ليلة الكنتاكي

مشهد سياسي مليء بالتناقضات والغرابة حيث لا زالت البوصلة تائهة في تحديد الاتجاه إن كان هذا البلد يسير بخطوات نحو التطبيع ولكن باستحياء أم أنه من الرافضين للفكرة؟
الثلاثاء 2024/06/11
لو ألعب.. لو أخرب الملعب

مصيبة الواقع السياسي في العراق أنه يُدار من قبل جماعات مأزومة ومرتبكة تختلط معها الأهداف والغايات، فلا حلول لديها للحفاظ على بقائها سوى المزيد من العنف والاستبداد، لكن الصفة الوحيدة التي يتّفوقون فيها هي قدرتهم الاستثنائية على صنع الأعداء بلعبة أشبه بالمقامرة تقرر مصير شعب مُتعب أصلاً ولا يحتاج إلى المزيد من التأزم والإرهاق في حياته اليومية، لكنها الأطماع السياسية.

بعد سلسلة من الهجمات شهدتها بغداد والبصرة من أحداث عنف شملت مطاعم كي إف سي  وشيللي هاوس وماكدونالدز وشركة كتربلر للمعدات الثقيلة ومعهد لغات في بغداد، رافقتها أحداث تخريب ممتلكات بحجة التضامن مع شعب غزّة من خلال ضرب المصالح البريطانية والأميركية التي تناصر إسرائيل في حرب الإبادة ضد الفلسطينيين، لكن اللافت أن بعض هذه المطاعم لا تمتّ لدول المنشأ سوى بالأسماء التي يحاول مالكوها جذب الزبائن من خلال عناوين كبيرة تروّج لبضاعتهم، وفي ذات الوقت تشغّل هذه الاستثمارات المئات من العاملين العراقيين الذين وجدوها فرصة لإعالة أسرهم في بلد يكثر فيه العاطلون عن العمل وتشح فيه الفرص! وترتادها أغلب الأسر العراقية لرخص أسعارها.

بالمختصر المفيد هي مصالح واستثمارات خسرها طرف معين حين رفع شعار “لو ألعب لو أخرّب الملعب”.

◄ مصيبة الواقع السياسي في العراق أنه يُدار من قبل جماعات مأزومة ومرتبكة تختلط معها الأهداف والغايات، فلا حلول لديها للحفاظ على بقائها سوى المزيد من العنف والاستبداد

تتسابق الماكينة الإعلامية لقوى السلاح المنفلت لتبرير تلك الأفعال بأنها ثورة غضب وتنديد لما تفعله الولايات المتحدة وبريطانيا في مساندة إسرائيل، لكن السؤال هو هل استطاعت تلك الأفعال الفوضوية أن تحد من القتل الإسرائيلي للفلسطينيين؟

في مساء الاثنين 3 مايو صوّت البرلمان العراقي على موازنة العراق لعام 2024، والغرابة هو ما تضمنته إحدى فقرات الموازنة من موافقة عراقية لتمويل مشروع أنبوب نفطي يمتد من البصرة إلى العقبة مما يتيح للأردن الحصول على النفط العراقي بالإضافة إلى تعهد عراقي بإنشاء الأنبوب على نفقته الخاصة بكلفة تصل إلى 5 مليارات دولار يتحمل العراق تكاليفها، هذا المشروع الذي وافقت عليه حكومة الإطار التنسيقي وأيده البرلمان العراقي كان قد واجه رفضاً ونقداً واسعاً في عهد رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي على اعتبار أن هذه الخطوة هي تجسير للعلاقات مع دول التطبيع مع إسرائيل، في مفارقة أن القوى التي رفضت القرار بالأمس تقبله اليوم، فإذا كان العنوان الذي يشغل القوى السياسية هو نصرة غزّة وأهلها فلماذا تم التصويت على هذا المشروع الذي يجعل من إسرائيل تحصل على النفط العراقي كما كان يروّج له إعلامهم؟ وهل هناك محاولات لتطبيع قسري مع العراق سيبدأ من الجانب الاقتصادي؟

مشهد سياسي مليء بالتناقضات والغرابة، فلا زالت البوصلة تائهة في تحديد الاتجاه إن كان هذا البلد يسير بخطوات نحو التطبيع ولكن باستحياء أم أنه من الرافضين للفكرة؟

في بداية الحديث أجملنا ما يحدث بأنه مقامرة لا يُجيد لعبتها اللاعبين، فالقرار الأممي بإنهاء عمل بعثة الأمم المتحدة في العراق بنهاية عام 2025 كان فرصة لحكومة محمد شياع السوداني لإثبات جدّيتها في توطيد استقلالية القرار العراقي، إلا أن الأحداث الأخيرة وما رافقها من فوضى وانفلات ربما تفرض إعادة التفكير بذلك القرار وقد تدخل العراق في متاهات البند السابع الذي خرج منه مؤخراً.

جماعات اللادولة التي تتنقل بمركبات “التاهو” ذات العلامة الأميركية وتوثيقها لصور الفوضى بأجهزة “الآيفون” أميركية الصنع التي أثارت الهلع في شوارع بغداد، بات المواطن البسيط يدرك أنه صراع من أجل النفوذ ومصالح ومغانم يتصارع عليها الفاعلون السياسيون من أجل الحصول على أكبر حصة من السلطة تحت عنوان المقاومة والمساندة في حرب غزّة وهو مجمل ما يدور من حكاية في الشارع العراقي.

9