفة لمفهوم «الهُويّة الوطنيّة»، باعتبارها مستوى وسيطاً أرقى من الولاءات والانتماءات الأولية، التي يكتسبها الفرد بميلاده، على الرغم من نزوع الفرد للتماهي مع هويته الإنسانية، فيما يعرف بـ: «المواطَنة العالمية». ويرى الكاتب أن مفهوم الهُويّة الوطنيّة أشمل وأوسع وأكثر تحديداً من مفهوم المواطَنة.
يشرح الفصل الأول خلال 4 محاور، هي: مفهوم الهوية الوطنية، الهُويّة: تعدد الأبعاد والمستويات، الهُويّة الوطنيّة والمواطَنة وحرية الفرد، ونحو تعريف إجرائي للهوية الوطنيّة، المحطات البارزة في تطور المفهوم، والإشكاليات التي ترتبط بهذا المفهوم الذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمفهوم القومية وبمفاهيم أخرى، مثل الخصوصية والانغلاق، لكن يشير إلى أنه في كل الأحوال لا يمكن فهم الهُويّة الوطنيّة بمعزل عن الفهم الدقيق لمفهوم الهُويّة ومستوياتها المختلفة.
ويلقي الكتاب الضوء على الجدل المثار حول الهُويّة الوطنيّة لدولة الإمارات العربية المتحدة، ويؤكد أنه يدفعنا إلى الوقوف على معنى ومفهوم الهُويّة الوطنيّة، وعلاقة هذا المفهوم بكل من القيم والثوابت، وخصوصية كل مجتمع من المجتمعات، من ناحية، وعلاقته بكل من التغير في البيئة الداخلية لتلك المجتمعات والبيئة الخارجية الناجمة عن تفاعل هذا المجتمع مع غيره من المجتمعات نتيجة لظاهرة العولمة، من ناحية أخرى.
ويوضح الكتاب أن التجربة الإماراتية توفر نموذجاً مهماً يبيّن ما الذي تعنيه الهُويّة الوطنيّة، بما تشكّله من مجموعة من القيم والتقاليد الاجتماعية الموروثة والمتوارثة، صنعتها أجيال من البشر توافدوا على أرض الإمارات، وساهموا معاً في جعلها أرضاً آمنة ومستقرة ومزدهرة تحتضن الجميع، وتقدّر مساهمة كل من يشارك في بناء نموذج إماراتي جاذب، وتضاف إلى ذلك السِّمات التي تُعطي للهوية الإماراتية تميزها والمرتبطة باللغة والدين الإسلامي ما يمنحها الثبات والاستمرارية، بالإضافة إلى خصائص أخرى من واقع تجربة بناء دولة الإمارات العربية المتحدة من خلال تأسيس الاتحاد، الذي جعل هذا النموذج قادراً على مواكبة التغيرات والتعامل معها خلال الخمسين سنة الماضية، ما جعل المواطن الإماراتي واثقاً كل الثقة من هويته الإماراتية، ومتمسكاً بمكتسباته الوطنيّة دون خوف وخشية على هذه الهُويّة الوطنيّة.
الكتاب يحاول إعادة صياغة الشخصية الوطنية الإماراتية، التي تتبنى قيماً قادرة على التفاعل المتناغم والإيجابي والبنّاء مع تلك التحولات الجارية
ويبرز الفصل أهمية البعدين الديني والقبلي العربي لتكوين الهُويّة السيادية لدولة الإمارات العربية المتحدة، إذ يُشكل البعدان معاً ركيزتين أساسيتين لمنظومة الحكم، ويؤكد أن التجربة الإماراتية تبلورت على مدى قرون نتيجة لتجمع مجموعات من القبائل منذ مئات السنين في 7 إمارات مختلفة، تجمعها قواسم مشتركة، ما سمح لسبع عوائل حاكمة فيها أن تتوافق على مبدأ الوحدة، وأضفى شرعية على ذلك مبدأ ولاية الأمر، الذي يستند بالإجماع إلى موروث إسلامي بحت، لتنصهر في 2 ديسمبر 1971 في هوية واحدة موحدة بناء على قرار حكيم من «ولاة الأمر»، لتنبثق الهُويّة السيادية الإماراتية.
يقدم الفصل الثاني بعنوان «نظريات الهويّة الوطنية»، والمقسّم إلى محورين، هما: «المفاهيم الحديثة للهويّة الوطنيّة»، و«معادلة المواطَنة – الديمقراطية – التنمية»، لمحة تاريخية عن تطور مفاهيم الهويّة الوطنية، ويستعرض مفاهيمها الحديثة وارتباطها بمسارات التطورات التنموية للدول؛ ويقدم جانباً أضيق لمفهوم الهويّة، ويؤكد أن المناقشات بشأن الهُويّة غالباً ما تعتمد على أحد نموذجين كنقطة مرجعية: الجمهوري أو الليبرالي. ويمكن العثور على مصادر النموذج الجمهوري في كتابات مفكرين مثل أرسطو، وتاسيتوس، وشيشرون، ومكيافيللي، وهارينجتون، وروسو، وفي تجارب تاريخية متميزة: من الديمقراطية الإثنيّة، وروما الجمهورية، إلى دول المدن الإيطالية.
ويفسّر الكتاب أن المفهوم الليبرالي غالباً ما يتّخذ من الفرد محور التركيز الرئيسي، فتؤكد النظرية الليبرالية في الهُويّة المساواة في الحقوق التي يتمتع بها كل مواطن، والتي يستطيع بها الفرد أن يحقق أهدافه وغاياته، أما التقليد الجمهوري، فيؤكد المشاركة في الحكومة بوصفها أساساً لتعزيز الصالح المدني، وهو ينتقد المنظور الليبرالي، ويعدّه مفهوماً مبتوراً وغير مكتمل، وأخيراً، الجماعاتي، الذي يتعارض مع الموقف الليبرالي، فبالنسبة إلى الجماعاتيين، لم يوجد الفرد قبل الجماعة. وعلى هذا النحو، يرون أن النظرية الليبرالية أسقطت من حساباتها الواجب أو الولاء للمجتمع، وتجاهلت الطبيعة الاجتماعية للأفراد؛ وفي تركيزها على الحقوق، تجاهلت المسؤوليات والواجبات المستحقة للمجتمع، وتعزّز الفردانية على حساب القضايا الأخلاقية والاجتماعية.
وفي هذا المضمار يشرح هذا الفصل كذلك، النظريات التجريبية التي تبحث في العمليات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، التي شكّلت ظهور الهُويّة الوطنيّة في أوقات وأماكن مختلفة، والطرق التي مُنحت بها هذه المكانة لمجموعات مختلفة من الناس، كما تسعى هذه النظريات إلى فهم كيفية نشأة الهُويّة وأسبابها في ظروف معينة واتخاذها الأشكال التي ظهرت بها، وهي أشكال تمحوّرت حول تطور الهُويّة الديمقراطية في الدول القومية في بعض دول أوروبا.
وينتقل الكتاب في الفصل الثالث بعنوان «الهويّة الوطنية في دولة الإمارات العربية المتحدة والتحديات والمعاصرة» إلى الهويّة في دولة الإمارات العربية المتحدة، وخصوصية الثوابت والقيم الإماراتية وعلاقتها بمفهوم الهويّة في الدولة، والمسار الذي تطوّر عبره منذ نشأة الدولة خلال سعيها الحثيث نحو المعايير العالمية، كذلك دستور دولة الإمارات العربية المتحدة وقيم الهويّة، وارتباط الهويّة باللغة العربية. وأخيراً يتطرق إلى تحديات القرن الحادي والعشرين والهويّة العالمية.
الكتاب يشير إلى بُعد آخر أكثر تخصصاً وهو الموروث الإسلامي، الذي تتّسم به المنطقة العربية عموماً، وشبه الجزيرة العربية خصوصاً
ويوضح الكتاب كيف أن المواطَنة في دولة الإمارات العربية المتحدة تعتبر من أهم التجارب العربية، مستشهداً بعمق فكرة المواطَنة ورسوخها لدى أبناء دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تفوق العديد من الدول التي سبقتها في التأسيس بعقود عديدة، ما جعل من حداثة دولة الإمارات العربية المتحدة نموذجاً يمتاز بهذا المستوى من اللُّحمة الوطنيّة، والمواطَنة الراسخة.
كما يُشير الكتاب إلى أن أرض دولة الإمارات العربية المتحدة امتازت عبر العصور بكونها «مجمعاً كبيراً للقبائل العربية» التي يجمعها التاريخ والامتداد المكاني والزماني، ومن ثمَّ، لم يكن انصهار أبناء الإمارات في بوتقة واحدة بالأمر اليسير، ولاسيّما بما يحيط بالدولة من حدود بريّة وبحريّة واسعة، لكن ورغم ذلك يؤكد الكتاب أن فكرة المواطَنة لم يكن لها حضور ذهني في المجتمعات القَبَلية، وكانت تطبّق عمليّاً وتشمل كل من يقيمون في هذه المجتمعات، وقد شكّلت المنظومة القَبَلية هذا التطبيق العملي من خلال المساواة بين كرامة أفرادها، فحرصت على الدفاع عن كل الأفراد ونصرتهم حين تعرّضهم للخطر أو العدوان، حتى استطاع المرحوم الشيخ زايد – طيّب الله ثراه – تحويل الانتماء من القبيلة إلى الدولة.
ويتطرق الكتاب إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة أولت مفهوم المواطَنة اهتماماً خاصاً، لقياس التطور الاجتماعي والتنمية البشرية، حيث ترتكز على عدد من الأسس، هي: الهُويّة الوطنيّة، والوحدة، والسيادة، والاستقلال، والعدالة، إذ تُمثل القيادة الإماراتية – بدءاً من الآباء المؤسسين، وانتهاءً بالشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، و حكام الإمارات وأولياء عهودهم – الضامن لبقاء هذه المرتكزات مجتمعةً في بوتقة الوطن الإماراتي الموحد، وصونها وتعزيزها، وهي الجامع لُهويّة مواطنيه وإرثهم القومي وتاريخهم ومكتسباتهم وتطلّعاتهم ومستقبل الأجيال اللاحقة.
ويشرح الكاتب في هذا الفصل، كيف عمدت القيادة في دولة الإمارات العربية المتحدة إلى تجذير التزامها وطنيّاً وديمقراطيّاً من خلال مبادرات وبرامج ومشروعات التربية المواطنية، ولاسيما في المؤسسات التربوية والتعليمية والشبابية، بهدف تحقيق الغاية العليا في تنشئة جيل متشبّع من الفكرة والثقافة الوطنيتين، ومن الفكرة والثقافة الديمقراطيتين، جيل قادر ذاتيّاً ومعرفيّاً ومهاريّاً على تطوير الحكم الوطني الاتحادي والديمقراطي واستدامته في إطار مسيرة الدولة التنموية والنهضوية، كما تصوّرها الآباء المؤسسون للدولة، مما تجسّد في دستور الدولة.
أما في تجربة الوحدة، فيشرح الكتاب، كيف أن الأب المؤسس الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، كانت لديه قناعة راسخة، بأن الوحدة ينبغي أن تشمل دول الخليج العربية، وقد أسهمت هذه الرؤية في تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية عام 1981، حيث كان اتحاد الإمارات عام 1971، بمنزلة النواة الحقيقية لتشكيل مجتمع خليجي عربي واحد ترسّخه القواسم التاريخية، والجغرافية، والسياسية، والاقتصادية، والثقافية المشتركة.
الأب المؤسس الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، كانت لديه قناعة راسخة، بأن الوحدة ينبغي أن تشمل دول الخليج العربية
ويبرز الكتاب دور الشيخ زايد، وإسهاماته الجوهرية في تجسيد فكرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية على أرض الواقع، ابتداءً من باكورة الاجتماعات التي عُقدت بهذا الشأن في أبوظبي عام 1976 مع أمير دولة الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، وانتهاءً بالاتفاق على الصيغة الأولى لتأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية في القمة الأولى من نوعها بأبوظبي في 25 و26 مايو 1981، بهدف تحقيق التنسيق والتكامل والترابط في جميع الميادين بين دول الخليج الست، وصولاً إلى الوحدة، وفق ما نصّت عليه المادة الرابعة من النظام الأساسي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية: «تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها.»
ويتناول الكتاب آليات دولة الإمارات العربية المتحدة في الاهتمام بالمواطنين من الأشخاص ذوي الإعاقات، أو ذوي الاحتياجات الخاصة، حتى بهدف تعزيز جودة الحياة الرقمية في دولة الإمارات العربية المتحدة، وترسيخ مجتمع رقمي آمن وإيجابي، أطلق مجلس جودة الحياة الرقمية مجموعة القيم والسلوكيات للمواطنة الرقمية الإيجابية لدولة الإمارات العربية المتحدة، ودعا أفراد المجتمع من المواطنين والمقيمين إلى التزام البنود العشرة، التي جاءت في ميثاق قيم وسلوكيات المواطَنة الرقميَة الإيجابية.
ويلفت الكتاب إلى أول خطاب لرئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان عقب توليه الحكم في 14 مايو 2022، والذي حدّد فيه رؤيته لسياسة دولة الإمارات العربية المتحدة الداخلية والخارجية، إذ قال : «سيبقى تاريخنا وهويتنا وموروثنا الثقافي جزءاً أساسياً في خططنا إلى المستقبل» هو أمر يدل على أن تعزيز الهُويّة الوطنيّة والقيم الثقافية واللغة العربية في المؤسسات التعليمية، وكذلك الحفاظ عليها وترويجها من أهم أولويات القيادة، إدراكاً منها لارتباط الهُويّة الوطنيّة الوثيق بكل من الثقافة الإماراتية واللغة العربية.
ويبرز الكتاب مساعي القيادة الإماراتية إلى تعزيز فكرة «الأمة» حتى يبني الإماراتيون بواسطتها، شكلاً جديداً من أشكال الهُويّة الجماعية، ويتمكنوا من تجاوز ولاءاتهم تجاه العائلة أو القبيلة أو المنطقة أو السلالة، والانتقال إلى رحابة الانتماء الوطني الأشمل.
وينتقل الكتاب إلى كيف أدرك قادة دولة الإمارات العربية المتحدة، المستقبل الوشيك لبلادهم في مرحلة ما بعد النفط، ويحاولون جاهدين إبعاد مواطنيهم نسبيّاً عن مظلة الإعانات العامة، سعياً إلى تحويلهم إلى رواد أعمال نيوليبراليين مكتفين ذاتيّاً، وهو أمر يلقى ترحيباً من الغرب، باعتباره تطوّراً واعداً في العالم العربي، ويتناغم هذا المسعى مع حملات الإصلاح التي طالت شؤون المواطَنة وقوانينها، سالفة الذكر، والتي تبنتها حكومات دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في السنوات الأخيرة.
وفي خاتمة الكتاب، يقول المؤلف: إن كتابنا هو محاولة لإعادة بناء مفهوم الهوية الوطنية الإماراتية، بهدف استيعاب التطورات العالمية والتكنولوجية والاجتماعية بشكل متزامن ومتوازن، دون أن تفقد الشخصية الوطنية المميزة هويتها وخصوصيتها، حيث يهدف هذا التحليل إلى استشراف مستقبل الهوية الوطنية في ظل التحديات الجديدة، والاستفادة من الخبرات والمقومات التي تمتاز بها تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة لتعزيز الثقافة المشتركة والتلاحم الاجتماعي في المجتمعات الإماراتية والخليجية بشكل عام.