السجائر الإلكترونية: نكهات مثيرة تدفع الأطفال واليافعين في تونس إلى هاوية الموت البطيء

20 في المئة من الوفيات في تونس سببها التدخين.
الاثنين 2024/06/03
زيادة مقلقة في استخدام السجائر الإلكترونية

يؤكد الأطباء المتخصصون في أمراض الرئة في تونس خطورة السجائر الإلكترونية على صحة المراهقين، مشيرين إلى أن بدائل السجائر التقليدية على غرار السجائر الإلكترونية وسجائر التبغ المسخن، لا تخلو من مادة النيكوتين والمواد الكيمائية التي من الممكن أن تصيب بالسرطان. وأشار الخبراء إلى أن السجائر الإلكترونية تزيد خطر الإصابة بأمراض رئوية تشمل الربو ومرض الانسداد الرئوي المزمن.

تونس - يعج أحد مقاهي العاصمة في منطقة ”لافايات” بحرفاء قابعين لا يبارحون مقاعدهم وتحوم من فوقهم خيوط دخان كثيف تتطاير بين الفينة والأخرى وقد حجبت الرؤية. تنبعث من كل هذا الدخان المتعالي في فضاء المكان روائح متمازجة ونكهات مختلفة من تفاح وتوت وتوت بري ونكهة الفانيليا وغيرها تثير حاسة الشم ولا تزعجها فتلفت الأنظار بحثا عن مصدرها.

تنبعث هذه الروائح الزكية من السجائر الإلكترونية المتقنة صنعا والأنيقة شكلا. تشغل السيجارة الإلكترونية بواسطة بطارية تقوم بتسخين سائل منكه يستنشق المدخن بخاره ثم ينفثه. يرى المراهق أحمد الذي لم يتجاوز عمره الـ16 سنة “أنها أقل ضررا من سجائر التبغ التقليدية”، وتؤيده ندى في ثقة بإيماءة من رأسها، وأحد كفيها يحتضن سيجارتها الإلكترونية.

لم يكن أحمد وندى الوحيدين اللذين يدخنان في هذا المقهى. فالمشهد يكاد يتكرر على طاولاته وكراسيه المنتثرة هنا وهناك. شباب ومراهقون يدخنون هذه السيجارة التي يعتقدون أنها تزيدهم رفعة وتهبهم وقارا وهيبة… هم يحبذون تدخينها كما يميلون أيضا إلى تدخين أنواع أخرى من السجائر من بينها سجائر التبغ المسخن التي اجتاحت هي أيضا المقاهي وبعض الأماكن العامة.

يثير استعمال السجائر الإلكترونية قلق منظمة الصحة العالمية التي أكدت وجود “زيادة مثيرة للذعر في استخدام السجائر الإلكترونية بين الأطفال واليافعين إذ تتجاوز معدلات استخدامها في صفوفهم معدلاتها بأوساط البالغين في بلدان كثيرة”.

لا يعي مستعملو السيجارة الإلكترونية أضرارها ومخاطرها. وكشفت منظمة الصحة العالمية أن هذه السجائر الإلكترونية تؤثر على نمو الدماغ لدى الشباب، فهي لا تخلو من مادة النيكوتين التي تتسبب في الإدمان إضافة إلى أنها تتسبب في الإصابة بالأمراض المعدية للحلق والفم.

السجائر الإلكترونية تزيد خطر الإصابة بأمراض رئوية تشمل الربو ومرض الانسداد وتلف المسالك الهوائية الصغيرة في الرئتين

وأوضحت الطبيبة المختصة في أمراض الرئة والإقلاع عن التدخين أميرة سلامي في تصريح لـوكالة تونس أفريقيا للأنباء، أن النكهات المتنوعة للسجائر الإلكترونية يمكن أن تستثير المراهقين، إذ يتم تصنيع سجائر على شكل أقلام لبدية صغيرة الحجم وبتصاميم أنيقة تستهوي الناظرين ويمكن وضعها في المحفظة دون أن ينتبه إليها الأولياء أوالمدرسون وهنا يظهر دهاء المختصين في التسويق، وفق تعبير الطبيبة.

وقالت إن بدائل السجائر التقليدية على غرار السجائر الإلكترونية وسجائر التبغ المسخن، لا تخلو من مادة النيكوتين والمواد الكيمائية ومضارها عديدة وتعتبر مجرد حل مؤقت للإقلاع عن التدخين. ولم يتم إثبات نجاعتها في الإقلاع عن التبغ عند متعاطيه، فضلا عن تسببها في ما بعد بالإدمان عليها.

وتؤدي هذه السجائر وفق ما بينته الأبحاث العلمية، إلى توليد مواد سامة تتسبب في الإصابة بمرض السرطان وفي زيادة خطورة الإصابة باضطرابات القلب والرئة والالتهابات المزمنة.

واعتبرت أن هذه السجائر تنضوي تحت مظلة “الرأسمالية” و”الموضة” التي تدفع الناس إلى اللهفة نحو الاستهلاك “الأعمى” والشراء دون وعي بمحتوى ومكونات هذه المنتجات التي لا تقل خطورة عن مضار السجائر التقليدية.

ودعت سلامي إلى أهمية التحسيس والتوعية بمخاطر التدخين ووسائل التدخين البديلة ضمن المناهج التربوية وفي المنصات الإعلامية من أجل تشكيل وعي سليم للناشئة وتحفيز البالغين على الإقلاع عن التدخين.

من جهتها، أشارت الأستاذة في أمراض الرئة ورئيسة قسم الأمراض الصدرية بمسشتفى عبدالرحمان مامي، سنية معالج، في تصريح لـوكالة تونس أفريقيا للأنباء، أن عدد المدخنين من فئة المراهقين للسجائر الإلكترونية، بلغ سنة 2021، ما يزيد عن 17.2 في المئة.

وأثبتت الأرقام والدراسات الوطنية زيادة في معدل تدخين المراهقين الذين سنهم 15سنة فما فوق، للسجائر العادية، إذ بلغ سنة 2021 قرابة 25 في المئة مقابل 18 في المئة فقط سنة 2013. ويبدأ المراهقون في ممارسة التدخين منذ سن السابعة، فقد بينت الإحصائيات أن 3.7 في المئة من هذه الفئة دخنت على الأقل مرة واحدة، وهو ما اعتبرته الدكتورة رقما “مفزعا”.

كما كشفت منظمة الصحة العالمية أن الأطفال أصبحوا يتعاطون السجائر الإلكترونية بمعدلات تفوق مثيلاتها بين البالغين في جميع الأقاليم، ويقدر عدد صغار السن من الفئة العمرية 13 ـ 15 عاما الذين يتعاطون التبغ ما يصل إلى 37 مليون طفل حول العالم.

وأفادت الدكتورة سنية معالج، بأن وزارة الصحة تنظم بالشراكة مع منظمة الصحة العالمية وكليات الطب الأربع والتحالف التونسي ضد التدخين يوما علميا حول الأنواع الجديدة للتبغ، في إطار اليوم العالمي للامتناع عن التدخين الموافق لـ31 ماي من كل سنة وذلك تحت شعار “يوم عالمي دون تدخين”.

وقالت إن تونس تسعى إلى مكافحة التدخين ومنع ترويج السجائر الإلكترونية، مشيرة إلى الدور الكبير الذي تضطلع به الديوانة التونسية في مراقبة دخول هذه السجائر، لافتة إلى انخراط المؤسسات التربوية والتعليم العالي والبحث العلمي في جهود منع التدخين بكافة أنواعه في الفضاء المدرسي والجامعي.

وأكدت أن هناك عددا من البلدان تراجعت في السماح باستعمال السجائر الإلكترونية، لما تحمله من مضار جسيمة على الصحة أثبتتها الدراسات العالمية.

ويؤدي التدخين في تونس إلى حوالي 13200 حالة وفاة سنويا، وهو ما يمثل20 في المئة من الوفيات حسب وزارة الصحة.

السجائر الإلكترونية تؤدي إلى توليد مواد سامة تتسبب في الإصابة بمرض السرطان وفي زيادة خطورة الإصابة باضطرابات القلب والرئة
السجائر الإلكترونية تؤدي إلى توليد مواد سامة تتسبب في الإصابة بمرض السرطان وفي زيادة خطورة الإصابة باضطرابات القلب والرئة

ويشار إلى أن منظمة الصحة العالمية اختارت هذه السنة “حماية الشباب من تدخل دوائر صناعة التبغ”، موضوعا لليوم العالمي للامتناع عن التدخين ضمن حملة كانت أطلقتها على وسائل التواصل الاجتماعي وفق إستراتيجية “من الشباب ولأجل الشباب”.

ويؤكد خبراء الصحة أن الضرر الأكبر للسجائر الإلكترونية هو احتواؤها على النيكوتين، تماما مثل السجائر العادية. والنيكوتين هي مادة تسبب الإدمان، لكن تعرض المراهقين له أخطر بسبب أنه في فترة البلوغ يكون الدماغ حساسا جدا ولذلك من الممكن أن يؤدي النيكوتين إلى الإدمان، وإلى اضطرابات في التركيز وإلى اضطرابات في المزاج (الاكتئاب مثلا). وعدا عن التأثير على الدماغ، يؤثر النيكوتين على عمليات أخرى في الجسم مثل ضغط الدم ووتيرة دقات القلب. كل هذه الأسباب من الممكن أن تتحول إلى تأثيرات طويلة المدى.

وتحتوي السجائر الإلكترونية على مواد ضارة أخرى، إضافة إلى النيكوتين، من بينها مواد مسرطنة يمكنها التأثير سلبا على جهاز التنفس.

وأثبتت الأبحاث العلمية أن المراهقين الذين يستعملون السجائر الإلكترونية معرضين لخطر أكبر بسبع مرات من تدخين السجائر العادية.

كما كشفت دراسة حديثة أن التدخين الإلكتروني يزيد من خطر الإصابة بعدة أمراض رئوية، رغم اعتماده كبديل “آمن بنسب متفاوتة” للسجائر العادية.

وحلل الخبراء في ألمانيا أكثر من 600 دراسة حول آثار استخدام السجائر العادية وكذلك الإلكترونية على صحة الإنسان.

ووجدوا أن السجائر الإلكترونية تزيد خطر الإصابة بأمراض رئوية تشمل الربو ومرض الانسداد الرئوي المزمن والتهاب الشعب الهوائية وأشكال عديدة من الالتهاب الرئوي وتلف المسالك الهوائية الصغيرة في الرئتين.

وفي الوقت نفسه، ارتبط تدخين السجائر العادية “منذ فترة طويلة” بحالات مميتة، مثل سرطان الرئة والسكري، وأمراض القلب والسكتة الدماغية.

16