البقاء في الظل خيار المعارضة المصرية في ظل الانقسامات

العودة إلى الخلافات التاريخية بين تيارات يسارية وأخرى ليبرالية في غياب أرضية صلبة أسهمت في زيادة التشرذم.
الأحد 2024/05/05
فشل أحمد الطنطاوي أثر على المعارضة المدنية

القاهرة - اختارت الحركة المدنية الديمقراطية التي تمثل تيار المعارضة الرئيسي في مصر وتضم في عضويتها 12 حزبًا، البقاء في الظل بعد انتهاء انتخابات الرئاسة نهاية ديسمبر الماضي، وسط شكوك حول قدرتها على إعادة التماسك، وغياب التوافق حول أطر العمل السياسي الذي تنطلق منه للحفاظ على ما حققته من مكاسب.

ووجدت أحزاب الحركة المدنية في الأنشطة الخيرية منفذاً يمكن أن يغطي على عدم انعقاد اجتماعات لها منذ بداية هذا العام، وشكلت التحركات التي تقوم بها “اللجنة الشعبية لدعم الشعب الفلسطيني” لإيصال المساعدات إلى قطاع غزة، مع تبنيها مواقف تنتقد القبض على نشطاء يشاركون في مظاهرات رافضة للحرب الإسرائيلية.

وطالبت اللجنة التي تضمّ قيادات ناصرية منضوية داخل الحركة المدنية قبل أيام بإطلاق سراح جميع المشاركين في وقفات احتجاجية جرى تنظيمها أمام مقر نقابة الصحافيين دعمًا للشعب الفلسطيني.

ولم تشتبك الحركة المدنية في جملة من القضايا الداخلية وفضلت الانزواء، وغابت رؤاها حول الخطوات الشعبية نحو مقاطعة الأسماك واللحوم في عدد من المحافظات، والتي حظيت باهتمام واسع لم تسجل فيه حضورها، كذلك الوضع بالنسبة إلى الجدل المثار حول أوضاع اللاجئين والمقيمين العرب في مصر، وغابت رؤيتها حول الاستثمارات التي دشنتها الحكومة مع جهات أجنبية والحصول على المليارات من الدولارات للتعامل مع الأزمة الاقتصادية.

زهدي الشامي: الخلافات بين أحزاب الحركة المدنية ألقت بظلالها على تحركاتها
زهدي الشامي: الخلافات بين أحزاب الحركة المدنية ألقت بظلالها على تحركاتها

وخسرت الحركة المدنية جانبا كبيرا من المكاسب التي حققتها في العامين الماضيين بفعل حالة التماسك التي بدت عليها وتقديم نفسها كتيار رئيسي يمثل المعارضة، وأن الخلافات الشخصية حول ملف الانتخابات كان القشة التي قادت إلى تفكيك قاعدة التماسك. كما أن العودة إلى الخلافات التاريخية بين تيارات يسارية وأخرى ليبرالية دون الوقوف على أرضية صلبة أسهمت بدور كبير في زيادة التشرذم داخل الحركة المدنية.

وراجت أخيرا معلومات حول تدشين ما يسمّى بـ”الجبهة القومية التقدمية” لتضم أحزاب اليسار أسوة بإقدام الأحزاب الليبرالية على إنشاء “التيار الحر” قبل إجراء انتخابات الرئاسة، وهو ما زاد الفجوة بين الجانبين، ويقود إلى أن تتحول الحركة المدنية إلى جسم رمزي ليست له خطة عمل سياسية أو تأثير ملموس وربما يختفي تدريجيا.

وأشارت مصادر بالحركة المدنية لـ”العرب” إلى إجراء نقاش حول وضع ميثاق عمل جديد لأحزابها مؤخرا، لكنها لم تحظ بالتوافق المطلوب، إذ تضمنت عدم الجلوس أو التنسيق أو الدخول في تحالفات انتخابية مع أحزاب الموالاة، وهو ما واجه اعتراضًا من أحزاب قالت إن التواصل مع كافة القوى السياسية أمر ضروري للمعارضة، وأن حظر التنسيق يقتصر على الجماعات التي تستخدم العنف، في إشارة إلى تنظيم الإخوان.

وأكد رئيس مجلس أمناء حزب التحالف الشعبي الاشتراكي زهدي الشامي أن الخلافات بين أحزاب الحركة المدنية ألقت بظلالها على تحركاتها، كما أن خفوت صوتها يرتبط بالوضع السياسي العام، وذلك لا يعني أن الحركة غابت بشكل تام عن المشهد، وأن العمل للتوافق حول تحديد بوصلة المستقبل مستمر أملاً في الوصول إلى حلول مشتركة.

وتضم الحركة 12 حزبًا، بينها اثنان جمّدا عضويتهما (حزب العدل والحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي)، إلى جانب أحزاب: التحالف الشعبي الاشتراكي، والدستور، والمحافظين، والإصلاح والتنمية، وتيار الكرامة، والحزب الاشتراكي المصري، والعربي الناصري، والوفاق، والعيش والحرية، وعدد من الشخصيات العامة.

وأوضح الشامي في تصريح لـ”العرب” أن تصدر القضية الفلسطينية للمشهد العام في مصر دفع نحو الاهتمام بها، ما قاد إلى تأسيس “اللجنة الشعبية للتضامن مع الشعب الفلسطيني” و”لجنة لرصد الجرائم الإسرائيلية”، وتلك الأنشطة لم تكن ضمن صلب اهتمامات الحركة في السابق، ونعمل الآن على تنسيق الجهود بشأنها.

◙ الحركة المدنية في حاجة إلى توسيع أفق الأحزاب المنضوية داخلها لتقوية شوكتها وتمكينها من تحقيق رؤيتها

وذكر أن معالجة الخلافات التي قادت إلى الانقسامات داخل الحركة المدنية ستتم عبر إعادة طرح ميثاق الحركة ومبادئها وإحداث توافق سياسي حولها، بما يفرز إعادة التنسيق المشترك بشأن مجموعة من القضايا الداخلية، غير أن وجود أحزاب ليست لديها الرغبة في التوافق حول تلك المبادئ يؤدي إلى عملية فرز عام لأحزاب الحركة، سواء أكان ذلك يتعلق بخروج أحزاب كانت موجودة أم بانضمام أحزاب جديدة.

وتنطوي إعادة طرح ميثاق الحركة على رغبة بعض الأحزاب في أن تكون لديها سيطرة كاملة على التيار المعارض، بينما لا يوجد ما يستدعي الحديث عن وضع قواعد رئيسية للحركة بعد خمس سنوات من بدء عملها، وهو الأمر الذي قد يجعلها معبّرة عن مجموعة محددة من الأحزاب دون غيرها.

وتجد أحزاب المعارضة في الوقوف عند تلك المرحلة عملية إيجابية، حيث تتذرع بشكل مستمر بإعادة ترتيب أوراقها، وتنتظر إحداث حراك مجتمعي يمكن من خلاله استعادة الظهور بقوة مرة أخرى، مستفيدة من أيّ حراك شعبي قد يحضر من دون الحاجة إلى تنسيق مع أحزاب ليست لها شعبية حقيقية في الشارع.

وقال نائب رئيس الحزب الديمقراطي المصري الاجتماعي إيهاب الخراط إن الحركة المدنية سبق لها أن تجاوزت خلافاتها، حينما اتجهت أحزاب العدل والإصلاح والتنمية والمصري الاجتماعي، للدخول في القائمة الوطنية المشتركة في انتخابات البرلمان الماضية، واستعادت تماسكها بعد فترة مع اقتناع الأحزاب الأخرى بضرورة التنسيق والتشاور مع النظام الحاكم، وهو ما نأمل تكراره لمصلحة المعارضة.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن الحركة المدنية في حاجة إلى توسيع أفق الأحزاب المنضوية داخلها لتقوية شوكتها وتمكينها من تحقيق رؤيتها تجاه مجموعة من القضايا الرئيسية، لافتًا إلى أن حزبه (الديمقراطي الاجتماعي) مستمر في تجميد عضويته وبانتظار ما سوف تسفر عنه المحادثات بشأن طبيعة عمل الحركة الفترة المقبلة.

وتعرضت الحركة المدنية إلى انقسامات كبيرة بعد أن فشلت في التوافق حول مرشح رئاسي في الانتخابات الرئاسة الماضية التي فاز بها الرئيس عبدالفتاح السيسي، إذ كان من المقرر أن تقود السباق ثلاث شخصيات ومع فشل رئيس حزب تيار الكرامة السابق أحمد الطنطاوي في تحقيق التوكيلات المطلوبة لخوضه الانتخابات وانسحاب رئيسة حزب الدستور جميلة إسماعيل بقي فريد زهران رئيس الحزب الديمقراطي الاجتماعي وخاض السباق بلا دعم من الحركة، التي لم تتوافق على المشاركة في المرحلة الثانية من الحوار الوطني، وبدا أن لكل حزب رؤية مغايرة للحوار.

4