صراعات الأحزاب المصرية تعزز ضعف الممارسة السياسية

بعض القيادات النافذة تقفز على قيادة الحزب كمدخل للتواجد في البرلمان والمشاركة في أي انتخابات رئاسية مقبلة.
الأحد 2024/05/26
الخلافات تتجدد باستمرار

القاهرة - برزت خلافات حادة داخل الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، تزامنًا مع قرب إجراء انتخابات رئيس الحزب، وهو ما قاد إلى اعتصام عدد من الأعضاء داخل مقره بالقاهرة واللجوء إلى القضاء إثر اتهامات لقيادة الحزب الحالية بقبول عضويات جديدة لخدمة أسماء بعينها في الانتخابات المقبلة، وهو ما حدث في العديد من الأحزاب المصرية التي باتت خلافاتها طاغية على برامجها وممارستها السياسية.

يعد الحزب الذي يرأسه فريد زهران وخاض انتخابات الرئاسة الماضية وحلّ ثالثًا فيها، أحد الأحزاب المحسوبة على المعارضة، ويتبنى سياسات إصلاحية على نحو أكبر، لكنه بدا مؤخرا أقرب إلى تيار من الأحزاب المؤيد للنظام المصري.

وعلّق الحزب الديمقراطي عضويته في الحركة المدنية الديمقراطية (معارضة) مع عدم التوافق على دعم رئيسه (فريد زهران) في الانتخابات الرئاسية الماضية، وهو ما منح إشارة للصراع بين أطراف تتجه للمزيد من التقارب مع النظام وأخرى تسعى للبقاء في خندق المعارضة.

أرسلت قيادات في الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي إنذارًا لزهران بتهمة تعطيل الانتخابات على رئاسة الحزب، وقالوا إن المؤتمر العام الذي عقد منذ عامين بناء على طلب الهيئة العليا للحزب كان ضمن جدول أعماله انتخاب رئيس الحزب، ووفقا للنظام الأساسي للحزب فإن مدة الرئيس الحالي فريد زهران انتهت في الخامس من مايو الجاري.

وأنذرت قيادات الحزب، وبينهم من يعتصمون داخله، الأربعاء، زهران بوقف إجراءات قبول استمارات العضوية الجديدة المنتسبة وعددها 4550، وسرعة دعوة المؤتمر العام للحزب خلال أسبوع وفقًا للمادة 27 من النظام الأساسي للحزب على أن يتم هذا الاختيار حسب قاعدة البيانات للعضوية العاملة التي لها حق الانتخاب.

◙ الحزب الذي يرأسه فريد زهران يعد أحد الأحزاب المحسوبة على المعارضة لكنه بدا مؤخرا أقرب إلى تيار من الأحزاب المؤيد للنظام المصري
◙ الحزب الذي يرأسه فريد زهران يعد أحد الأحزاب المحسوبة على المعارضة لكنه بدا مؤخرا أقرب إلى تيار من الأحزاب المؤيد للنظام المصري

وتشكل لعبة العضوية الجديدة واحدة من أدوات الصراع التي يمكن توظيفها لصالح مرشح بعينه، بسبب قلة أعداد المنضمين للأحزاب، وهي أرقام قد تقلب المعادلة الانتخابية، في ظل غياب الثقة بالساعين للانضمام للحزب وضيق أفق تحركات الأحزاب، وسيطرة العزوف السياسي على قطاعات كبيرة من المواطنين وعدم الاقتناع بالأحزاب والتركيز على تحسين الأوضاع الاقتصادية.

وتعاني الأحزاب المصرية من مشكلات مماثلة قبل إجراء الانتخابات، وتريد القيادات النافذة داخلها القفز على قيادة الحزب كمدخل للتواجد في البرلمان، وفرصة للمشاركة في أي انتخابات رئاسية مقبلة، ما يخلق أزمات ساخنة تؤدي إلى انقسامات.

وقال نائب رئيس الحزب المصري الديمقراطي إيهاب الخراط إن لائحة الحزب تنص على إجراء الانتخابات على منصب رئيس الحزب كل عامين ولم تحدد اليوم أو التوقيت بالضبط، وإرجاء الانتخابات يعود إلى عدد الأعضاء المقيدين بالحزب ويصل إلى أربعة آلاف عضو، والنشطاء بينهم لا يزيدون عن 500 عضو، والجولات التي تمت في بعض المحافظات أكدت وجود صعوبات مالية وتنظيمية لعقدها هذا الشهر.

وأضاف في تصريح لـ"العرب" أن الحزب استطاع استقطاب ما يقرب من 4500 عضوية عقب انتخابات الرئاسة المصرية في ديسمبر الماضي، وما حدث أمر طبيعي في ضوء الحضور السياسي للحزب داخل البرلمان وتفاعله السياسي مع الحوار الوطني والأزمات المختلفة، وقد تضاعف عدد الأعضاء أيضا بعد المشاركة في القائمة الوطنية المشتركة في الانتخابات البرلمانية الماضية.

وأشار الخراط، وهو ضمن خمسة من وكلاء مؤسسي الحزب الذي ظهر إلى العلن عام 2011، إلى أن الحزب تلقى في البداية 80 ألف استمارة توكيل لتأسيسه لكن أعداد الأعضاء لم تتجاوز 20 ألف شخص، ومع التضييق على الممارسة السياسية للأحزاب في بعض الفترات انخفض العدد تدريجيًا، وفي ظل وجود مساحة أكبر للحركة حاليا أخذ المعدل يتصاعد.

وذكر أن تصنيف الحزب ضمن خانة المعارضة وشعور المواطنين بأنه مغضوب عليه بسبب عدم قدرته على جذب عضويات سابقا، والآن هناك إقبال على المشاركة السياسية من خلال أطره، وذلك لا ينفي أن هذه العضويات يمكن أن تؤثر في اتجاه الناخبين، وهو أمر متعارف عليه في الممارسة السياسية الديمقراطية.

وأصدر مجلس أمناء الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي بيانًا وصف فيه تصرفات المعتصمين بـ”غير المتوافقة مع اللائحة الداخلية للحزب”، ودعا إلى إنهاء الاعتصام فورًا، وتأجيل إجراء الانتخابات الداخلية لموعد يتم التوافق عليه، يرتبط بتدقيق سجلات العضوية الجديدة، وسط توقعات بأن يتم إجراؤها سبتمبر المقبل.

جمال أسعد: ظاهرة الخلافات والانقلاب على الديمقراطية داخل الأحزاب خاصية مصرية بامتياز
جمال أسعد: ظاهرة الخلافات والانقلاب على الديمقراطية داخل الأحزاب خاصية مصرية بامتياز

وأعلن محمود سامي الإمام ومحمد طه عليوة، عضوا مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان) خوض الانتخابات على مقعد رئيس الحزب، في وقت لن يكون من حق الرئيس الحالي فريد زهران الترشح للانتخابات المقبلة مع انتهاء ولايته الثانية.

وتتكرر مشاهد من أزمة الحزب الديمقراطي داخل حزب الوفد الليبرالي، لكن على مستوى الهيئة الوفدية أو “الجمعية العمومية للحزب” في أمانات المحافظات، إذ جرى إرجاء الانتخابات بعد أن كان من المقرر لها مطلع مايو الجاري.

وتبرز أهمية الهيئة الوفدية في أنها أعلى وأهم كتلة داخل الحزب وتنتخب رئيس الحزب والهيئة العليا له، والهيئة الوفدية هي المكاتب التنفيذية للحزب في الأقاليم واللجان النوعية.

وأكد المحلل السياسي جمال أسعد أن ظاهرة الخلافات والانقلاب على الديمقراطية داخل الأحزاب خاصية مصرية بامتياز، بدأت مع تكوين الحياة الحزبية مطلع القرن العشرين، وبرزت بين حزبي الوفد والأحرار المصريين في ذلك الوقت، وأخذت في التمدد، وبعد أن عادت الحياة الحزبية في سبعينات القرن الماضي حدث أول انشقاق داخل حزب العمل، ثم توالت الخلافات على الزعامات إلى الوقت الحالي.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن الأحزاب المصرية لا تعتمد على البرامج والرؤى السياسية، وتتوقف على شخصية رئيس الحزب، منذ أن برزت أسماء مثل سعد زغلول ومصطفى كامل ومصطفى النحاس، ما يبرهن على عدم وجود حياة حزبية حقيقية، ومع استمرار غياب الرؤى وتنفيذها تحولت الأحزاب إلى “دكاكين” يمارس فيها الجميع هواية التواجد السياسي والإعلامي، مشيراً إلى أن الشخصيات التي تملك قدرات سياسية قوية لم تسلم من الصراعات وانتهى بها الحال لتأسيس أحزاب جديدة.

وما يمكن وصفه بالانغلاق الحزبي وعدم الاقتناع بالتعددية الحقيقية والاعتماد على ديمقراطية التنفيس عن الأزمات تقود إلى الوضع المعقد حاليا، وقد تنتقل السياقات إلى الأحزاب بما فيها من تشوهات متباينة، وأن كلاً من الحكومة والأحزاب يتهمان بعضهما بإفشال الحياة السياسية، بينما الطرفان مسؤولان عن ذلك.

4