التيار الصدري.. الأبعاد الإستراتيجية لعودته السياسية

مقتدى الصدر رهن عودته السياسية بالكثير من المعطيات على الأرض أهمها وجود إرادة سياسية، وهو يهدف إلى تأمين نصر حاسم لا يعزز سلطته فقط بل يشكل مسار الحكم في العراق.
الاثنين 2024/05/27
آمال الصدر في إنهاء خصومه تحتاج إلى وقفة تأمل

منذ بدء العملية السياسية عام 2003، بعد سقوط النظام العراقي السابق، لم تستقر العملية السياسية لأسباب عدة ربما يطول شرحها، ولكن ما يهم أن القوى السياسية التي ظهرت بعد عام 2003 لم تع خطورة هذا الوضع، وأن العراق الجديد ليس عراق نظام البعث، وأن الرؤية ينبغي أن تختلف عما كانت عليه سابقا، وأن ترتكز هذه النظرة والرؤية لا على أساس سلوك المعارضة بل على أساس بناء الدولة بعد 40 سنة من التهميش والإقصاء، ولئن كان من المتوقع أن تكون هناك رؤية موحدة على الرغم من اختلاف الآراء بين القوى السياسية في النهج والفكر، إلا أن الجميع اتفقوا على أن يكونوا شركاء في الحكم، واختلفوا في طبيعة المشاركة والموقع والمصلحة التي يمكن أن يحققوها من ذلك.

القوى الشيعية التي تصدت للحكم وضعت إستراتيجية واضحة وهي ضرورة أن يشارك الجميع دون استثناء، وهو أمر رحبت به كل القوى الكبيرة والصغيرة، وأصبح هناك تمثيل للأقليات وحصة لها في تشكيل الحكومة، وغيرها من الدرجات الخاصة للدولة، ولكن في العمق وعلى الرغم من كل الجهود التي بذلت آنذاك من قبل قيادات مهمة كالسيد محمد باقر الحكيم الذي كان له دور رائد في توحيد المواقف والرؤى بين جميع القوى السياسية، ولما يمتلكه من علاقات متميزة مع القوى السياسية الكردية، تمكن من إطلاق رسائل طمأنة للمكون السني في أنهم جزء من العراق كما هم جزء من العمل السياسي ومراحل تشكيل الحكومات المتعاقبة.

إرث مقتدى الصدر الجديد في عالم السياسة يرتكز على إرث والده السيد محمد صادق الصدر، حيث استطاع من خلال كسب ود الفقراء والكسبة وغيرهم تشكيل كتلة اسمها “التيار الصدري”، كانت البداية في انطلاق آماله في أن يكون الرجل الأول في العراق بعد عام 2003، وعمل على أن يحل محل المرجعية الدينية العليا في أغلب المواقف الشرعية، وفتح بابه لاستلام الفتاوى الفقهية، وعلى الرغم من عدم إكمال تعليمه الحوزوي إلا أنه استند على فتاوى والده ونشرها للعامة حتى بعد وفاته، كما هو الأمر بالنسبة إلى تصديه السياسي وتقدمه في الفهم الإستراتيجي للسياسة وفلسفتها، إلا أن المراقبين يعتقدون أن أغلب قراراته نابعة من رؤية عاطفية وآنية دون النظر إلى الموقف الإستراتيجي أو المصلحة العامة للعمل السياسي، على الأقل من منظوره وليس من منظور القوى السياسية.

◄ الصدر يستند على التحالفات مع القوى الأخرى خارج الإطار التنسيقي وقدرتها على المضي معه في هذه المهمة التي ليست سهلة

وركز في سلم نجاحه على ضرورة إقصاء جميع المنافسين دون أي تمييز. بل ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك في رغبته أن يكون الممثل الوحيد للشيعة في العراق، بعد تحالفه مع محمد الحلبوسي والحزب الديمقراطي الكردستاني، إلا أن هذه الخطوة اصطدمت بما يسمى الأغلبية المكوناتية، فالتيار الصدري لا يمثل سوى 18 في المئة من أصوات المشاركين في الانتخابات، أي أنه لا يشكل نسبة لتمثيل الشيعة في العراق، وهذه ليست أرقاما إعلامية بل مأخوذة من مستندات المفوضية العليا المستقلة للانتخابات.

في الفترة الماضية اتخذ الصدر خطوات نحو العودة إلى العمل السياسي، من خلال تشكيل جديد حل محل التيار الصدري أسماه “التيار الوطني الشيعي” سيشارك في الانتخابات القادمة بقوة في محاولة منه لإقصاء وكسر الإطار التنسيقي وإنهائه، وهو أمر ينظر إليه بعين الحذر، خصوصاً أن أغلب القوى الشيعية ليست طارئة على العمل السياسي، ولها تاريخ طويل في مقارعة النظام البائد وبناء العملية السياسية، بل إن هناك قوى سياسية كبيرة ومهمة قدمت شهداء قارعوا النظام البائد وكانوا ضحية مؤامرات تسقيطية بعد عام 2003. لذلك أعتقد أن آمال الصدر في إنهاء خصومه تحتاج إلى وقفة تأمل في القدرة والأسلوب على ضرب الخصوم، والتجارب كثيرة في هذا الخصوص.

وأعتقد أن الصدر رهن عودته بالكثير من المعطيات على الأرض أهمها وجود إرادة سياسية، وهو يهدف إلى تأمين نصر حاسم لا يعزز سلطته السياسية فقط بل يشكل مسار الحكم في العراق، والقدرة على تغيير الشكل الإستراتيجي للعملية السياسية برمتها، من خلال تغيير شكل النظام السياسي، والذهاب إلى تغيير في الدستور، وهو في ذلك يستند على التحالفات مع القوى الأخرى خارج الإطار التنسيقي وقدرتها على المضي معه في هذه المهمة التي ليست سهلة، وربما تؤدي في نهاية المطاف إلى نهايته وخروجه خاسرا.

9