صناعة الرقائق الأميركية على أبواب ثورة تحديثية

تشغّل كل شيء.. من الهواتف المحمولة إلى الذكاء الاصطناعي.
الجمعة 2024/05/31
الرقائق الدقيقة عنصر أساسي في مسيرة التقدم

في عالم يتسارع فيه الابتكار التكنولوجي، تبرز الرقائق الدقيقة كعنصر أساسي في مسيرة التقدم وتسعى الولايات المتحدة جاهدةً لتعزيز مكانتها كقوة رائدة في هذا القطاع، مواجهةً تحديات الهيمنة الصينية ومتطلعةً نحو مستقبل أكثر أمانًا واستدامة.

نيويورك- تسعى الولايات المتحدة لتصبح من أكبر منتجي الرقائق الدقيقة في العالم ولعب دور رائد في التحول الأخضر العالمي. وتواصل الصين في الأثناء الهيمنة على هذا القطاع، بينما تدفع العديد من السياسات التي تحفز التنمية الخضراء والابتكار التكنولوجي والتصنيع في أميركا نحو تحقيق أهداف إنتاج الرقائق الدقيقة بدرجة غير مسبوقة.

وتشير الكاتبة فيليسيتي برادستوك المختصة بشؤون الطاقة في مقال لها بموقع “أويل برايس” الأميركي إلى أن أشباه الموصلات ستبقى مكوّنًا حيويًا في الحياة اليومية، وهي تُعتمد لتشغيل الهواتف الذكية وأجهزة الراديو وأجهزة التلفزيون وأجهزة الكمبيوتر وألعاب الفيديو والآلات الطبية وغيرها من الأجهزة. تريد الولايات المتحدة ترسيخ سلسلة التوريد التي تعتمدها لضمان حصولها على الرقائق الدقيقة بما يسدّ حاجتها خلال السنوات المقبلة لتعزيز الأمن.

لايل برينارد: الاستثمار في القطاع سيساهم في تقليص التضخم
لايل برينارد: الاستثمار في القطاع سيساهم في تقليص التضخم

وأعلنت إدارة بايدن عن استثمارات عامة بقيمة 39 مليار دولار لدعم تطوير مرافق إنتاج أشباه الموصلات في جميع أنحاء الولايات المتحدة لدفع الصناعة التحويلية المحلية وتقليل الاعتماد على القوى الأجنبية مثل الصين.

حتى مع تطوير مصانع الإنتاج المحلية، سيبقى تطوير أشباه الموصلات معتمدًا على مجموعة واسعة من العمليات التي تحدث في جميع أنحاء العالم. وهذا يرجع إلى أن بناء أشباه الموصلات يتطلب مزيجًا من المواد الموجودة عبر العالم، مثل السيلكون والكربون والغرافيت. كان جل الإنتاج، منذ اختراع أول رقائق الكمبيوتر في الولايات المتحدة في أواخر الستينات، يحدث خارج البلاد، حيث سعت الشركات إلى خفض التكاليف.

أصبحت المنطقة الآسيوية على مدى العقود القليلة الماضية رائدة في إنتاج الرقائق الدقيقة، بعد أن طورت خيارات أرخص وأكثر تقدمًا من تلك التي تطرحها الولايات المتحدة. تنتج تايوان الآن أكثر من 60 في المئة من رقائق العالم وأكثر من 90 في المئة من رقائقها المتقدمة. تسبب ذلك في انخفاض تصنيع الرقائق الدقيقة في الولايات المتحدة من 37 في المئة من العرض العالمي خلال 1990 إلى 12 في المئة خلال السنة الحالية.

تسعى الولايات المتحدة لإعادة تأسيس نفسها رائدًا عالميًا في إنتاج أشباه الموصلات من خلال زيادة التمويل العام والحوافز المالية لدعم النمو الصناعي.

أشارت دراسة أجرتها مجموعة بوسطن الاستشارية عام 2020 إلى أن 50 مليار دولار من التمويل في الصناعة يمكن أن تساعد في تعزيز حصة تصنيع الرقائق الدقيقة في الولايات المتحدة إلى حوالي 13 إلى 14 في المئة بحلول نهاية العقد. وفي نفس الوقت، ومع غياب أي تمويل إضافي، وجدت الدراسة أن هذا الرقم يمكن أن ينخفض إلى حوالي 10 في المئة.  وتتوقع الولايات المتحدة زيادة مساهمتها في سوق تصنيع الرقائق الدقيقة العالمية إلى حوالي 20 في المئة بحلول 2030، بناءً على مستوى الاستثمار الحالي.

فيليسيتي برادستوك: أشباه الموصلات مكوّن حيوي في حياتنا اليومية
فيليسيتي برادستوك: أشباه الموصلات مكوّن حيوي في حياتنا اليومية

وبرزت الحاجة إلى سلسلة توريد محلية أقوى للرقائق الدقيقة أكثر بعد النقص الذي شهده خلال 2021، إثر جائحة كوفيد-19. وذكرت مديرة المجلس الاقتصادي الوطني بالبيت الأبيض، لايل برينارد، أن “أشباه الموصلات تعدّ المدخلات الرئيسية في العديد من سلع اقتصادنا الحيوية”. كما أشارت إلى أن إضافة المزيد من إنتاج الرقائق الدقيقة في الولايات المتحدة كان سيقلل من مشاكل العرض خلال 2021 وأنه من المتوقع أن يساعد الاستثمار عبر القطاع في تقليل التضخم.

وبينما ستضاعف الولايات المتحدة قدراتها الإنتاجية خلال السنوات القادمة، سيبقى إنتاج الرقائق الدقيقة جهدًا دوليًا. واقترح تقرير التحالف العالمي لأشباه الموصلات لسنة 2020 أن الرقائق ومكوناتها يمكن أن تعبر الحدود الدولية 70 مرة أو أكثر قبل أن تصل إلى المستهلك.

وذكر أنها تسافر أكثر من 25 ألف ميل. وفي نفس الوقت، أكدت دراسة أخرى من مجموعة بوسطن الاستشارية وجمعية صناعة أشباه الموصلات أن تحقيق سلسلة توريد الرقائق الدقيقة الأمريكية المكتفية ذاتيًا سيتطلب حوالي 1 تريليون دولار من التمويل، مما يرفع سعر الرقائق والمنتجات التي تستخدمها. وتوجد العديد من مشاريع أشباه الموصلات الجديدة قيد التطوير في الولايات المتحدة اليوم، ومن المتوقع أن تعزز جهود الإنتاج المحلية.

وأعلنت وزارة التجارة الأميركية خلال أبريل عن تمويل بقيمة 90 مليون دولار لتحسين مصنع أشباه الموصلات في كولورادو سبرينغز، و72 مليون دولار لتوسيع منشأة في غريشام بأوريغون. ومن المتوقع أن يساعد هذا شركة ميكروشيب تكنولوجي إنك على رفع إنتاجها ثلاثة أضعاف.

ومن المتوقع أن يعزز هذا الاستثمار فرص العمل في البناء والتصنيع بنحو 700 وظيفة خلال العقد المقبل.

وأعلنت إدارة بايدن خلال أبريل أنها ستقدم 6.4 مليار دولار من المنح لشركة سامسونغ لتعزيز جهود الإنتاج المحلية.

بوكس

وسيدعم هذا جهود الشركة الرامية لتطوير مركز لتصنيع الرقائق في تايلور بتكساس وتوسيع موقعها في أوستن. كما وضعت سامسونغ خططًا لبناء منشأة للبحث والتطوير في تايلور لدفع الابتكار في تكنولوجيا الرقائق الدقيقة.

وجاء التمويل من “قانون الرقائق الإلكترونية والعلوم” لسنة 2022. وتحاكي أوروبا هذه الجهود حيث أقر الاتحاد الأوروبي قانون الرقائق الأوروبي في 2023، وحشد استثمارات بقيمة 46.5 مليار دولار لتعزيز حصة القارة في سوق أشباه الموصلات العالمية من 10 في المئة اليوم إلى 20 في المئة بحلول 2030.

ومن المتوقع أن تساعد الاستثمارات العامة والخاصة الضخمة في صناعة أشباه الموصلات خلال السنوات الأخيرة في جعل الولايات المتحدة رائدًا عالميًا في تصنيع الرقائق الدقيقة. ومع استمرار التمويل، سيساعد المزيد من البحث والتطوير في تحفيز الابتكار في إنتاج أشباه الموصلات المتقدمة للحد من الاعتماد على القوى الأجنبية، مثل تايوان، لتمتع أميركا بإمدادات الرقائق الدقيقة. كما سيدعم تطوير صناعة أشباه الموصلات الأوروبية الأهداف الرامية إلى تقليل الاعتماد العالمي العام على آسيا في الرقائق الدقيقة.

12