الذين لا يرضون بقدرات أولادهم.. الثانوية العامة في مصر نموذجا

الكثير من المصريين يرون أن الأمل الأول لأولادهم في النجاح إنما هو التفوق في الثانوية العامة، وما سوى ذلك فهو الحضيض ولا أمل غير ذلك، لذلك يدخل الكثير من الطلاب والطالبات في حرب ضروس للتفوق في الثانوية العامة حتى لو دفع بعضهم للغش في الامتحانات.
المصيبة أن الجميع إلا القليل يريد أن يصل إلى القمة حتى ولو عرف من قدرات أولاده أنه لن يستطيع الوصول إلى ذلك، فيظلون يتطلعون لنيل الدرجات العلا فإذا جاء وقت النتيجة أصابتهم الصدمة وكأنهم لا يعلمون قدرات أولادهم، وهم كانوا يعلمون أن أولادهم لن يبلغوا ما يريدون وكأنهم يطلبون من أولادهم تحقيق المحال.
وعندما لا يصل الأبناء إلى الكليات التي كان يريدها الأب وجدناه يعيد حساباته وينظر للأموال التي أنفقها على أولاده في الدروس والكتب وسائر نفقات الدراسة، فجعل دراسة أولاده من المشاريع الفاشلة.
ما نشاهده اليوم من الجنازات التي تكون في بعض البيوت المصرية للذين لم يحقق أولادهم صعود القمة يدل على المبالغة في تقدير أثر الثانوية العامة في حياة الأبناء، فالتعليم من أسباب النجاح وليس هو جميع الأسباب.
هناك آباء ناضجون يعلمون تدني قدرات أولادهم وبناتهم، فبدلا من إرهاق أنفسهم وأولادهم بالثانوية العامة يدخلونهم تعليما فنيا ويشجعون أولادهم على النجاح ويريحون أنفسهم من الإرهاق النفسي والمالي الذي تسببه الثانوية العامة، وبدلا من دخول كليات شكلية فقط لا يستفيد منها الأبناء لا معرفة ولا عملا ولا يحتاج إليها سوق العمل يتعلمون تعليما فنيا ثم ينخرطون في سوق العمل.
الكارثة في ذلك أنهم يرهقون أولادهم بمطالبهم العالية التي تفوق قدراتهم، ولو كان أولادهم دون المتفوقين بقليل وعندهم سعة من المال فلا بأس بتعويض ذلك الفارق بالكليات الخاصة التي يدفع فيها الأغنياء أموالهم، فكيف لو كانت الدرجات متدنية أو كان الوالد من الفقراء أو من الطبقات الوسطى ولا يستطيع صبرا على تلك الكليات الاستثمارية.
الأبناء يحتاجون القدوة من الوالدين في تربيتهم على الرضا بقدراتهم والاستفادة منها وعدم تمني ما لا يستطيعون وعدم مقارنة أنفسهم بغيرهم
إن الأبناء يحتاجون القدوة من الوالدين في تربيتهم على الرضا بقدراتهم والاستفادة منها وعدم تمني ما لا يستطيعون وعدم مقارنة أنفسهم بغيرهم، وأن درجات الثانوية حتى ولو كانت متدنية لن تحجبهم عن النجاح، فكم من أناس نالوا شهادات في مجال معين ونجحوا في مجال آخر، والنجاح لا يقف عند الطبيب والمهندس والصيدلي.
المشكلة أن الجميع إلا ما ندر يريد الوصول إلى كليات القمة حتى ولو لم تتوفر له القدرات التي توصله إلى تلك الكليات، وهذا له عدة أسباب منها المقارنات التي يعقدها الوالدان بين أولادهم وأولاد أقاربهم، فدائما الوالدان يذكّران أولادهم بالنظر لأولاد أعمامه وعماته وأولاد خاله وخالاته، مما يدفع الأولاد للحقد والحسد وعدم الرضا بقدراتهم.
ومن تلك الأسباب عدم رضا الوالدين بقدرات أولادهم، فهم لا يرضون بالمستوى المتواضع من أولادهم ولا يريدون التسليم في أن أولادهم لن يستطيعوا تجاوز تلك النتائج الحالية، ويظلون يعلقون أوهامهم وأحلامهم على تفوق أولادهم غير الممكن فيطالبون أولادهم بالمستحيل.
ومن تلك الأسباب أيضا سعي الكثير من الآباء في تحقيق أهدافهم التي أخفقوا في تحقيقها في دراستهم فيريدون من أولادهم تحقيقها، فمن لم يستطع أن يكون طبيبا يسعى أن يجعل ولده طبيبا حتى لو لم يستطع ولده أن يكون ممرضا، والأب الذي لم يستطع أن يكون مهندسا يسعى لجعل ولده مهندسا حتى ولو كان ولده ضعيفا في الرياضيات وهزيلا في بقية المواد.
إن سوق العمل لا يحتاج الطب والهندسة والصيدلة فقط، بل هناك الكثير من التخصصات المطلوبة والتي لها الكثير من عوامل النجاح في السوق ونحتاج إليها جميعا، وينبغي ألا نركز على المشهور فقط من التخصصات، بل قد تكون هناك تخصصات غير مشهورة وفرص النجاح فيها كثيرة وسوق العمل يطلبها بشدة فلماذا لا نستفيد من تلك التخصصات.
إن سعي الجميع أن يكونوا سواء أمر مرهق للأسر وللأولاد وقد يدفع بعض الأبناء للانتحار، فينبغي للأولاد أن يرضوا بمستواهم الدراسي المتواضع ولا يعطوا لوالديهم أملا أنهم سيتجاوزون ذلك المستوى، ولا يبيعوا لهم الأوهام أنهم سيكونون مثل أقاربهم.
وينبغي للوالدين الرضا بمستوى أولادهم وعدم مقارنتهم بغيرهم والعلم أن الله قد جعل لكل شخص فرصته في النجاح وقسم له رزقه، فليس من حق الجوافة أنها تريد أن تكون مانجو، ومع ذلك فنحن نحتاج إلى الجوافة كما نحتاج إلى المانجو.
أولادنا أمانة لدينا فلا ينبغي لنا أن نرهقهم بمطالبنا التي تفوق قدراتهم، بل نشجعهم على التفوق دون مبالغة أو المطالبة بالمستحيل، ونربيهم على الرضا بقدراتهم والاستفادة منها وعدم مقارنة أنفسهم بمن هو أعلى منهم ليعشوا حياة آمنة ويستفيدوا من قدراتهم وينفعوا أوطانهم.