رياح التقشف تضرب الإنفاق السعودي في موسم الانتقالات

أبرزهم رونالدو ومانشيني.. نجوم ومدربون تحت طائلة الضغط.
الأحد 2024/10/13
شراكة ناجحة

دخلت المملكة العربية السعودية عالم كرة القدم بخطى حثيثة، حيث أنفقت ما يقرب من مليار دولار لاستقطاب أبرز النجوم في محاولة لتحويل دوريّها الناشئ إلى مقصد للاعبين والمدربين الكبار، لكن هذا التدفق المالي الهائل لم يستمر. وانخفض إنفاق الدوري السعودي للمحترفين على اللاعبين الجدد هذا الصيف إلى ما يزيد قليلا عن 530 مليون دولار، وفقا للعديد من وسائل الإعلام.

الرياض - بعد صيف باذخ أنفقت فيه السعودية قرابة المليار دولار لاستقطاب لاعبين جدد، تراجعت قيمة تعاقدات أندية المملكة هذا الصيف بأكثر من النصف، في خطوة ربطها خبراء بالتقشف وإعادة تقييم المشاريع الاقتصادية العملاقة التي تنكب عليها الرياض.

وتراجعت السعودية التي حلّت في المركز الثاني العام الماضي إلى المركز السادس خلف “الخمسة الكبار” الأوروبيين، بإنفاق بلغ 431 مليار دولار، أي نصف ما أنفقته في صيف 2023 حين صرفت 957 مليون دولار قياسية على انتقالات لاعبين جدد، وفقا لتقرير نشره الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) مطلع سبتمبر الماضي.

ومقابل التوقيع مع الفرنسي كريم بنزيمة والبرازيليين نيمار وفيرمينو والسنغالي ساديو مانيه من صفوة الأندية الأوروبية في 2023 نظير رواتب هائلة، لم تسجل الأندية السعودية التوقيع مع نجم كبير بارز في صيف 2024. وأرجع سيمون تشادويك أستاذ الرياضة والاقتصاد الجيوسياسي في كلية سكيما للأعمال في باريس تراجع الإنفاق السعودي إلى جملة من الأسباب المالية والرياضية.

وقال “أولا، رياح التقشف تهب على كرة القدم، وهي انعكاس لقضايا اقتصادية وسياسية أوسع نطاقا في جميع أنحاء العالم”. وأضاف “ثانيا، تراجعت السعودية هذا العام عن العديد من التزاماتها بالإنفاق الكبير لتقييم ما إذا كانت تمثل قيمة مقابل المال، بالإضافة إلى أن صندوق الاستثمارات العامة باع سندات في الأسواق المالية”.

وقد يكون تراجع الإنفاق الكروي السعودي مرتبطا بـ”ترتيب الأولويات” في برنامج رؤية 2030 الذي تتبناه المملكة. ولفت وزير المالية السعودي محمد بن عبدالله الجدعان في أبريل إلى أن “الصدمات” العالمية منذ إطلاق رؤية 2030 في عام 2016، على غرار الحروب في أوكرانيا وغزة وجائحة كورونا والتضخم وتعطل سلاسل التوريد، دفعت المسؤولين إلى مراجعة خططهم الإصلاحية.

واقعي وعقلاني

◙ نجوم غيروا مسار كرة القدم السعودية
◙ نجوم غيروا مسار كرة القدم السعودية 

وأكّد أن المسؤولين السعوديين “ليس لديهم غرور” ويمكنهم “تغيير المسار” و”التكيُّف” استجابة للظروف الاقتصادية. وقال مسؤولون سعوديون إنه سيتم تمديد الإطار الزمني لبعض مشروعات رؤية 2030، رغم أنهم لم يذكروا تفاصيل، وقالوا أيضا إنه سيتم تسريع مشروعات أخرى. وطرحت شركة أرامكو النفطية العملاقة، المملوكة بشكل كبير للدولة، أكثر من مليار دولار من أسهمها في عملية جمعت أكثر من 12.3 مليار دولار، سعيا لتوفير تمويل لمشروعات الإصلاح الكبرى بحسب خبراء.

أوضح جيمس دورسي الباحث في معهد سنغافورة لدراسات الشرق الأوسط أن تراجع الإنفاق السعودي مرتبط بأسباب اقتصادية مع “وجود تقليص في مشاريع كبرى أخرى”. وقال إنّ الصفقات الباهظة في عام 2023 وضعت الدوري السعودي على الخارطة عبر “جذب الانتباه” لدوري غير معروف عالميا. لكنّه أضاف “في نهاية المطاف يتعين عليك بناء هذا بشكل مستدام. ولن تتمكن من القيام بذلك ببساطة من خلال شراء (لاعبين) بأسعار مبالغ فيها، بل سيتعلق الأمر بالأداء، وأعتقد أن السعوديين يدركون هذا”.

◙ الحلم السعودي كان يستهدف استقطاب نجوم الكرة العالمية بشكل مستمر من مختلف الدوريات الكبرى
◙ الحلم السعودي كان يستهدف استقطاب نجوم الكرة العالمية بشكل مستمر من مختلف الدوريات الكبرى

وذكر أن السعوديين “بدأوا يشعرون بضغوط الميزانية في ظل وجود إنفاق ضخم كجزء من رؤية 2030”. والسعودية الطامحة لأن تصبح قوّة رياضية عالمية، تستضيف منذ 2020 رالي دكار، وجولة من سباقات فورمولا واحد منذ 2021، وأطلقت دوري “ليف غولف” واحتضنت نزالات نخبوية في الملاكمة، فضلا عن استقطاب نجوم كرة قدم عالميين يتقدمهم البرتغالي كريستيانو رونالدو.

وستستضيف كأس آسيا 2027 ودورة الألعاب الآسيوية 2034 ودورة الألعاب الآسيوية الشتوية 2029، فيما تعد المرشحة الوحيدة لاستضافة كأس العالم 2034. واعتبر محمد مندور الصحافي الرياضي في موقع “سبورتس داتا” الفرنسيّ أنّ تراجع الإنفاق يعكس “واقعية وعقلانية” لدى القائمين على البطولة السعودية.

وأفاد بأنّ “أي مشروع (رياضي) في بداياته ينفق الكثير في مرحلة التأسيس ثم تبدأ مواسم أقل إنفاقا قبل أن تأتي مواسم الحصاد” المرتبطة بـ”إيجاد رعاة وموارد للأندية (السعودية) بعضها من خارج السعودية نفسها”. وقال مسؤول في رابطة الدوري السعودي للمحترفين غير مخول بالحديث مع الإعلام “من قال إننا مطالبون بالتعاقد مع لاعب كبير كل صيف؟”. وفسر كلامه بقوله “الإنفاق هذا العام يعكس نضوج الدوري والسعي وراء سدّ الثغرات الفنية” في الفرق السعودية.

واستقطبت الأندية الأربعة الكبرى في الدوري السعودي، المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة واسع الثراء، 15 لاعبا أجنبيا في فترة الانتقالات الصيفية، من بينهم سبعة للاتحاد الباحث عن استعادة اللقب من الهلال. في المقابل احتفظ الهلال بترسانته الأجنبية التي ساعدته على اكتساح الموسم الماضي محليا.

وظفر فريق العاصمة بتوقيع الظهير البرتغالي جواو كانسيلو (30 عاما) من مانشستر سيتي بطل إنجلترا، لتعويض رحيل مدافعه سعود عبدالحميد إلى روما الإيطالي. ولا ينفصل تراجع الإنفاق الكروي في السعودية عن الواقع العالمي؛ إذ تراجعت رسوم الانتقالات في كرة القدم للرجال بنسبة 13 في المئة مقارنة بالعام الماضي، لتصل إلى 6.4 مليار دولار (5.8 مليار يورو)، بحسب تقرير فيفا.

وأوضح تشادويك أنّ “الإنفاق على لاعبين باهظي الثمن وأسماء كبيرة هو في نهاية المطاف مسعى مرهق ماليا على المدى الطويل ولا يضمن النجاح. العائدات التجارية المتوقعة (صفقات البث التلفزيوني) لم تتحقق حتى الآن". وأضاف أن الواقع الحالي "يستلزم إعادة تقييم الأولويات والأهداف”. وذكرت تقارير أنّ الأندية السعودية قد تعود إلى الإنفاق بقوة العام المقبل مع إمكانية جلب لاعبين كبار في صفقات انتقال حرة كالمصري محمد صلاح والبلجيكي كيفن دي بروين.

لكنّ الخبير تشادويك يعتقد أنّ “السعودية تسعى إلى تحقيق توازن مختلف بين جلب لاعبين دوليين معترف بهم عالميا والمطلوبين لجذب الجماهير، وتطوير المواهب السعودية التي ستعمل على إنجاح المنتخب الوطني وستساعد على بناء نظام (في رياضة كرة القدم) سليم في البلاد”. لم يتوقع الكثيرون حجم الطفرة التي أحدثتها الكرة السعودية على مستوى العالم طوال الفترة الماضية، خاصة بعد التشكيك والانتقادات التي تعرض لها صندوق الاستثمارات العامة نتيجة صرف المبالغ الطائلة على النجوم والمدربين.

◙ الأندية الأربعة الكبرى في الدوري استقطبت 15 لاعبا أجنبيا في الصيف، من بينهم سبعة للاتحاد الباحث عن استعادة اللقب

الحلم السعودي كان يستهدف استقطاب نجوم الكرة العالمية بشكل مستمر من مختلف الدوريات الكبرى، فضلا عن التعاقد مع أبرز المدربين في سماء الساحرة المستديرة، بهدف الوصول إلى أقصى درجات النجاح. كذلك، نجح صناع القرار في الرياضة السعودية في تطوير الملاعب والمرافق العامة وتعديل بعض القرارات الخاصة بالمسابقات المحلية، ما جعل الدوري السعودي إحدى أبرز الوجهات التي تجذب جميع اللاعبين والمدربين من مختلف الأماكن.

وكان البعض يتوقع أن المبالغ الطائلة التي أنفقها صندوق الاستثمارات العامة على اللاعبين والمدربين ليست إلا حيلة لجذب أنظار العالم فقط، ولكن الواقع كان بمثابة الصدمة. صحيح أن المملكة العربية السعودية استفادت كثيرا من وجود أسماء بحجم الأسطورة البرتغالي كريستيانو رونالدو والهداف الفرنسي كريم بنزيمة والنجم البرازيلي نيمار دا سيلفا، ولكن مجيئهم لم يكن لمجرد الاستمتاع بالسنوات الأخيرة في مسيرتهم، بل إن الهدف هو مقارعة الدوريات العالمية.

وتعرض بعض اللاعبين والمدربين للصدمة، بسبب المطالب الجماهيرية والإعلامية المستمرة لتقديم نفس المستويات التي ظهروا عليها في الملاعب الأوروبية، ليدرك بعضهم أن الاستمرار على نفس الوتيرة هو السبيل الوحيد للحصول على المبالغ الطائلة من الأندية.

بنزيمة كان أبرز اللاعبين الذين تعرضوا للانتقادات الجماهيرية والإعلامية في موسمه الأول بسبب تذبذب مستواه، بالإضافة إلى الجزائري رياض محرز، نجم أهلي جدة الذي يعاني من تشكيك واضح في قدراته خلال الفترة الحالية. ولم يتوقف الأمر على الانتقادات، بل تسبب تذبذب المستوى في رحيل بعض النجوم عن دوري روشن مثل البرازيلي أليكس تيليس الذي تخلص منه النصر.

وينطبق الأمر على المدربين أيضا، حيث تفاجأ الإيطالي روبرتو مانشيني، المدير الفني للمنتخب السعودي، من كم الضغوط والانتقادات التي يتعرض لها بسبب سوء مستوى “الأخضر”، وهو نفس الحال للعجوز البرتغالي جورجي جيسوس، مدرب الهلال خلال الموسم الماضي، قبل أن ينفجر ويقدم واحدة من أفضل فترات "الزعيم". وبالتالي فإن الجماهير وصناع القرار في الرياضة بجانب الصحافة والإعلام، لن يقبلوا بأي تراخ، نظرا لتوفير كافة وسائل الدعم، وهو ما تسبب في صدمة واضحة لنجوم العالم الذين كانوا يتوقعون سهولة المنافسة. تمكن صندوق الاستثمارات العامة من جلب العديد من المدربين الكبار، مثل مانشيني رفقة المنتخب السعودي والإنجليزي ستيفن جيرارد مع الاتفاق، بالإضافة إلى جيسوس مع الهلال والألماني ماتياس يايسله على رأس القيادة الفنية لأهلي جدة، بالإضافة إلى الإيطالي ستيفانو بيولي رفقة النصر، والفرنسي لوران بلان مع اتحاد جدة، فضلا عن المفاوضات التي كانت تستهدف استقطاب البرتغالي جوزيه مورينيو ولكن المحاولات باءت بالفشل.

مدربون كبار

◙ تسابق وتلاحق
◙ تسابق وتلاحق

وشهد الموسم الماضي رحيل العديد من المدربين الكبار، مثل البرتغالي نونو سانتو والأرجنتيني مارسيلو غاياردو عن الاتحاد، بسبب تراجع النتائج والانتقادات الجماهيرية المستمرة. وقرر النصر قبل أيام قليلة التخلص من البرتغالي لويس كاسترو وتعيين بيولي خلفا له، وهو مصير قد ينتظر بعض المدربين الكبار خلال الفترة المقبلة، رغم الخبرات التي يتمتعون بها، ولكنها لا تتناسب مع الحلم السعودي.

يايسله هو أول المدربين الذين يرتبطون بالرحيل، بعد خسارة أهلي جدة السوبر السعودي في مطلع الموسم الجاري، بالإضافة إلى نزيف النقاط في دوري روشن، حيث فقد 11 نقطة من أول 6 جولات.

ولم يختلف الوضع كثيرا في الاتفاق، حيث يعاني جيرارد من بداية متراجعة، بتحقيق 3 انتصارات وخسارة مباراتين والتعادل في مناسبة واحدة، ليواجه انتقادات حادة قد تؤدي إلى رحيله. كذلك مانشيني يعيش فترة صعبة، حيث سيواجه تحديا مثيرا عندما يلعب ضد البحرين مساء الثلاثاء المقبل، في الجولة الرابعة من التصفيات النهائية المؤهلة لكأس العالم 2026.

تراجع الإنفاق الكروي السعودي قد يكون مرتبطا بترتيب الأولويات في برنامج رؤية 2030 الذي تتبناه المملكة

والعامل المشترك بين جيرارد ومانشيني ويايسله والمدربين الذين رحلوا عن الدوري السعودي، هو دفاعهم المستميت عن أفكارهم دون الاعتراف بالأخطاء التي يرتكبونها أو عدم الدراية بصعوبة الضغط والمنافسة. وبالتالي، فإن أفكار هؤلاء العباقرة قد تصطدم بالحلم السعودي خلال الفترة المقبلة، برحيل أحدهم حال استمرار النتائج المتراجعة، في ظل الضغوط الجماهيرية والإعلامية.

وتواصل الانتقادات ملاحقة المدرب الإيطالي روبرتو مانشيني مع المنتخب السعودي، وذلك بعد الخسارة الصادمة التي تعرض لها أمام اليابان، ضمن منافسات الجولة الثالثة من التصفيات النهائية المؤهلة لكأس العالم 2026. ويعتمد مانشيني دائما على طريقة لعب ثابتة، متمثلة في خطة 3 – 5 – 2، رغم الانتقادات التي تعرض لها بسبب هذا الأسلوب، ليقرر التغيير قليلا خلال مواجهة اليابان.

صحيح أن مانشيني بدأ المباراة بالطريقة ذاتها، ولكنه قرر الاعتماد على خطة 5 – 4 – 1 وتتحول إلى 4 – 3 – 3 في بعض الأحيان، وذلك بعد اهتزاز شباكه في أول ربع ساعة. وبالفعل ظهر “الأخضر” بصورة جيدة وهدد مرمى الضيوف بعدة فرص، قبل أن يتدخل مانشيني في الشوط الثاني ويعود إلى أسلوبه السابق بالاعتماد على 3 مدافعين، ودخول سالم الدوسري للعمق بدلا من التواجد على الطرف الأيسر.

16