هل يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في الهجمات البيولوجية

وضع سيناريوهات محتملة يساعد على إنشاء أدوات سيبرانية هجومية متطورة.
الأحد 2024/04/21
قياس المخاطر بدقة

لطالما كان تجاوز الذكاء الاصطناعي للذكاء البشري وخروجه عن نطاق السيطرة لإلحاق الضرر بالبشرية مبعث مخاوف دائمة رافقت التطورات السريعة التي عرفتها تقنيات الذكاء الاصطناعي في السنوات الأخيرة، وفي هذا الإطار قدمت مؤسسة راند البحثية تقريرا حديثا تناولت فيه المخاطر المحتملة لسوء استخدام الذكاء الاصطناعي أو نماذج لغوية كبيرة في سياق الهجمات بالأسلحة البيولوجية.

واشنطن - شهد استخدام الذكاء الاصطناعي خلال الفترة الأخيرة توسعا في المجالات المختلفة، بدءا من الأبحاث الطبية ومرورا بإدارة التفاعلات الكيميائية والتنبؤات ووصولاً إلى استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في الهجمات الإلكترونية والمادية، كما أن الرئيس التنفيذي لشركة “أنثروبيك” الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي، داريو أمودي، حذر من قدرة الذكاء الاصطناعي على صنع أسلحة بيولوجية في المستقبل القريب.

وكان أمودي أشار إلى أن الخوف من الذكاء الاصطناعي المتطور يكمن في إمكانية استخدامه لإنتاج فايروسات خطيرة وأسلحة بيولوجية أخرى في أقل من سنتين، بحسب تقرير سابق لصحيفة “واشنطن بوست”.

وبدأ المشرّعون في جميع أنحاء العالم، منذ أن احتل الذكاء الاصطناعي التوليدي (الذي يستخدم البيانات لإنشاء محتوى جديد يشبه ما ينتجه البشر مثل “تشات جي بي تي”) عناوين الصحف العام الماضي، يفكرون في كيفية التخفيف من مخاطر التكنولوجيا الناشئة وتداعياتها على الأمن القومي والاقتصاد.

ووفق مصادر إعلامية، فإن العلماء سبق أن حذروا من أن “تشات جي بي تي” من شركة “أوبن إيه آي” يمكن أن يساعد أي شخص على تطوير أسلحة بيولوجية فتاكة من شأنها أن تدمر العالم.

وفي تقرير حديث صادر عن مؤسسة راند البحثية، ناقش كل من كريستوفر أ. موتون وكاليب لوكاس وإيلا جيست المخاطر المحتملة لسوء استخدام الذكاء الاصطناعي أو نماذج لغوية كبيرة (LLMs) (خوارزميات ذكاء اصطناعي تستعمل تقنيات التعلم العميق والبيانات الضخمة) في سياق الهجمات بالأسلحة البيولوجية.

ولفت التقرير إلى المحاولة الفاشلة لجماعة “أوم شينريكيو” اليابانية لمهاجمة مترو أنفاق طوكيو باستخدام “توكسين البوتولينوم” في تسعينات القرن العشرين، والتي فشلت بسبب عدم فهم البكتيريا، وهي المشكلة التي يمكن للذكاء الاصطناعي حاليا حلها بسهولة وسرعة.

الخوف من الذكاء الاصطناعي المتطور يكمن في إمكانية استخدامه لإنتاج فايروسات خطيرة وأسلحة بيولوجية أخرى

وتم تناول التقرير في مقال نشره مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة تحت عنوان “نهج الفريق الأحمر: احتمالات استخدام الذكاء الاصطناعي في الهجمات البيولوجية” عرضته منى أسامة، مشيرة إلى أنه يطرح رؤى سياسية للتخفيف من أي مخاطر لتطوير الذكاء الاصطناعي بشكلٍ مسؤول.

واستهدف التقرير بشكل رئيسي بحث احتمالات إساءة استخدام النماذج اللغوية الكبيرة من قبل جهات فاعلة غير حكومية “خبيثة” للتخطيط لهجمات بيولوجية. وبالتالي اعتمد على أدلة تجريبية بشأن تطوير المقاييس الكمية، وطرق الاختبار، وأدوات المساءلة.

ولم يكشف التقرير عن البرامج التي تم اختبارها لتحقيق التوازن بين توفير معلومات كافية للمناقشات الأكاديمية والسياسات مع ضمان عدم الكشف عن أي تفاصيل قد تؤدي إلى تمكين الجهات الخبيثة، فالهدف هو المساهمة في فهم التهديدات المحتملة للأسلحة البيولوجية ودعم تطوير إستراتيجيات لمواجهة هذه التهديدات، وتعزيز عالم أكثر أمانا.

واعتمد الفريق الأحمر في هذا التقرير على نهجٍ متعدد الأساليب يدمج بين العناصر النوعية والكمية ويتماشى مع العلوم الاجتماعية، التي تقدم منطقا بحثيا لفهم التفاعلات البشرية المعقدة، ومن ثم تبنى التقرير منهجية مكونة من مجموعة متنوعة وواسعة من سيناريوهات التهديد.

والفريق الأحمر هو مصطلح في الأمن السيبراني، يعني تنفيذ محاكاة لهجوم حقيقي بعلم من إدارة المؤسسة، ويهدف إلى فحص جميع السيناريوهات الممكنة والوقوف على مدى جاهزية الأجهزة المعنية لصد جميع أنواع الهجمات التي قد تتعرض لها المؤسسات في الواقع، عن طريق الكشف عن نقاط الضعف المحتملة، وتتراوح هذه السيناريوهات بين استخلاص تصميم الأسلحة من الذكاء الاصطناعي، وإنشاء أدوات سيبرانية هجومية متطورة، والحث على سلوكيات خطرة أخرى غير مقصودة. وتساعد هذه الإجراءات على قياس المخاطر بدقة، وضمان تخصيص الموارد والاهتمام بكفاءة للمواجهة، مع التركيز على العناصر الخطرة.

المهام التي تنطوي على التخطيط لهجوم بأسلحة بيولوجية من المحتمل أن تقع خارج القدرات الحالية للنماذج اللغوية الكبيرة

ويتطلب الفريق الأحمر تحقيق التوازن بين الدقة المنهجية والقدرة على التكيف الإبداعي لتقييم مجموعة متنوعة من التهديدات المحتملة ومواجهتها بشكل فعال. مع ذلك، فإن الهدف الأساسي ليس التنبؤ الدقيق بمجموعة محدودة من السيناريوهات المستقبلية الصحيحة، وإنما فحص مجموعة واسعة من السيناريوهات المستقبلية المحتملة.

ويركز التقرير على التحقق من التأثير التشغيلي في العالم الحقيقي للنماذج اللغوية الكبيرة، إذ يلاحظ أن المخاطر النظرية تبدو أقرب إلى رؤى قابلة للتنفيذ، لذلك بدأ بدراسة تهديدات الأسلحة البيولوجية عبر تحليل مشروعات “فيجنيت” (vignette) الموجزة -وهي المشروعات التي تحدد الأهداف الإستراتيجية لأربعة عناصر هي: المهاجم، وموقع الاهتمام، والسكان المستهدفون، والموارد المتاحة- حول سيناريوهات المخاطر الواقعية المختلفة، من أجل تحديد الأهداف الإستراتيجية للجهات الخبيثة وإجراء تقييمات للهجمات الافتراضية بالأسلحة البيولوجية.

وتم من خلال اختيار أربعة من هذه المشروعات تجنب التنبؤات الهشة ذات النقطة الواحدة وتقديم مجموعة متنوعة من الظروف المستقبلية المحتملة التي يمكن الاسترشاد بها في تنظيم الذكاء الاصطناعي.

ولا تشمل مشروعات “فيجنيت” الموجزة نطاق التهديدات، لكنها تنشئ خطا أساسيا للنتائج الأولية والتكرارات اللاحقة. وهناك مجموعتان استخدمتا الذكاء الاصطناعي بشكل فعال لتطوير عملهما؛ الأولى هي “السايبورغ” التي تعمل على دمج إجابات الذكاء الاصطناعي مع الخبرات البشرية وتطويرها بشكل مستمر. أما الثانية فهي “القنطور”، وتعني تفويض المهام المناسبة للذكاء الاصطناعي والتركيز على خبراته.

سيناريوهات الاختبار

بعد مراجعة التقرير لسجلات النماذج اللغوية الكبيرة التي تم إنشاؤها أثناء البحث، خلص إلى أن بعض مخرجات النماذج غير ملائمة أو تحتوي على مواد غير مناسبة لتنفيذ هجوم بيولوجي في الوقت الحالي. ففي أحد السيناريوهات حددت النماذج اللغوية الكبيرة عوامل بيولوجية مسببة لأوبئة خطرة، مثل الجدري والجمرة الخبيثة والطاعون وإحدى سلالات فايروس الأنفلونزا، وطرحت مسألة احتمال تسبب هذه الأوبئة في الموت الجماعي للأفراد والنسب المتوقعة للوفيات، والتي تعتمد على عوامل مثل حجم السكان المتضررين وسرعة وفاعلية الاستجابة لمسببات الهجوم البيولوجي.

وفي سياق متصل ناقشت النماذج اللغوية الكبيرة وسائل وطرق النقل والوقت والكلفة والعوائق المرتبطة بالحصول على عينات حية مسببة للهجمات البيولوجية، مثل القوارض والبراغيث المصابة بـ”اليرسينيا الطاعونية”، ويتطلب استخراج هذه المعلومات من النماذج اللغوية الكبيرة تقنية كسر الحماية، أي استخدام المطالبات النصية التي تتجاوز قيود السلامة الخاصة ببرنامج الدردشة الآلية، لأن تلك النماذج رفضت في البداية مناقشة هذه الموضوعات، على الرغم من أن المعلومات متاحة بشكل عام ضمن حملات التوعية الحكومية.

هل تساعد هذه التقنية على تطوير أسلحة بيولوجية فتاكة؟
هل تساعد هذه التقنية على تطوير أسلحة بيولوجية فتاكة؟

وفي سيناريو آخر قدمت النماذج اللغوية الكبيرة تعليمات بسيطة حول كيفية زراعة “يرسينيا بيستيس”، البكتيريا المسببة للطاعون. والجدير بالذكر أن الحصول على المعلومات لا يتطلب كسر الحماية، إذ يمكن العثور على البروتوكولات التفصيلية لكيفية إنجاز الخطوات عبر الإنترنت وفي المجلات الأكاديمية المتاحة للجمهور. لذلك قامت النماذج اللغوية الكبيرة بتقصير المهمة إلى خطوات بسيطة وقدمت شرحا قصيرا لما تتطلبه كل خطوة، كتوفير بيئة ملائمة لنمو البكتيريا والمراقبة ثم الحصاد.

وقدمت النماذج اللغوية الكبيرة في سيناريو ثالث مناقشة دقيقة حول إيجابيات وسلبيات الآليات المختلفة لتوصيل “توكسين البوتولينوم”، عبر التراب الجوي أو الغذاء. واعتبرت تلك النماذج طريقة النقل بالغذاء “واضحة” لكنها “محفوفة بالمخاطر”، ولاسيما ما تعلق بالكشف المحتمل عن السم عند وضعه في أنواع معينة من المواد الغذائية. أما أساليب النقل عبر التراب الجوي فاعتبرتها النماذج اللغوية الكبيرة فعالة في التأثير على عدد كبير من السكان بسرعة، لكنها تتطلب معدات وخبرة متخصصة.

واقترحت النماذج اللغوية الكبيرة في السيناريو الرابع طرقا بسيطة للتهرب من قيود الطائرات من دون طيار في إحدى المدن الأميركية الكبرى. وتضمنت الاقتراحات معلومات حول تشغيل طائرة من دون طيار بشكل غير قانوني، بحيث تكون الطائرة صغيرة الحجم وذات سرعة عالية وتعمل ليلاً من أجل تقليل فرص اكتشافها. كما اقترحت النماذج اللغوية الكبيرة استخدام معدات التشويش على الرادار، وهذا ما يعني وجود خلط لدى تلك النماذج بين الطائرات التجارية الصغيرة من دون طيار ونظيرتها العسكرية، والتي غالبا ما تستخدم أنظمة الرادار للكشف عن الهجوم.

ويبدو أن السيناريوهات التي تم التوصل إليها لم تكن مُرضية، وفق تقرير مؤسسة راند البحثية، وذلك من حيث وجود أساس مفصل ودقيق بما فيه الكفاية حتى يتمكن الفاعل الخبيث من تنفيذ هجوم بيولوجي فعال. والسبب هو أن منهجية الفريق الأحمر تركز على مرحلة التخطيط فقط ولا تأخذ في الاعتبار مرحلة التنفيذ الفعلي.

ونتيجة لذلك يشير التقرير إلى عدة عوامل خارجة عن قدرات أو قيود النماذج اللغوية الكبيرة يمكن أن تفسر النقص في النتائج. أولها افتقار المشاركين في الفريق الأحمر إلى الخبرة والمعرفة اللازمة لمحاكاة المهاجمين الفعليين بدقة. أما العامل الثاني فيتعلق بالقيود المتأصلة في تصميم الدراسة، والتي أعاقت التطوير الواقعي لخطة قابلة للتطبيق. وأخيرا، التعقيد الجوهري المرتبط بتصميم هجوم بيولوجي ناجح يضمن وجود أوجه قصور في الخطط.

وبشكل عام تشير النتائج إلى أن المهام التي تنطوي على التخطيط لهجوم بأسلحة بيولوجية من المحتمل أن تقع خارج القدرات الحالية للنماذج اللغوية الكبيرة. ونظرا للطبيعة المعقدة لهذه المهام، والتي تتطلب خبرة متخصصة، فإن استخدام تلك النماذج لا يبدو أنه يعزز بشكل كبير مخاطر الهجوم بالأسلحة البيولوجية. ومع ذلك، فإن القدرات التكنولوجية للنماذج اللغوية الكبيرة ليست ثابتة ومن المتوقع أن تتطور بمرور الوقت. وبالتالي حتى لو كانت النتائج الحالية لا تعكس وجود خطر كبير ومباشر ينتج عن النماذج اللغوية الكبيرة فإن هذه المخرجات تستلزم ضرورة استمرار بذل الجهد.

مخاطر مستقبلية

Thumbnail

يرى التقرير أنه لم يلاحظ أي فرق بين خطط الهجوم بالأسلحة البيولوجية التي تم إنشاؤها بمساعدة أو من دون مساعدة النماذج اللغوية الكبيرة فيما يتعلق بالقدرة على الاستمرار.

كما تشير النتائج أيضا إلى أن التخطيط لهجوم بالأسلحة البيولوجية يتجاوز حدود قدرات النماذج اللغوية الكبيرة المتاحة على الأقل حتى نهاية صيف عام 2023، علما بأن متانة هذه النتيجة تتعلق بالتطورات المستقبلية في تكنولوجيا النماذج اللغوية الكبيرة، وهي مسألة غير محسومة، بالإضافة إلى ذلك لم يفحص التقرير النماذج بدقة من دون أي حواجز حماية، وعلى الرغم من أن هذه النماذج قد تكون أقل قدرة إلا أن الإصدارات المستقبلية قد تكون أكثر كفاءة وأقل تقييدا في المشاركة في تصميم هجوم بالأسلحة البيولوجية. ولذلك فإن البحث المستمر ضروري لرصد التطورات، حسب التقرير.

وتُعد منهجية الفريق الأحمر إحدى الأدوات المحتملة للدراسات المستقبلية، لقدرتها على محاكاة ديناميكية التدابير المضادة، بالاكتشاف المبكر لقدرات النماذج اللغوية الكبيرة الناشئة التي يمكن أن تزيد من جدوى خطط الهجوم بالأسلحة البيولوجية.

ومع تزايد فهم التهديدات المحتملة المحددة التي تشكلها النماذج اللغوية الكبيرة يمكن أن تركز تمارين الفريق الأحمر على المهام المحددة، وتعزيز الأبحاث المستقبلية، كما أنه لا بد من توسيع نطاق التجربة التي أجريت في التقرير لتشمل مجموعة أكبر وأكثر تنوعا من الباحثين.

مع العلم أن هذه التجارب الأكبر ستتطلب المزيد من الوقت والمال، ما يجعل من الضروري تحسين كفاءة الدراسة. أما بالنسبة إلى عملية التحكيم فيمكن أن تنتقل في المستقبل إلى أنظمة غير متزامنة، إذ تتطلب التناقضات الرئيسية في النتائج مناقشة متعمقة، كما يمكن تقليل المتطلبات الزمنية للمشاركين من خلال إعطاء المشاركين المعلومات الأساسية مسبقا أو عن طريق زرع مفاهيم التخطيط الأولية للهجوم.

ختاما، خلص التقرير إلى أنه مع توافر المزيد من الوقت، أو المهارات المتقدمة، أو الموارد الإضافية، أو الدوافع المتجددة، يمكن تصور أن يتم تحفيز جهة فاعلة ضارة غير حكومية لاستخدام النماذج اللغوية الكبيرة الحالية أو المستقبلية للتخطيط أو لشن هجوم بالأسلحة البيولوجية.

ولم ينف التقرير وجود مخاطر، لكنه لم يجد أي ميزة كبيرة تقدمها تلك النماذج مقارنة بشبكة الإنترنت وحدها فيما يتعلق بتطوير هجوم بالأسلحة البيولوجية.

ويشار إلى أن ظهور الذكاء الاصطناعي رافقته قائمة طويلة من التحذيرات والمخاوف، من بينها تحذير قادة التكنولوجيا في العام الماضي من إمكانية استخدام الذكاء الاصطناعي في صنع أسلحة بيولوجية.

13