الرسالة التي أراد بايدن إرسالها في ذكرى إنزال النورماندي

الولايات المتحدة ضربت عصفورين بحجر واحد بعد رفض بايدن إعطاء بوتين ضمانة بعدم توسع الناتو شرقا وجعله يتورط في حرب في أوكرانيا من أجل استنزافه وتحييد مطالبه بعالم متعدد الأقطاب.
الخميس 2024/06/13
الزيارة حملت رسائل واضحة وأخرى مبطنة

استضافت فرنسا ثلاثة احتفالات رئيسية في منطقة النورماندي بمناسبة الذكرى الثمانين، حيث دارت إحدى أعنف المعارك يوم الإنزال الذي جرى في 6 يونيو 1944، ونزل صبيحة ذلك اليوم نحو 150 ألف رجل على شواطئ النورماندي، بمشاركة 11500 طائرة حربية و6900 سفينة، وشارك نحو 58 ألف جندي أميركي في الإنزال إلى جانب 54 ألف بريطاني، و21 ألف كندي، بينما كان عدد الفرنسيين ضعيفا جدا لم يتجاوز 177 رجلا. هي أكبر عملية عسكرية في التاريخ التي عرفت باسم نبتون في تحرير فرنسا من الاحتلال النازي الذي دام أكثر من أربع سنوات والمساهمة في إلحاق الهزيمة بألمانيا، ودعم الهجوم المعاكس للقوات السوفييتية، ووضع حد للحرب العالمية الثانية في أوروبا.

يذكرني هذا بتحرير السعودية الكويت من صدام حسين عام 1991 بدعوة قوات عالمية بقيادة أميركية، وهذا ما تدركه السعودية اليوم أن الولايات المتحدة رغم الخلاف معها في عدد من الملفات، لكنها لازالت القوة المهيمنة عالميا تسعى نحو إبرام اتفاق دفاع مشترك معها على غرار الدفاع المشترك مع اليابان وأستراليا للتفرغ للتنمية.

سقط في اليوم الأول من ضحايا الحلفاء ما يقارب 10470 رجلا على رمال شواطئ النورماندي وعلى بعد عدة كيلومترات من الشاطئ كانت المقاومة الألمانية ضارية.

شارك في الاحتفال الفرنسي الأكبر بمشاركة قادة الدول الـ25 المدعوين، وهي الزيارة الأطول لرئيس أميركي لفرنسا، وذكر جو بايدن فرنسا والدول الأوروبية أن الانعزالية لم تكن الحل قبل 80 عاما، وهي ليست الحل اليوم، بالطبع يشير الرئيس الأميركي إلى أن محاولات فرنسا التي تود أن تقود أوروبا لتشكيل قوة ذاتية بعيدا عن الولايات المتحدة بأن مصيرها الفشل، ولن تستطيع أوروبا بعيدا عن الولايات المتحدة أن تصمد في مواجهة روسيا.

◄ أمين عام الحلف الأطلسي ينس ستولتنبرغ من فنلندا اعتبر أن الحلف لا يملك خططا لإرسال مدربين إلى أوكرانيا وهو حال فنلندا

الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب طالب دول أوروبا دفع فاتورة الدفاع واعتبر أنه من غير المقبول أن تستمر الولايات المتحدة تتحمل نحو 70 في المئة من الإنفاق على تسليح الناتو، ويود ترامب أن تتحمل دول أوروبا وعلى رأسها الدول الكبرى مثل ألمانيا وفرنسا وغيرها المشاركة بنحو 2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لكل دولة. لكن بايدن أكد في خطابه أن التحالفات القوية ما زالت تعد أساسية ولم ينس الداخل الأميركي إذا ذكر مواطنيه تجنب نسيان هذا الدرس، واتهم ترامب بأنه عمد إلى اتباع سياسة انعزالية تنم عن انسحابه شيئا فشيئا من الانخراط في شؤون العالم، والتركيز على الولايات المتحدة وعلى مسائل أساسية بالنسبة إليها، مثل التنافس مع الصين.

وجه بايدن رسالتين إحداها لبوتين وهي رسالة مبطنة بعدما وصفه بالطاغية العازم على الهيمنة، ما يعني أن الرئيس الأميركي يقصد أن الولايات المتحدة ضربت عصفورين بحجر واحد بعد رفض بايدن إعطاء بوتين ضمانة بعدم توسع الناتو شرقا، جعله يتورط في حرب في أوكرانيا في فبراير 2022 من أجل استنزافه وتحييد مطالبه بعالم متعدد الأقطاب، بل وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية أمرا بالقبض عليه بسبب ما تعده ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في أوكرانيا، وأن الولايات المتحدة ستبقى القوة المهيمنة، وفي الوقت نفسه تواجه الصين بشكل منفرد لتحجيم قوتها التنافسية، والرسالة الأخرى لأوروبا أن الولايات المتحدة تجدد تأكيد دعمها لأوكرانيا وعدم التخلي عنها، وأنها لن تنحني أبدا، وذكر أوروبا وبشكل خاص فرنسا أن الحلف الأطلسي أكثر اتحادا اليوم من أي وقت مضى وأكثر استعدادا للمحافظة على السلام. بالطبع يرسل بايدن رسالة بأن ترامب أراد التضحية بالحلف الأطلسي خلال رئاسته، بينما أعاد هو اللحمة للحلف بعد مجيئه.

هذه الاحتفالات الثلاثة تستبق أربعة استحقاقات رئيسية، الأول قمة السبع للدول الأكثر تصنيعا في منطقة بوليا جنوب إيطاليا ما بين 13 و15 يونيو 2024، والثاني قمة السلام التي تستضيفها سويسرا يومي 15 و16 من الشهر نفسه، ومناقشة القرار الأوروبي – الأميركي استخدام عائدات الودائع المالية الروسية في الغرب التي تقدر بـ300 مليار دولار، منها 200 مليار دولار في بلجيكا، لتمكين أوكرانيا من شراء الأسلحة التي تحتاج إليها من الغرب، وفي نفس الوقت مناقشة إعطاء الضوء لكييف من أجل استخدام الأسلحة الغربية خصوصا الأسلحة بعيدة المدى داخل الأراضي الروسية، لكن بايدن لن يحضر مؤتمر السلام في سويسرا حتى لا يتم إحراجه من قبل الأوروبيين لأن الولايات المتحدة لا تريد استهداف الداخل الروسي، فقط تود حصر المواجهة في أوكرانيا لأنها لا تود أن تتوسع الحرب في أوروبا.

الاستحقاق الثالث مبادرة إيمانويل ماكرون لتشكيل تحالف من عدة دول ستعمد إلى إرسال مدربين عسكريين إلى أوكرانيا لتدريب القوات الأوكرانية محليا بعد أن كان يتم تدريبهم خارجيا خصوصا في بولندا، ومنذ عامين تم تدريب ما لا يقل عن 52 ألف جندي أوكراني إضافة إلى تدريب طيارين أوكرانيين على قيادة طائرات إف 16 أميركية الصنع، لكن المقترح الفرنسي يلاقي رفضا أميركيا وأطلسيا وأبرز المعارضين الأوربيين ألمانيا، فيما يلقى دعم بولندا ودول البلطيق التي لديها خشية من روسيا، بل اعتبر أمين عام الحلف الأطلسي ينس ستولتنبرغ من فنلندا إن الحلف لا يملك خططا لإرسال مدربين إلى أوكرانيا وهو حال فنلندا، أما الاستحقاق الرابع فعنوانه قمة الأطلسي في الولايات المتحدة في منتصف يوليو 2024 التي ستركز على ملف أوكرانيا وكيفية العمل على حرمان روسيا من تحقيق انتصار ميداني.

9