الأردن يواجه تحديا متشعبا: المخدرات والأخبار الزائفة

مرّ عام على تشكيل الفريق السياسي الأمني المشترك بين الأردن وسوريا لمكافحة تهريب المخدرات، إلا أن مشكلة تهريب المخدرات مازالت تؤرق الحدود الشمالية للأردن. فقد كثرت أخبار اشتباكات القوات المسلحة الأردنية المباشرة مع عصابات تهريب المخدرات المسلحة، ما يشير إلى الواقع المقلق على الحدود الشمالية والحدود الشمالية الشرقية للأردن.
وفي مقابلة مع قناة “العربية” وصف ولي العهد الأردني الأمير الحسين بن عبدالله الثاني محاولات تهريب المخدرات والأسلحة المتزايدة بأنها “عمليات ممنهجة تقوم بها جماعات مسلحة ذات قدرات كبيرة تستهدف الأمن الوطني الأردني”، مؤكداً أن أجهزة الدولة ستستمر في التعامل بالقوة مع أي محاولة لانتهاك سيادة الأردن.
ويعتبر 59 في المئة من الأردنيين أن المخدرات تشكل التحدي الأهم اجتماعيّا بالنسبة إلى الأردن، وذلك وفقاً لاستطلاع رأي أجراه مركز نماء للاستشارات الإستراتيجية في شهر مايو الماضي، وبالرغم من ذلك لا ينبغي النظر إلى تحدي تهريب المخدرات والأسلحة على أنه تحد معزول، بل يجب الآن أن يُنظر إليه كأحد الأساليب التي تشكل جزءاً من إستراتيجية مدروسة ومتشعبة الأطراف تستهدف أمن واستقرار الأردن من قبل إيران وأتباعها. ففي شهر أبريل الماضي تعامل الأردن مع نهجين آخرين من ضمن هذا المخطط.
أولًا، تم استغلال مظاهرات التنديد بالحرب في غزة من قبل حماس، التي دعا قادتها مراراً الأردنيين إلى الضغط على الدولة لفتح الحدود والانخراط في مواجهات مباشرة مع إسرائيل.
"روسيا اليوم" -التي تسيطر عليها الدولة الروسية نشرت في عدة مناسبات معلومات مضللة متعلقة بالأردن- تمكنت من التغلغل في الفضاء الإعلامي الأردني من أوسع أبوابه
وثانيًا، تجاهلت إيران سيادة الأردن وانتهكت قراره إغلاق مجاله الجوي خلال هجماتها بالطائرات المسيرة على إسرائيل. فاعترض سلاح الجو الأردني أجساما اخترقت مجاله الجوي، وأوضحت الحكومة أن “بعض الشظايا سقطت في أماكن متعددة خلال ذلك الوقت دون أن تسبب أي أضرار كبيرة أو إصابات للمواطنين”.
الأمر الذي يصعّب هذا التحدي وخطر محاولات استهداف أمن الأردن هو الانتشار الممنهج للأخبار الزائفة والمعلومات المضللة في وسائل الإعلام المحلية وعلى منصات التواصل الاجتماعي. وبحسب مرصد مصداقية الإعلام الأردني (أكيد)، تم توثيق ما لا يقل عن 223 شائعة بين شهري يناير وأبريل من هذا العام، أي أنه في غضون أربعة أشهر فقط يكاد يكون انتشار هذا النوع من المحتوى ضعف ما وثقه “أكيد” خلال فترة مماثلة من العام السابق.
وفي أواخر عام 2023 شوهدت عدة لوحات إعلانية في عمان ضمن حملة إعلانية لقناة “روسيا اليوم” الناطقة بالعربية، وتم وضع هذه اللوحات بالقرب من الدوار الرابع في عمان/ بالقرب من رئاسة الوزراء/ بالقرب من وزارة الداخلية. وعلى الرغم من الحملة يقول 0.1 في المئة فقط من الأردنيين إنهم يحصلون على أخبارهم من “روسيا اليوم”، مقارنة بـ71 في المئة ممن أفادوا بأنهم يعتمدون على قناة الجزيرة، وذلك عندما يتعلق الأمر بوسائل الإعلام غير الأردنية، وفقاً لاستطلاع مركز نماء.
ويكشف نفس الاستطلاع أن 25 في المئة من الصحافيين الأردنيين لا يشعرون بالقلق إزاء توسع نفوذ إيران، حتى عندما تم التركيز بالسؤال عن حلفاء وأتباع إيران والميليشيات المسلحة التابعة لها. وعندما يقترن ذلك بحقيقة أن 11.5 في المئة من الصحافيين الأردنيين يرون الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كأكثر سياسي أجنبي يكنون له الاحترام، فإن مدى تعرض الأردنيين للمحتوى المؤيد لروسيا وإيران، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، أكبر مما يعتقد البعض.
والشيء المقلق أكثر هو أن “روسيا اليوم” -التي تسيطر عليها الدولة الروسية ونشرت في عدة مناسبات معلومات مضللة متعلقة بالأردن- تمكنت من التغلغل في الفضاء الإعلامي الأردني من أوسع أبوابه؛ وذلك لأن “روسيا اليوم” ووكالة الأنباء الأردنية (بترا) وقعتا في أواخر شهر مايو الماضي اتفاقية تعاون لتغطية الأخبار، وتوسيع نشر المحتوى الإعلامي الذي تطوره الوكالة والقناة، وتبادل المحتوى الإعلامي بين الطرفين، وفقا لما أعلنته بترا.
ويبقى سبب توقيع وكالة الأنباء الرسمية للأردن مع وسيلة إعلامية معروف عنها نشر المعلومات المضللة أمرا محيرا. فإذا كان السبب أن بترا سعت من خلال هذه الاتفاقية للسيطرة على نوعية المحتوى الذي تنشره “روسيا اليوم” في الأردن فإن طبيعة وجودة المحتوى المتعلق بالأردن الذي تستمر “روسيا اليوم” في نشره لم تتغيرا أبدا، وهو ما يدحض هذه التكهنات.
25 في المئة من الصحافيين الأردنيين لا يشعرون بالقلق إزاء توسع نفوذ إيران، حتى عندما تم التركيز بالسؤال عن حلفاء وأتباع إيران والميليشيات المسلحة التابعة لها
فعلى سبيل المثال إحدى أولى المقالات الإخبارية التي نشرتها “روسيا اليوم”، بعد توقيع الاتفاقية مع بترا، زعمت أن مجموعة من الأردنيين رصدوا أجساما مضيئة في سماء الصحراء الشمالية الأردنية. ويحتوي الخبر على مقطعي فيديو متناقضين، ويعتمد على مصادر غير موثوقة، ناهيك عن أن بترا لم تنشر أي شيء في هذا الشأن؛ أي أن ضرر محتوى “روسيا اليوم” على الأردن مازال مقلقا.
النزاعات بطبعها توفر بيئة خصبة لنشر المعلومات المضللة، لكن هناك علاقة طردية تربط بين مدى تقبل الجمهور لهذا المحتوى ومدى شعوره بارتباط عاطفي مع النزاع؛ كما هو الحال في تأثير حرب غزة على الرأي العام الأردني. وبناء على ذلك وفرت هجمات إيران بالطائرات المسيرة على إسرائيل أرضا خصبة للأخبار الزائفة في الأردن، ومعظمها قلل من حق الأردن في إغلاق مجاله الجوي ضد الهجمات وشكك في نوايا الدولة لحماية الأردنيين.
وبسبب زخم هذه الأخبار الزائفة قال 18 في المئة من الأردنيين إنهم لا يتفقون مع قرار الأردن إغلاق مجاله الجوي، وأيد معظم هؤلاء بدرجات متفاوتة هجمات إيران على إسرائيل، الأمر الذي لا يشير إلى مستويات مقلقة من الثقة في الرسائل الرسمية وحسب، بل ويحمل أيضاً تداعيات أمنية مقلقة، محليا وإقليميا.
والجدير بالذكر أن الأردن كان قد اتخذ بعض الخطوات لمكافحة انتشار المعلومات المضللة والأخبار الزائفة. فبالإضافة إلى إقرار قانون جديد لمكافحة الجرائم الإلكترونية في شهر أغسطس الماضي، هناك عدة مبادرات تعنى بالتربية الإعلامية وبتدريب الصحافيين على الكشف عن الأخبار الزائفة والتحقق من المعلومات المضللة، ويتم تنفيذ بعض هذه المبادرات بدعم من أقرب حلفاء الأردن، بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وعلى الرغم من ذلك، ومع استمرار التحدي وخطورته، أصبح من الضروري جدا زيادة وتيرة هذه المبادرات والاستثمار في جهود مماثلة ودعمها لحماية الأردنيين من هذا الخطر وتداعياته.