السوداني والإطار التنسيقي.. هل حان موعد الفراق

كلما اقترب موعد الانتخابات زادت الخلافات والتصارع من أجل النفوذ بعد أن كان الجميع في مركب واحد لتبدو الصورة أن أحدهم ينوي القفز من المركب ليعوم بعيداً عن الآخرين.
الخميس 2024/03/14
تغيير قانون الانتخابات ليس بدعة

كالعادة، تصطنع المنظومة السياسية في العراق “بدعة دستورية” اسمها الانتخابات المبكرة، كلما واجهتها تحديات تعترض مصالح الكتل والأحزاب الحاكمة أو التي تقف في طريقها الأزمات. وفي حقيقة الأمر لا يوجد لهذه البدعة سند دستوري يتعلق بالانتخابات المبكرة، حيث لم تخطر في بال المُشرّع الذي كتب الدستور هذه المسألة إلا في حالة واحدة وهي حل البرلمان نفسه، بحسب المادة 64/ثانياً، عندها يدعو رئيس الجمهورية للانتخابات بعد مرور مدة أقصاها 60 يوماً على حل البرلمان، مما يؤكد إن عبارة الانتخابات المبكرة لم ترد، بل الانتخابات العامة.

أما قوانين الانتخابات فهي تخضع لأمزجة الفاعل السياسي، وحسب ما تقتضيه المصالح والمنافع لزعامات السلطة الحاكمة، فبعد قانون الدوائر المتعددة الذي أُجريت على أساسه الانتخابات العامة في العراق في العاشر من أكتوبر 2021 والتي فاز بها مقتدى الصدر، حاولت الكتل الخاسرة والتي شعرت بخطورة ذلك القانون على مصيرها السياسي من العودة إلى القانون القديم الذي بُنيت عليه الانتخابات السابقة وهو نظام “سانت ليغو”، ليتم إجراء الانتخابات المحلية، التي أُقيمت بعد أكثر من عشر سنوات على آخر انتخابات محلية، في الثامن عشر من ديسمبر 2023 على أنقاض ذلك النظام الذي تم رفضه سابقاً.

ازدواجية التفكير السياسي والتخبط في إدارة دفة السلطة جعلا أغلب قيادات وزعامات الإطار التنسيقي الحاكم بزمام السلطة تلجأ إلى حيلة جديدة تتلخص في التحضير لقانون انتخابات جديد بتعديلات تهدف إلى تقليل حظوظ رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني في البرلمان المقبل.

◙ المشهد الضبابي الذي يكتنف الواقع السياسي في العراق تعلمنا منه حكمة تقول "إن الشعب الذي يرهن مستقبله وحاضره إلى القدر وأيادي المتلاعبين بمصيره لا يلوم إلا نفسه"

تشير التلميحات من داخل غرف السياسة إلى وجوب إيجاد قانون انتخابي يسعى إلى تثبيت أوزان قوى الإطار التنسيقي سلفاً، ووضع خطوط حمراء لتجنب فوز أي حليف شيعي جديد بعدد أكبر من المقاعد يظهر على الساحة السياسية.

القانون الانتخابي الجديد يقترح تقسيم العراق إلى 50 دائرة انتخابية واعتماد الفائز الأعلى، حيث تحتفظ بغداد العاصمة وحدها بعشر دوائر، مع مزج القانون الجديد ببعض الوصفات التي من شأنها أن تمنع السوداني أو غيره من عبور الخطوط الحمراء التي وضعتها له كتل وأحزاب الإطار التنسيقي وشروطها التي ألزمته بعدم مشاركة حزبه “تيار الفراتين” بالانتخابات المحلية التي أُجريت مؤخراً.

وفي حين أكد ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي أن تغيير قانون الانتخابات ليس بدعة، وليس خائفاً من جمهوره من نجاح رئيس الوزراء في المسؤولية التنفيذية، عاد إلى القول إنه في حال فوز السوداني بـ80 مقعداً فإنه قد لا يحصل على رئاسة الوزراء.

حيث اشترط نوري المالكي، رئيس ائتلاف دولة القانون، على من يريد الاشتراك في الانتخابات أن يُقدّم استقالته من السلطة التنفيذية قبل الانتخابات بفترة لا تقل عن ستة أشهر، لكي لا يُوظّف إمكانية الدولة في خدمته أو يبقى في سلطته التنفيذية ولا يُشارك، في تلميح مُبطّن لعدم النيّة لتجديد الولاية الثانية للسوداني الذي قد لا يحصل على أكثر من أربعة مقاعد حسب تعديلات القانون الجديد، في الوقت الذي يروج فيه أنصار رئيس الوزراء إلى الفوز بنحو 60 مقعداً بناء على أرقام ووقائع ومعطيات الانتخابات المحلية التي أُجريت مؤخراً.

◙ أغلب قيادات وزعامات الإطار التنسيقي تلجأ إلى حيلة جديدة تتلخص في التحضير لقانون انتخابات جديد بتعديلات تهدف إلى تقليل حظوظ السوداني في البرلمان المقبل

ومن المؤكد أنه وفق هذا القانون الجديد فإن ائتلاف المالكي وحسب ما درجت عليه العملية السياسية مستعد لتقديم تنازلات مقابل تمرير التعديل الانتخابي في البرلمان العراقي، من بينه إنهاء أزمة المحكمة الاتحادية مع إقليم كردستان، ومنصب رئيس البرلمان مع السنة، أما بقية الشركاء في الإطار التنسيقي فيبدو أنهم فقدوا الرغبة في مؤازرة السوداني خصوصاً بعد الشعور أن العمل السياسي لرئيس الوزراء بدأ يُحسب لشخصه وليس للإطار التنسيقي الداعم له.

لم ينتظر السوداني ردود الأفعال حين وجد أن الهجوم أفضل وسيلة للدفاع ضد الموقف المتصاعد من خصومه فقام بمحاولات إرضاء للكرد عبر إرسال دفعات شهرية من الأموال للإقليم لغرض تسديد رواتب موظفيه وفي أن يكون بيضة القبّان في ترشيح الشخصية الملائمة لمنصب رئيس البرلمان.

كلما اقترب موعد الانتخابات العامة المقررة في العام القادم، زادت الخلافات والتصارع من أجل النفوذ بعد أن كان الجميع في مركب واحد لتبدو الصورة أن أحدهم ينوي القفز من ذلك المركب ليعوم بمفرده بعيداً عن الآخرين.

المشهد الضبابي الذي يكتنف الواقع السياسي في العراق تعلمنا منه حكمة تقول “إن الشعب الذي يرهن مستقبله وحاضره إلى القدر وأيادي المتلاعبين بمصيره لا يلوم إلا نفسه”.

9