جولة القاهرة حاسمة للاقتراب من الصفقة أم التصعيد

جولة القاهرة تحظى بزخم سياسي كبير ويتم التعويل عليها لأن الصفقة المنتظرة تتجاوز أهميتها التمهيد لوقف الحرب في قطاع غزة.
الأحد 2024/08/18
مصر قبلة للدبلوماسيين

تشهد المنطقة تحركات دبلوماسية واسعة لنزع فتيل تصعيد لاح في الأفق مؤخرا عقب اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران وتلويح قيادتها بالرد على إسرائيل، قبل أيام قليلة من استئناف جولة جديدة في القاهرة بشأن توقيع صفقة تبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس، بعد أن تفاءل الوسطاء بنتائج جولة الدوحة التي اختتمت الجمعة، على الرغم من إعلان حماس مقاطعتها.

وتحظى جولة القاهرة التي تنطلق هذا الأسبوع بزخم سياسي أكبر من المعتاد، ويتم التعويل عليها أكثر من ذي قبل، لأن الصفقة المنتظرة تتجاوز أهميتها التمهيد لوقف الحرب في قطاع غزة، وتمتد إلى وقف التصعيد الإقليمي في المنطقة، حيث ألمحت إيران إلى أن التهدئة بين إسرائيل وحماس لها انعكاسات على طبيعة ردها على إسرائيل، وربما تتراجع عنه بعد اتصالات بينها وبين دوائر غربية عدة، والتلميح لصفقات قد تعقد في الخفاء إذا التزمت طهران بضبط النفس، لأن هناك معلومات عقب انفضاض جولة الدوحة قالت إنها سحبت بعض صواريخها الموجهة نحو إسرائيل.

ويقوم وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن هذه الأيام بجولة في المنطقة مختلفة عن جولاته المتعددة السابقة التي أكد فيها انحيازه لإسرائيل، ويأتي الخلاف من ناحية وجود ارتباط عضوي بين جولته وما يدور في كواليس الحوارات مع إيران، من زاوية إرسال وتلقي رسائل، وليونة متوقعة قد تبديها إسرائيل وحماس، فالأولى قالت وسائل إعلام فيها إن المستوى العسكري حقق أهدافه في غزة، بعد أن دمر غالبية البنى التحتية للحركة في كافة أنحاء القطاع، وتظل مسألة حماس كفكرة واعترف الجيش بصعوبة القضاء عليها حاليا وأنها في حاجة إلى تعامل من نوع خاص.

خطاب هاليفي بشأن ممر فيلادلفيا يبعث بإشارة تطمين للمواطنين بأن الممر بات آمنا ولا توجد مخاوف حقيقية بعد الانسحاب منه
◙ خطاب هاليفي بشأن ممر فيلادلفيا يبعث بإشارة تطمين للمواطنين بأن الممر بات آمنا ولا توجد مخاوف حقيقية بعد الانسحاب منه

وانطوى خطاب رئيس الأركان هرتسي هاليفي بشأن بقاء قوات الجيش في ممرّ فيلادلفيا أو خروجها منه، واللذين يتوقفان على تقدير المستوى السياسي، على رسالة تضع العهدة والقرار في جعبة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وتبعث بإشارة تطمين للمواطنين بأن الممر بات آمنا ولا توجد مخاوف حقيقية بعد الانسحاب منه، وإلى مصر التي تصر على عدم وجود قوات إسرائيلية في هذا الممر القريب من حدودها، وبالتالي إمكانية البحث عن صيغة مرضية لفتح معبر رفح في جنوب غزة، ما يعني ضمنيا سقوط أحد شروط نتنياهو للتوقيع على الصفقة المؤجلة.

أما الثانية (حماس) التي قالت إنها قاطعت جولة الدوحة، فإن معلومات قطرية وصلت إلى وسائل إعلام أميركية أكدت وجود ممثلين للحركة بالقرب من المفاوضات، أي حضرت بصورة غير مباشرة، بما يعني أن المحادثات التي جرت في الدوحة كانت حماس على علم بكافة تفاصيلها عن طريق الوسيط القطري.

وبعد الإعلان عن انتهاء جولة الدوحة أبدت الحركة تحفظاتها على ما رشح من مخرجات دون أن تؤكد رفضها، ما يمنح جولة القاهرة فرصة للمزيد من التشاور في الأمور الفنية التي تمثل عصب الخلاف قبل أن يقوم نتنياهو بوضع عراقيل إذا أراد استفزاز إيران واختبار المدى الذي يمكن أن تذهب إليه في ردّها.

تحاول القاهرة استثمار هذه الجولة لتضييق المسافات، ووجهت جزءا من دبلوماسيتها نحو إيران التي يتعامل معها الكثيرون على أنها الجهة التي أضحت تلعب دورا مركزيا في اتمام صفقة الأسرى أو تفشيلها، بحكم علاقتها الوطيدة بكل من حماس وحزب الله اللبناني، وقد زار وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي طهران وبيروت الأيام الماضية، وأجرى اتصالات انصبت على وسائل وقف التصعيد في المنطقة.

اللافت للانتباه في التحركات الحالية أن طهران، وليست حماس، هي المستهدفة من المحادثات التي جرت في الدوحة أو تلك التي ستجرى في القاهرة، وهو اعتراف بأنها تتحكم تدريجيا في قرار الحركة الفلسطينية، والأهم أن النتيجة التي سيتم التوصل إليها، بحسم أمر الصفقة بصورة إيجابية أم سلبية، سوف يؤثر على الموقف الإيراني من المضي قدما في مجال التصعيد ضد إسرائيل أو فرملته.

وصلت قناعة لقوى إقليمية ودولية عديدة تؤكد أن طهران تريد أن تنأى عن التصعيد ولا ترغب في توجيه ضربة لإسرائيل، كبيرة كانت أم صغيرة، لأنها تعلم النتائج التي يمكن أن تترتب عليها في ظل تكدس المعدات العسكرية الأميركية في المنطقة لمؤازرة إسرائيل وردع إيران وكل أذرعها، بما يشير إلى أنها ستخرج خاسرة في معركة غير متكافئة، لذلك فالتحركات التي نراها في المنطقة لم يكن غرضها وقف الحرب بسبب ما أفضت إليه من معاناة إنسانية، لكن لأن الحرب قد تفجر الأوضاع في المنطقة، وهو ما حذرت منه القيادة المصرية مبكرا عقب اندلاع الحرب في أكتوبر الماضي.

◙ وقف الحرب في قطاع غزة تحول إلى وسيلة وليس غاية، وتكمن الخطورة في ربطه مباشرة بإيران من جانب بعض القوى الدولية

يبدو أن وقف الحرب في قطاع غزة تحول إلى وسيلة وليس غاية، وتكمن الخطورة في ربطه مباشرة بإيران من جانب بعض القوى الدولية، وأن ذلك قد يكون أداة جديدة للقفز من خلالها على مكونات القضية الفلسطينية المحورية، وأن طهران التي تتحكم في مفاصلها وليس الدول العربية، الرئيسية والفرعية، وإحكام هذه العلاقة وتثبيتها في المطلق سوف يقلل في المستقبل من أيّ دور عربي، بحجة أنها تحولت وسيلة لدولة مثل إيران تقوم بالمشاغبة بها وتهديد أمن المنطقة، ما يفوت على الفلسطينيين ما تمنوه بعد الحرب من أنها وضعت قضيتهم على أجندة المجتمع الدولي.

قد تكون عملية طوفان الأقصى وتوابعها وضعتها على أجندته فعلا، لكن من المكان الخطأ والعنوان السلبي، وهو ربطها بطموحات إيران بدلا من آمال الفلسطينيين، الأمر الذي يتماشى مع تصورات نتنياهو الذي سعى منذ بداية الحرب إلى تدمير حماس وكل ما تبقى من القضية الفلسطينية بعد أن لاحظ تنامي الحديث عن أهمية تسويتها وضرورة تطبيق حل الدولتين الذي يراه تهديدا إستراتيجيا، وبالتالي ربما تصبح متلازمة إيران والقضية هي القشة التي تقصم ظهر حماس والفلسطينيين جميعا.

تضع هذه النتيجة مصر في مأزق حرج، فهي تبعدها والدول العربية المعتدلة عن القضية الفلسطينية وآليات تسويتها سياسيا، وتخشى أن تفضي جولة القاهرة إلى التمهيد لتوقيع صفقة بين إسرائيل وحماس الغرض منها وقف تصعيد إيران، وليس تخفيف المعاناة عن غزة، وهو ما تفسره التحركات المتجهة نحو طهران وحزب الله وإسرائيل.

قاطعت حماس جولة الدوحة التي عقدت من دون إعطاء وزن لإعلان غيابها، ما يعني أن غيابها قد يتكرر في جولة القاهرة، والتي تستكمل ما جرى في قطر وتحفظت عليه الحركة، ولذلك ستكون حماس خسرت سياسيا، فعقد جولتين دون حضورها رسميا يعزز هامشية دورها، ويشير إلى أنها استنفدت أغراضها، وأن توقيع الصفقة أو عدم توقيعها بات الهدف منه إيران، وأن قائدها الجديد يحيى السنوار أراد أن يظهر صرامة، فأوقع نفسه وحركته في خطأ سياسي بالغ التأثير عليها في المستقبل.

4